رئيس التحرير
عصام كامل

د. نسرين عز الدين تكتب: ظاهرة النفوق الجماعي للأسماك.. واقع مرير وحلول منتظرة


مازالت ظاهرة النفوق الجماعى للأسماك بمصر تتكرر سنويا وفى توقيتات شبه ثابتة باختلاف نوعية ومكان المسطح المائى حيث النوبات الحادة من الوفيات للأسماك سواء في البيئات المفتوحة كنهر النيل والترع وسواحل البحار والبحيرات أو في البيئات المغلقة كمزارع الأسماك سواءا العذبة أو المالحة باختلاف مواقعها. ولعل من أبرز امثلتها هو نفوق الآلاف من أسماك الوقار بالبحر المتوسط بسواحل مرسي مطروح في عام 2008.


كذلك نوبة النفوق الجماعى لاطنان من أسماك البلطى بمصرف المريوطية وفروع النيل بمحافظة الجيزة في يناير 2010 وبالتزامن وكالمعتاد مع السدة الشتوية والتي تسببت في خسائر للصيادين المؤجرين بهذه المنطقه وتم رفع قضيه بهذه الواقعة أمام النيابة العامة وقد شرفت بان تم اختيارى رسميا من قبل النيابة العامة كعضو علمى ممثل للطب البيطرى للبحث في أسباب هذا النفوق.تلى ذلك نوبة أخرى من النفوق الجماعى لاطنان من البلطى المستزرع ببحيرة مريوط هذا بالإضافة إلى العديد من حالات النفوق للأسماك النيلية بمناطق متفرقة برشيد وفى دمياط والمنصورة وغيرها على مدار عدة سنوات متتاليه.

وفى كل هذه الحالات كانت أصابع الاتهام تشير إلى أن التلوث البيئى باختلاف أنواعه ومصادره هو العامل الرئيسى لهذه النوبات الكارثية من النفوق الجماعى للأسماك المصرية مع مايتبعه من خلل في الخواص الطبيعية والكيميائيه للمياه وانخفاض معايير الجودة بها بما لا يتناسب مع حياة ونمو الأسماك مع انتشار للمسببات المرضية من بكتيريا أو فيروسات أو طفيليات وغيرها والتي تجد في البيئة الأكثر تلوثا وسطا مناسبا للنمو والتكاثر وحصيلة هذا هو كوارث النفوق الجماعى للأسماك وغيرها من الاحياء المائيه الاخرى إضافة إلى تداعيات هذا على صحة الأسماك الحية أيضا وعلى صحة الإنسان وصحة الحيوانات والمزروعات وعلى الناتج القومى اجمالا.

ولعل أحدث حالات نفوق الأسماك هي ما تعرضت له عشرات الاطنان من أسماك الدنيس والقاروص والطوبارة بمزارع دمياط بالمنزلة على مدار الاسبوعيين الماضيين وهى الظاهرة التي تتكرر وفى نفس التوقيت من كل عام مسببة خسائر لاحصر لها للمزارعين بعد انتظار يدوم لعامين أو ثلاثة اعوام وهى دورة الأسماك البحريه متلهفين لجنى ثمار ما انفقوا من تكاليف باهظة سواء لشراء الزريعة أو تجهيز الاحواض أو شراء الاعلاف والمولدات وغيرها من متطلبات الإنتاج إضافة إلى مابذلوه من عناء ومجهود ثم يضيع كل هذا هباء.

أن مزارع هذه المنطقة لها وضع خاص من حيث مصادر مياهها وارتباط مكوناتها بما تجود به بحيرة المنزلة والبحر المتوسط من خير وشر ومما يجعلها عرضه لشتى انواع الملوثات والمسببات المرضيه الوارده والتي من الصعب الحيلولة دون دخولها عبر هذين المصدرين إضافة إلى سوء حالة الصرف والرى لهذه المزارع عبر القنوات التي تحتاج إلى التوسعة والتطهير بأسلوب علمى سليم وممنهج تجنبا لتداعيات أخرى غالبا ما تحدث بعد عمليات التطهير.


ومع تكرار النفوق الجماعى للأسماك بالاطنان بهذه المزارع وغيرها وانتشار التلوث الكارثى القاتل للمياه الوارده من تلوث بحيرة المنزله ورغم مناشدات عديده من أصحاب المزارع المنكوبين ورغم اجتماعات ومطالبات بتكوين جمعيات للصيادين وأصحاب المزارع السمكية وبانشاء اتحاد لمنتجى الأسماك في مصر للدفاع عن مصالحهم وتوسلات بالاهتمام ببحيرة المنزله وتطهيرها وبمعالجة مياه الصرف الصحى والصناعى والزراعى وشق قنوات وفتح بواغيز جديدة لتسهيل جريان وتجديد المياه ولاتاحة دخول زريعة الأسماك اليها من البحر ولكن مع كل هذا لايوجد مردود فعلى أو حتى سعى لحل واضح ونهائى وجذرى وفعال لمسببات هذا النفوق والتدهور ولاإرشاد ولا وقاية ولا متابعة دورية، ويقتصر الأمر دائما على مجهودات تطوعيه وغالبا فردية دون وجود كيان رسمى ناجز يجمع المتخصصين كل في تخصصه الدقيق ليقوم بدور فعال في مثل هذه الكوارث ولا لجان إدارة أزمات رغم تكرار الأزمات وبلا أي استنفار لمؤسسات رسمية هي المنوطة في الأساس بمشكلات الثروة السمكية وتقديم الرعاية والدعم الفنى والعلمى والمادى بل والمعنوى والوقوف إلى جانب أصحاب هذه المزارع والتي تمثل النسبة الغالبة والكبيرة والطاغية من الإنتاج المصرى للأسماك وخاصة البحريه منها.


ومن واقع الدور المنوط بالأطباء البيطريين وبى كأستاذ متخصص في مجال طفيليات الأسماك فكان الزاما تطوعيا بمتابعة حالة النفوق مع توقع مسبق بان حالة النفوق بهذا المنحنى وبصورته هذه من المستبعد أن يكون مسببها الرئيسى هو إصابة طفيلية وان الاقرب لهذه الصورة من النفوق هو التلوث وتداعياته التي اعتدناها من بحثنا وخبرتنا بحالات النفوق من ارتفاع للامونيا وانخفاض للاكسيجين أو وجود مرض بكتيرى.

وقد كنت اتابع مع البعض من أصحاب هذه المزارع على مدار الفترة السابقه لهذا النفوق انتشار طفيل قمل السمك بين أسماك الدنيس والقاروص والطوبارة وكذلك وجود الايزوبود بعده احواض وقد حدثت نفس الإصابة في مثل هذا التوقيت من العام الماضى وقمنا بفحص الأسماك وعلاج الاحواض المصابه ومتابعة الوضع حتى انتهت حدة الإصابة.


وبالفعل بفحص عينات من الأسماك تبين استمرار وجود إصابة كثيفه بنوعين من قمل السمك البحرى مع وجود تقرحات وبقع نزفيه ظاهريه على جلد الأسماك وتساقط القشور في عده مناطق وتاكل بالخياشيم والزعانف في بعض العينات إلا أن معدلات وكثافه الإصابة رغم ارتفاعها لاتصل إلى حاله الموت الجماعى بالصورة التي تم رصدها.وهنا يجب الوقوف على نقطة في غايه الاهميه والخطورة وهى أنه للاسف لايتم التدخل الا بصورة شخصيه وتطوعية وان العلاج للمسببات المرضيه المختلفة بالأسماك يتم وقت الكارثه ومع ارتفاع معدلات الوفيات وتحديدا للطفيليات واخص منها قمل السمك على سبيل المثال كاحد المسببات المرضيه فعلى الرغم من أن مواسم انتشاره خلال العام معلومة ومرئيه للمتابعين ولأصحاب المزارع إلا أن العلاج لا يتم في توقيته الصحيح علميا في فترة وجود الطور المتحرك للطفيل وهى اسهل فترات السيطرة عليه بالمياه كطور ضعيف حر وغير ناضج اما فترة وجوده كطور بالغ يحمل اكياس البيض وهو ملتصق بجسم الأسماك فالسيطرة عليه تكون صعبة وغير ايجابيه بالقدر المطلوب، وهذا ينطبق على اغلب المسببات المرضية الاخرى حيث الوقايه والعلاج المبكر في التوقيت الصحيح كفيله بتجنب قدر كبير من الكوارث، أيضا فان من أهم الظواهر السلبية التي لمستها هي عدم الثقه من نسبه كبيرة من أصحاب المزارع الا بخبرتهم الشخصيه والبعض أيضا يرفض تماما فكرة الإشراف البيطرى على المزارع وهو رفض كثيرا ماتم الافصاح عنه امامنا واعلانه مرارا على صفحات التواصل الاجتماعى أيضا لوحظ عشوائيه التعامل مع العلاجات والمواد الكيميائيه بلا معايير علميه حيث يتم استخدام مركبات تضر بالبيئة وبصحة الأسماك والمستهلك لما لها من تاثيرات سامة وتراكميه بالانسجة كذلك يتم تقدير الجرعات حتى من العلاجات التي يتم وصفها يتم معايرتها لابالاوزان الموصوفة ولكن بعدد الغطيان من الزجاجات وعدد المعالق من المساحيق وهى كارثه تودى بحياه الأسماك.


الكثير والكثير من السلبيات والأسباب ترجع لغياب الدور الارشادى والتوجيه الوقائى الدوري والمستمر من الجهات المسئولة والمعنيه مما اوقع أيضا البعض من أصحاب المزارع والمزارعيم ضحايا لمدعين العلم ممن يطلق عليهم الباراميديكال أو سماسرة ومندوبى المنتجات المضروبة وما اكثرها تداولا بالأسواق واعلاناتها تنتشرعلى صفحات التواصل بلا رقابة.أن الاستزراع السمكى وأيضا البحيرات المصرية يواجهون العديد من المشكلات التي يطول شرحها والتي نشأت كناتج للإهمال والعشوائيه والأسلوب الغير علمى والذي كشف عن اخطر تداعياته في تدمير المخزون السمكى لبحيره كانت من اغنى البحيرات واخصبها إنتاجا لاثمن انواع الأسماك وهى بحيرة قارون بالفيوم والتي شرفت بان اكون رئيسا للفريق العلمى الباحث في مشكلات الزريعة وغزو طفيل الايزوبود والتلوث بها والباحث الرئيسى بالمشروع الخاص بوبائية طفيل الايزوبود ومقاومته بالمسطحات المائيه المصريه ولى بفضل الله العديد من الابحاث الدوليه في هذا الموضوع وكل انجازاتنا في هذا الشان متاحة وموثقه إعلاميا عبر القنوات الفضائيه والمواقع العلميه، أن المشكلات التي تتعرض لها الثروة السمكيه بكل مصادرها تشمل دراسة مستفيضه وواقعيه للأسباب وحلولا علميه وتطبيقيه عاجله بناءً على خطة وإستراتيجية مدروسه من المتخصصين في هذا المجال ومن خلال الجهات الرسمية المنوطة بالثروة السمكيه والاهم أن تكون مبنيه على قاعدة بياتات مرجعيه صحيحة وواقعية.. وهنا نجد سؤالا يفرض نفسه الا وهو: كيف تشير الاحصائيات المعلنه إلى الارتفاع المتزايد في معدلات الإنتاج السمكى على الرغم من تكرار نوبات النفوق الجماعى المشهودة لكل هذه الاطنان من الأسماك سنويا سواء بالنيل أو البحار أو المزارع؟!!.سؤال ينتظر الاجابة.

أ.د/ نسرين عزالدين محمود
كلية الطب البيطرى جامعة القاهرة
رئيس اللجنة العلميه لفحص وانزال الزريعة ببحيرة قارون
رئيس الفريق العلمى واللجنة المشكله للبحث في مشكلات الثروة السمكية ببحيرة قارون
الباحث الرئيسى للمشروع الخاص بدراسة وبائية الإصابة بطفيل الايزوبود بالمسطحات المائيه المصريه وطرق مقاومته.

Advertisements
الجريدة الرسمية