رئيس التحرير
عصام كامل

إبراهيم العجمي يكتب: انقسام المسلمين.. رؤية الهلال نموذجًا


لا يوجد حديث في العالم العربي والإسلامي اليوم أكثر صخبًا من الحديث حول رؤية هلال شهر شوال، والذي يترتب عليه أول أيام عيد الفطر المبارك لدى المسلمين في مختلف بقاع الأرض، وبالرغم من أنها ليست المرة الأولى في التاريخ الحديث التي تظهر فيها تلك الأزمة، أزمة الانقسام حول بداية ونهاية الشهر الكريم، ولكن يمكن أن نعتبرها في هذه المرة الأكثر جدلًا وغرابة، إذا لم يحمل لنا المستقبل ما هو أغرب.


ببساطة ما يحدث اليوم هو نموذج مصغر لصراع السياسية والدين المستمر لعصور طويلة وقرون، منذ أن كان قيام الدولة وسقوطها يتعلق بالدعاء للحاكم أو الخليفة عقب كل صلاة في المساجد، ومع تقدم التكنولوجيا وتطور التواصل والاتصال اقترب صراع النفوذ السياسي واستخدام الدين كأداة في معادلة صراع النفوذ على تصدر مشهد قيادة العالم الإسلامي، فبالرغم من أن إعلان رؤية الهلال هو أمر فلكي علمي بحت، كان يفترض مع كل تقدم وسائل الرصد الفلكي الحديثة ألا يكون هناك مجال للاختلاف أو الخلاف فيه ولكن ما يحدث هو العكس.

تكمن غرابة إعلان الرؤية هذا العام أنها لم تقتصر على التضارب المعتاد بين دار الإفتاء من دولة لأخرى، كما حدث في الأعوام السابقة، بل مع تصاعد الخلاف المذهبي والطائفي وما يعكسه من احتقان في الوطن العربي، جعل أكثر من دولة نصفها يحتفل بعيد الفطر مع شروق شمس اليوم، ونصفها الآخر يعد شهر رمضان المبارك بآخر أيام الصيام، في ظاهرة تجعلنا نشعر بالأسى والأسف لما وصل له عالمنا العربي والإسلامي من انقسام على الذات.

انقسم اليمن لنصفين على خلفية الحرب الأهلية الدائرة فيه منذ سنوات، نص موالٍ لدولة إيران سياسيًّا، وبالتالي عقائديًّا، وهم أتباع الحوثي الذين يسيطرون على جنوب اليمن، ويحاولون السيطرة على عاصمتها، ويحتفلون بعيد الفطر الأربعاء، والنصف الآخر التابع لما تبقى من الدولة النظامية، بقيادة الرئيس الرسمي عبد ربه منصور هادي، وبالطبع يحتفل مع حلفائه من الإمارات والسعودية الثلاثاء.

وفي العراق الوضع ليس أفضل حالًا، فالصراع المذهبي بين السنة والشيعة يظهر على السطح من حين لآخر، فقد أعلن المجمع الفقهي السني لكبار العلماء للدعوة والإفتاء، أن الثلاثاء هو أول أيام عيد الفطر، كما أعلنت السعودية ودول الخليج، فيما أعلن مكتب المرجع الشيعي الأعلى، على السيستاني انتظار ثبوت الرؤية الشرعية، ومن المتوقع أن تكون الأربعاء مع دولة إيران، وهو نفس ما حدث في سوريا الأسد حيث أعلن النظام الرسمي العيد الأربعاء، وأعلن الجيش السوري الحر أن المناطق التابعة له ولفصائل الجهاد الأخرى الاحتفال بالعيد يوم الثلاثاء.

أما في السودان فكان للانقسام أبعاد أخرى غير الأبعاد الطائفية، وهي إحدى صور الاعتراض من قبل الثوار، وتجمع المهنيين وجمعية الفيزياء الفلكية السودانية، أعلنوا أن الثلاثاء هو العيد على حسب المنطق العلمي البحت، وبالفعل أقاموا صلاة العيد في أغلب ولايات السودان، أما المجلس العسكري الحاكم منذ عزل البشير، وفلول النظام السابق والأحزاب الإسلامية الموالية لهم في انتظار الاحتفال بعد الفطر غدًا، كما أعلنت دار الإفتاء السودانية يوم الأربعاء.

أما بخصوص الموقف الليبي الذي تغير بعد أداء صلاة فجر اليوم الثلاثاء بدقائق، فمن المتوقع أن يستيقط نصف الشعب من النوم يظن أنه صائم آخر أيام شهر رمضان، في حين أن النصف الآخر استقبل تصحيح معلومة دار الإفتاء في وقتها، ويعيش الآن أول أيام عيد الفطر.

والجدير بالذكر أنه في يوليو من عام 2015، أعلن مجمع الفقه الإسلامي في السعودية أن الدولة دفعت مليارًا وستة ملايين ريـال سعودي كفارة عن الشعب السعودي، بسبب خطأ تحديد عيد الفطر، حيث تم إعلان عيد الفطر قبل موعده بيوم!
دفعت هذه الوقائع بعض الحكومات والمفكرين لإطلاق مشروع قمر صناعي موحد لرؤية هلال رمضان حتى تكون أيام الصيام والفطر موحدة في كل بقاع العالم، ولكن ذهب المشروع في طي النسيان، وما أحوجنا لمثل هذه الفكرة اليوم لتوحيد ما تبقى من كلمة المسلمين حتى لو كانت هذه الوحدة مقتصرة على ممارسة الشعائر الدينية.
Advertisements
الجريدة الرسمية