رئيس التحرير
عصام كامل

المؤلف يسري الجندي: بدأت حياتي ممثلًا مسرحيًا وتحولت إلى الكتابة بالصدفة


  • - أعشق "تشيكوف"..و"محفوظ" أفادني كثيرا و"سرور" ضحية مجتمع
  • -"اليهودي التائه" كشفت اختراق وزارة الثقافة وحرمت "حسني" من "اليونسكو"
  • - التليفزيون يتجاهل إذاعة المسلسلات المهمة مثل: "ليالي الحلمية" و"الشهد والدموع".. ولست متفائلًا بالمستقبل

يحتل الكاتب الكبير يسري الجندي مكانة مرموقة بين كتاب المسرح المصري والعربي، بأعماله المتميزة التي استهلها في أواخر ستينيات القرن الماضي، وتوجت بحصوله على جائزة الدولة التشجيعية في المسرح العام 1981، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، ثم جائزة الدولة للتفوق في العام 2005.
قدمت أعماله على خشبة المسرح مثل: بغل البلدية، حكاية جحا مع الواد قلة، ما حدث لليهودي التائه، مع المسيح المنتظر، القضية 88، على الزيبق، عاشق المداحين، حدث في وادي الجن، دكتور زعتر، سلطان زمانه، الإسكافي ملكًا، القضية 2007، كما مثلت أعماله مصر في مهرجانات عربية، وقدم للسينما عددًا من الأعمال ذات المذاق التراثي مثل: المغنواتي وسعد اليتيم وبحب عيشة الحرية. كما قدم للدراما التليفزيونية أعمالًا من التاريخ والتراث الشعبي وأعمالًا ذات طابع فانتازي وأعمالًا معاصرة منها: عبد الله النديم ونهاية العالم ليست غدًا وأهلًا جدي العزيز وعلي الزيبق ومملوك في الحارة، والمدينة والحصار وعلي بابا وقهوة المواردي والسيرة الهلالية ثلاثة أجزاء، وجمهورية زفتى، وسامحوني ماكانش قصدي وجحا المصري ومن أطلق الرصاص على هند علام؟ ولم تخلُ أعماله من التطرق للمشكلات السياسية والاجتماعية المتصلة بالواقع، وحاز جوائز مصرية وعربية متعددة في مجال الدراما التليفزيونية.
"فيتو" زارت "الجندي" في منزله، واطمأنت عليه، واستفسرت عن حالته الصحية، واستعادت معه رحلة الذكريات التي كشف خلالها عددًا من الأسرار والتفاصيل التي لم تنشر من قبل..

مسقط رأسه
"الجندي" المولود في 5 فبراير 1942، يعود بالذاكرة إلى أكثر من 70 عامًا، حيث البدايات الأولى في مسقط رأسه في "دمياط" حيث تلقى تعليمه بالمدرسة النموذجية الابتدائية، وخطى خطواته الأولى في الفن عبر الأستاذ طاهر سرحان، مُعربا عن سعادته بانتمائه إلى المحافظة التي خرجت الدكتور عبد الرحمن بدوي والدكتور زكي نجيب محمود وسعد أردش، عبد الرحمن أبو زهرة وغيرهم كثيرين.
أما الخطوة الثانية في فترة التكوين، بحسب "الجندي"، فكانت في معهد "المعلمين"، من خلال فرقة مسرحية كبيرة بقيادة الأستاذين: على المغربي ومجاهد محمد، إلا أنهما رفضاه في بادئ الأمر، بسبب حجمه الضئيل، ما دفعه إلى تكوين فرقة مسرحية أخرى ممن هم على شاكلته، وكتب مسرحية بعنوان: "منصور أفندي"، ودعا من رفضوه لحضور العرض الخاص، فأشادوا بالمسرحية وضموها لبرنامج المعهد.
يتذكر "الجندي" تجربته المسرحية الثانية: "العالم الثالث"، التي قرر عرضها في منطقة "رأس البر"، ولكنها واجهت إخفاقًا كبيرًا، وبابتسامة عريضة، يضحك "الجندي" مُعقبًا: "لقد هربنا قبل أن يضربنا الجمهور"، ويعترف "الجندي" أنه تعلم من هذه التجربة المبكرة جدًا درسًا مهمًا وهو: لا بد من معرفة لمن أقدم عملي، وماذا سأقدم له، وبعد ذلك تيقنت أن "التراث" هو الشيء المشترك الدائم بين الكاتب والجمهور.
يتابع "الجندى": "لم يكن لي نشاط أثناء الدراسة إلا أنني بدأت بعد ذلك الكتابة وإرسال مقالاتي إلى مجلة "الأدب البيروتية"، التي كان يرأس تحريرها "سهيل إدريس"، و"الطليعة" التي كان يرأس تحريرها "لطفي الخولي"، عن طريق الناقد الكبير "فاروق عبد القادر"، وتوالت كتاباته بعد ذلك.

الجائزة التشجيعية والتجنيد
يتذكر "الجندي" بكل سعادة جائزة الدولة التشجيعية التي حصل عليها بالصدفة، على حد وصفه، مضيفا: فوجئت بالفنان الراحل "حمدي غيث" يطلب مني التقدم للجائزة، وقدمت مسرحيتي: "عنترة" و"رابعة العدوية"، وكان ذلك في اليوم الأخير، وتم تتويجي بالجائزة، رغم أنه كان هناك اتجاه بمنحها لـ "عبد الرحمن فهمي"، ويرجع "الجندي" بذاكرته إلى الخلف، وتحديدا أثناء فترة تجنيده، مضيفًا أنه قضى فترة تجنيده التي انتهت العام 1965 في رسم اللوحات وتصميم التماثيل، التي لا يزال كثير منها في الحفظ والصون.
"اليهودي التائه ".. واحدة من أبرز مسرحيات "الجندي" التي يقول عنها: إنه كتبها بعد نكسة يونيو 67 بعام واحد، منوهًا إلى أنها واجهت صدى كبيرًا، حتى أن "فاروق عبد القادر" كتب عنها وقال: إنها تقترب من مناطحة العمل التاريخي "حفل سمر من أجل خمسة حزيران" لـ "سعد الله ونوس ".
بعد نفس عميق جدًا.. يقول "الجندي": رغم أن بعض الأجنحة أعلنت رفضها للمسرحية تعاطفًا مع الكيان الصهيوني، إلا أنني أدركت منذ ذلك الحين أنني قد أكون كاتبًا جيدًا، ويجب أن أهتم بأدواتي وأعمالي في قادم المواعيد.
وبضحكة صفراء.. يذكر الكاتب الكبير، أنه في الوقت الذي تصدت فيه بعض الأسماء النافذة لمنع عرض مسرحية "اليهودي التائه"، تم التمكين لعرض مسرحية "شامينا" من تأليف "رشاد رشدي" الذي كان في صدارة الرافضين لـ"اليهودي التائه"، وإخراج "سمير العصفوري".
يضيف "الجندي": في بداية عهد وزير الثقافة الأسبق "فاروق حسني"، قررت الوزارة تنفيذ المسرحية والاشتراك بها في "مهرجان بغداد"، ولكن صدر قرار جديد بمنع سفرها، بناء على تقرير من ""محمد سلماوي" و"سمير غريب" اللذين أعلنا رفضهما للمسرحية مجددا، ولكن أعضاء الفرقة "بورسعيد المسرحية" اعتصموا في المسرح وثارت مشكلة واتصلتُ بالكاتب الكبير سعد الدين وهبة، وكانت أول مرة أتواصل معه واتفقت معه على الحضور في نفس اليوم الذي طلبت من فاروق حسني الحضور لمشاهدة بروفات العرض، وحدث فعلا اللقاء، فإذا بسعد الدين وهبة يثني على المسرحية، مندهشا من محاولات منعها، وبالفعل، تجاوب "حسني" مع رأي "وهبة"، وسافرت وحققت نجاحا مدويا في المهرجان، وكانت حديث الساعة.
لم تنتهِ مشكلات مسرحية "اليهودي التائه" عند هذا الحد، فرغم الموافقة الوزارية على سفرها للخارج ونجاحها المدوي، إلا أنه بعد العودة من مهرجان بغداد، فشل عبد الغفار عودة عندما كان مسؤولا عن مسرح البالون في عرضها، ولم أعرف سببا لمنعها مجددا، على حد قول "الجندي"، وفي العام 2007 استطاعت الدكتورة هدى وصفي، باعتبارها مديرة الهناجر الحصول على موافقة فاروق حسني على عرض المسرحية محليًا، وتم اعتماد ميزانية لهذا الغرض، ولكن تم منعها مجددا بضغوطات من السفير الإسرائيلي بالقاهرة، ما جعلني- والكلام للجندي- أدرك أن وزارة الثقافة كانت مخترقة في ذلك الحين، وقيل وقتها إن اليهود أسقطوا الوزير في معركة اليونسكو ردًا على موقفه الإيجابي من المسرحية!!

ثوابت أساسية في أعمالي
بعد فترة استراحة قصيرة.. استأنف الجندي اجترار الذكريات، مشددا على أنه كان ولا يزال حريصًا في جميع كتاباته على الحفاظ على الثوابت المصرية والعربية، فضلا عن البحث عن الشخصية المصرية بجميع تناقضاتها، مستدلًا بما قدمه في مسلسل "جحا المصري"، حيث كان "جحا" نموذجا لهذا الشخص المتناقض في كل شيء. وأزعم – والكلام للجندي- أن سر نجاح المسلسل يكمن في تماس شخصية البطل مع الواقع والحياة بكل تفاصيلها وأسرارها، مضيفا: أن ابتعاد العمل الفني عن الواقع، وعن الشخصية المصرية يكتب شهادة فشله قبل عرضه، وهذه آفة الأعمال الفنية خلال السنوات القليلة الماضية.

يعشق عبد الناصر
لا ينفي "الجندي" عشقه للرئيس الراحل "جمال عبد الناصر"، حيث يصفه بأنه كان رمزًا للعزة، وعنوانًا للكرامة، مؤكدا أن حالة من البكاء تجتاحه كلما جاءت سيرة "ناصر" أو شاهد صورته، وأردف: عبد الناصر لا تقارن إنجازاته بأي حاكم آخر، ويكفي أن الرجل، رغم الظرف السياسي التي كانت البلاد تمر به، إلا أنه كان مهتمًا بالثقافة اهتماما جادا وحقيقيا، قبل أن يتراجع هذا الاهتمام بدرجات متفاوتة في عصور من جاءوا بعده.

تراجع الدراما
مع تراجع الدراما المصرية وابتعاد الدولة عن الإنتاج، لجأ "الجندي" إلى تقديم أعماله عبر جهات عربية، مثل: "خيبر" و"الطارق" و"سقوط الخلافة" والأعمال الثلاثة تحمل رسائل جادة ومهمة لا بد من دراستها والوقوف للتعلم منها، حيث يرى المؤلف الكبير أن مسلسل "سقوط الخلافة" كان يعبر عن سقوط الدولة العثمانية، جراء مؤامرة كبرى قادها الغرب مستغلًا تواطؤ عناصر من الداخل العربي، والمسلسل كان ينطوي على دروس عن الخيانات العربية، وكيف يتم استغلالها لإسقاط وتدمير المسلمين والعرب على مر العصور.
أما مسلسل "الطارق"، الذي أعتبره واحدًا من أهم مسلسلاتي، والكلام على لسان "الجندي"، فكان يرصد سقوط الدولة الأموية، منوهًا إلى أنه مقتنع بأن سقوطها وضع نهاية للدولة الإسلامية، بما تحمله من دلالات وإسقاطات صارخة ومؤلمة، فيما كان مسلسل "الطارق" يمجد مذبحة اليهود، ما كان سببا في اتهامه بإثارة الكراهية ضد اليهود!
يدين "الجندي" بالفضل لـ "زكريا الحجاوي"، في الاستفادة من التراث واستلهامه في تأليف الأعمال التاريخية، منتقدًا من كانوا يسخرون من جهوده في هذا المجال، ووصفهم بالصغار الذين لا ينزلون الناس منازلهم، ويقدرونهم حق قدرهم، ومن الأعمال التي لا ينساها "الجندي" أيضًا مسلسل "مصر الجديدة" الذي تناول قصة حياة "هدى شعراوي"، منوهًا إلى أنه كان مسلسلًا مهمًا ويحمل رسائل وطنية مهمة، يندر أن تلمسها في أي عمل فني حاليًا، كما يعشق الشاعر والأديب العالمي "تشيكوف"، واصفًا إياه بأنه كان شاعرا وأديبا مبدعا، فضلا عن إنسانيته الرائعة والمتدفقة، كما يعتز كثيرًا بأديب نوبل "نجيب محفوظ"، و"ديستوفيسكى" وغيرهم من أصحاب القامات السامقة في الإبداع اللامتناهي، ويتوقف "الجندي" قليلا عند الشاعر "نجيب سرور"، المعروف بشاعر العقل، والذي عاش بين عامي 1932 – 1978، مؤكدا أنه كان حالة إبداعية متوهجة، ولكنه كان ضحية مجتمعه وعصره، لا سيما بعد رحيل عبد الناصر.

جوهر سليم
يؤمن "الجندي" بأن الجوهر المصري سليم، مستدلًا على ذلك بما حدث مع "عبد الله النديم"، الذي كان لسان حال الثورة العرابية، والمحنة التي تعرض لها بعد فشل الثورة، وأضاف "الجندي": بالرغم من انكسار الثورة العربية والهجوم الذي واجهه عرابي بعد عودته من المنفى إلا أن الفلاحين ظلوا يدافعون عن النديم، في ظل مطاردة السلطة له وأخفوه ولم يخونوه وعاش بينهم سنوات طويلة، وهذا أدهشني وأكد أن الجوهر المصرى سليم الذي يمثله الشعب الذي أحب عرابي وأخفى ودافع عن النديم!

إبداعات منسية
يجزم "الجندي" بأن مبنى "ماسبيرو" مُستهدف، وليست هناك محاولات جادة لاستنهاضه وإعادة الحياة إليه، مندهشًا في الوقت ذاته من الإصرار على عدم إعادة عرض الأعمال والمسلسلات المتميزة، التي تثري الوجدان لدى المشاهد وترفع وعيه وترتقي به، وليس العكس كما حدث في الأعمال الرمضانية التي عُرضت مؤخرا، متسائلًا: أين "ليالي الحلمية" و"المال والبنون" و"الشهد والدموع" و"جمهورية زفتى"، وغيرها من الأعمال الإبداعية الكثير؟

لستُ متفائلًا
ليس من المنطقي أن نكون في حضرة "يسري الجندي" دون أن نسأله عن واقع السينما والمسرح والدراما المصرية، حيث أجاب: "معظم ما يتم تقديمه الآن يمكن وصفه بالرديء و المهترئ والسيئ"، وعندما سألناه: هل هناك أمل، هل التغيير ممكن، هل يمكن أن يعود الفن المصري إلى سيرته الأولى؟ فأجاب ممتعضًا: "للأسف.. لست متفائلاَ.. الموج عال، والأعمال المتميزة إن وُجدت تواجه صعوبة بالغة حتى تبصر النور ويراها الناس، مضيفًا: حتى الكوميديا التي كنا نبدع في تقديمها أصبحت في أسوأ حال، متسائلًا: الكوميديا ليست سطحية ولا سذاجة ولا رخصًا.. أين نحن من كوميديا ألفريد فرج؟



الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية