رئيس التحرير
عصام كامل

الفساد يغلق أبواب أسمنت بورتلاند طرة


في خبر لا يعد غريبا بالنسبة لي، أظهر خطاب من العضو المنتدب لشركة "أسمنت طرة" للعاملين بها، إن إدارة الشركة قد تضطر لتصفيتها في حال وجدت صعوبات في تنفيذ قرار الإيقاف المؤقت.


في 10 يونيو الجاري وافقت الجمعية العامة غير العادية لشركة أسمنت "بورتلاند طرة" على قرار مجلس الإدارة بالإيقاف المؤقت للشركة، لوقف نزيف الخسائر التي تتعرض له. وقد تبين أنه من الأسباب التي دفعت مجلس الإدارة والجمعية العمومية للشركة لإيقاف نشاطها زيادة الطاقة الإنتاجية للأسمنت المفاجئة خلال الثلاث سنوات الأخيرة والتي أدت إلى خلق بيئة تنافسية غير متوازنة حيث قامت جميع شركات الإنتاج بخفض الأسعار إلى مستويات لا تغطي تكلفة الإنتاج.

ومن سوء حظ الشركة –كما ذكر العضو المنتدب- أنها كانت تعاني بالفعل من موقف مالي متدهور، فقد أدى هذا الوضع في السوق إلى زيادة تراكم الديون التي وصلت إلى 800 مليون جنيه، حيث بلغ مستوى تعجز معه الشركة عن الاستمرار، وهو المستوى الذي يفرض على الشركة وقف أنشطتها.

والأكثر من ذلك فإن التوقعات المستقبلية القريبة لا تحمل نظرة إيجابية؛ وهو ما يعني أنه من وجهة نظر العضو المنتدب قد حان الوقت لاتخاذ قرارات صارمة ومؤلمة أكثر من أي وقت مضى. وتشير التقديرات إلى وصول حجم استهلاك الأسمنت بنهاية العام الجاري إلى نحو 50 مليون طن مقابل الطاقة الإنتاجية لجميع شركات الأسمنت في مصر التي تزيد عن 85 مليون طن.

وهذه الأرقام تشير إلى وجود فائض في الإنتاج يقدر بنحو 35 مليون طن بنسبة تفوق 70%، وهذا الفائض في الإنتاج هو أكثر من إجمالي الاستهلاك السنوي لدولة مثل إيطاليا أو إسبانيا أو المغرب أو جنوب أفريقيا.

وقالت شركة أسمنت "بورتلاند طرة"، في بيان للبورصة، الشهر الماضي، إنها سجلت قيمة سلبية لحقوق المساهمين في 2018 بلغت 196 مليون جنيه، فيما حقق نشاط الأسمنت منفصلا خسائر بقيمة 37 مليون جنيه في 2018، و72 مليون جنيه خلال الربع الأول من العام الجاري.

وقالت الشركة: إنها "بذلت كافة الجهود لخفض تكلفة الإنتاج والتشغيل لكن على الرغم من ذلك فإن الوضع المتفاقم في السوق يجعل من نشاط الأسمنت بالشركة نشاطا محققا لخسائر نقدية بصفة مستمرة ولا يتوقع له أن يشهد انفراجة في المستقبل القريب".

ولم يكن أمام الشركة لوقف الخسائر سوى خيارين أما التصفية أو وقف نشاط الأسمنت مؤقتا. وتحولت شركة أسمنت "السويس" للخسارة خلال الربع الأول من العام الجاري، بقيمة 26.4 مليون جنيه، مقابل أرباح بقيمة 243.3 مليون جنيه خلال نفس الفترة من العام الماضي.

وتراجعت أسعار الأسمنت في الأسواق بقيمة تتراوح بين 40 و50 جنيهًا للطن خلال الأيام الماضية. ووصل سعر طن الأسمنت التجاري إلى بين 800 جنيه و810 جنيهات، بينما وصل سعر الطن للمستهلك بين 830 و850 جنيهًا. وهذا السعر أقل من التكلفة الفعلية للطن التي تتجاوز 1000 جنيه، وقد أرجع البعض انخفاض الأسعار إلى حالة الركود الموجودة بالأسواق منذ شهر رمضان الماضي، بالإضافة إلى زيادة المعروض.

وأرجعت شعبة منتجي الأسمنت الخسائر إلى التكلفة الإنتاجية التي زادت بسبب تحرير سعر العملة، وارتفاع تكلفة الطاقة، وارتفاع ضريبة الطَفلة مع محدودية التصدير على المستوى الإقليمي لأسباب تتعلق بزيادة الطاقة الإنتاجية إقليميا وارتفاع سعر المنتج المصري مقارنة بسعر الأسمنت المنتج من دول الجوار.

وهذه العوامل أثرت على قدرة الأسمنت المصري على المنافسة في المستوى الإقليمي والدولي.

ولا يعد خبر العضو المنتدب لشركة أسمنت "بورتلاند طرة" للعاملين بها أن إدارة الشركة قد تضطر لتصفيتها في حال وجدت صعوبات في تنفيذ قرار الإيقاف المؤقت مفاجئا بالنسبة لي؛ لأنه سبق وأن تحدثت عن مشكلات هذه الشركة، وعدم السعي الحثيث نحو حلها من جانب الحكومة، رغم أن أسمنت "بورتلاند طرة" تعد هي شركة الأسمنت الأولى في مصر، وتمتلك شركة السويس للأسمنت نحو 66.12% من الشركة.

وتمتلك شركة أسمنت "بورتلاند طرة" أقدم محجر للحجر الجيري، والذي تم استخدامه في إنتاج أحجار الأهرامات الثلاث. كما كانت أسمنت طرة هي الشركة الأولى في مصر التي تتبع الطريقة الجافة في صناعة الأسمنت. وفي يونيو 2006، حصلت شركة أسمنت بورتلاند طرة على شهادة الجودة من المعهد الأمريكي للبترول (API) لإنتاج أسمنت آبار البترول.

وقامت شركة أسمنت طره، بالتعاون مع شركات أسمنت محلية وأخرى عالمية، بالاستفادة من خبراتها الغنية والممتدة في إنشاء مراكز متطورة للتدريب الإداري والفني على مساحة قدرها 10.000 متر مربع. وقد تم تصميم هذه البرامج التدريبية خصيصًا لتفي بمتطلبات صناعة الأسمنت. إضافة إلى ذلك، أصبحت هذه المراكز بمنزلة ملتقى عالمي للعاملين بهذه الصناعة.

لكن طبعا لأن هذه الشركة شركة قطاع عام فقد كان مطلوبا من الشركات الأجنبية المنافسة والعابرة للقارات أن تخنقها أو تجعلها تسير تحت قيادتها فتحدد لها الأسعار، وكمية الإنتاج، لكن برفض الشركة السير في ركاب الاحتكار الأجنبي كان المخطط بأن تنتج هذه المافيا إنتاجا ضخما وتبيعه بأسعار تقل عن سعر التكلفة فتخسر، لكن في المقابل تجعل شركة طرة تخسر بشدة..

ولما كانت شركة طرة في الأصل تعاني من مشكلات اقتصادية لأسباب سبق أن تعرضت لها من قبل ولا تخلو من فساد، فقد كانت خسارتها فادحة، أما خسائر تلك الشركات الأجنبية فمحسوبة وستعوضها في حالة إغلاق مصنع طرة للأسمنت، حيث احتكار السوق الذي سيخلو لها في غيبة تامة من الرقابة الفعلية للدولة ومنع تلك الخسائر والاحتكار.

الجريدة الرسمية