رئيس التحرير
عصام كامل

الشيخ محمد على العليمي يكتب: لكم الأجر إن شاء الله وإن أفطرتم


في زيارة لأحد المستشفيات والجلوس مع المرضى والحديث معهم في شهر رمضان تتجدد العِبَر وتتنوع الحكايات؛ فذاك مريض في أشد درجات المرض حتى وصل به الحال لضرورة إيداعه غرفة العناية المركزة ومع ذلك يأبى أن يأكل أو يشرب في نهار رمضان ويصمم على الصوم حتى لا يضيع أجره (على حد زعمه)، لم ينجح الأطباء أن يقنعوه بالفطر وحتى يرفع الحرج عن الأطباء طلب منهم أن يوقع لهم أنه متحمل كل ما يترتب على صيامه ولا دخل لهم ولا تقصير منهم إن تدهورت صحته.


بهذه الكلمات أخبرني الطبيب وطلب مني أن أحدثه فربما يقتنع بكلامي ويفطر، تحدثت معه فأبكاني بكلماته القليلة المعدودة التي تبين مدى حرصه على ألا يضيع منه أجر الصيام حتى ولو كان مريضًا فقلت له: لك الأجر -إن شاء الله تعالى- كاملًا غير منقوص وإن أفطرت ما دمت معذورًا؛ فقد أخبرنا النبي – صلى الله عليه وسلم – عن أناس أخذوا أجر المجاهدين في سبيل الله وهم في بيوتهم حيث منعهم العذر أن يكونوا في صفوف المقاتلين، فعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَدَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: " إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا، مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ ". وَفِي رِوَايَةٍ: " إِلَّا شَرِكُوكُمْ فِي الْأَجْرِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

فمن حبسه العذر عن عمل صالح اعتاده أخذ أجره وإن لم يفعله بنيته الصالحة؛ لحديث أبي موسى الأشعري قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَلَا مَرَّتَيْنِ يَقُولُ: «إِذَا كَانَ الْعَبْدُ يَعْمَلُ عَمَلًا صَالِحًا، فَشَغَلَهُ عَنْهُ مَرَضٌ، أَوْ سَفَرٌ، كُتِبَ لَهُ كَصَالِحِ مَا كَانَ يَعْمَلُ، وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ»)سنن ابي داود )

هذا وقد التمست الشريعة الإسلامية عند فرض الصيام الأعذار لأصحابها فأجازت الفطر للمريض والمسافر ممن لا يستطيع صيام رمضان قال –تعالى-: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ "(سورة البقرة).
فما دام الإنسان مريضا وقد نصحه الأطباء بالفطر فليفطر وليقضي بعد ذلك هذه الأيام التي أفطرها إن استطاع أن يصوم بعد رمضان بأن كان مرضه مؤقتا، فإن كان المرض دائما فيفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا من متوسط طعامه؛ لقوله –تعالى-: " وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ " (سورة البقرة).

ومن هنا أحب أن أوجه رسالتين:
الأولى: للمتهاونين في شأن الصيام والذين يفطرون في نهار رمضان بدون عذر أن يتقوا الله في أنفسهم وأن يحافظوا على صيام رمضان وليعلموا أن المفطر في نهار رمضان بدون عذر يرتكب كبيرة من الكبائر، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – " مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ، لَمْ يَجْزِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ ". (مسند أحمد).

الثانية : لأصحاب الأعذار الذين منعهم العذر من الصيام، لا تحزنوا لعدم صيامكم ولا تخافوا من ضياع الأجر فلكم الأجر -إن شاء الله- بنيتكم وإن أفطرتم.
Advertisements
الجريدة الرسمية