رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الفنان رشوان توفيق: ما ليش في النفاق.. والمجاملات منعتني من التألق في السينما



أؤمن بعالم الأرواح.. ورأيت شكري سرحان ويحيى شاهين وتحية كاريوكا في الجنة
لن أعتزل التمثيل ولكن لا توجد أدوار مناسبة للفنانين الكبار مثلى

أفنيت عمرى كله للفن وأحزنتني نهاية أول نقيب للممثلين
لو تحقق حلمي بالتمثيل مع فاتن حمامة لتغيرت حياتي بالكامل
وقعت مع هنري بركات عقد بطولة فيلم "الباب المفتوح" وفجأة وجدت صالح سليم يلعب الدور مكاني
زوجتي أعطتني عمرها كله وكافحت معى كفاحا مريرا.. وتحملتني بعد إفلاسي
كبير مهندسي الصوت باستوديو مصر قال إن عمر الشريف لا يصلح للتمثيل بسبب صوته ولولا فاتن حمامة لما أصبح فنانا
الشيخ الشعراوي أصيب بالرعب خلال مشهد إعدامي في مسلسل "الأبطال".. وبعدها أهداني عباءته
ما يحدث في الفن "سفالة" تروج لانتشار البلطجة في الشارع

أجرى الحوار: محمد طاهر أبوالجود
عدسة: أحمد خالد

"أعيش في ستر من الرحمن.. معنديش حيل للبهدلة في السن ده..الحمد لله سمعة الواحد الشرف والنزاهة".. بهذه الكلمات المؤثرة قابلني الفنان القدير رشوان توفيق في منزله بحي الزمالك.

رشوان توفيق، أحد رموز وعلامات الفن الجميل، وعلي الرغم من أنه لم يكن من نجوم الصف الأول، ولم ينل حظه في السينما، إلا أنه نجح في جذب ملايين المشاهدين إلى أعماله المسرحية والدرامية، لم لا وهو الذي احتكر الأدوار الدينية في مسلسلات الموسم الرمضاني خلال فترة مهمة وبارزة في الدراما المصرية، كما أنه يعد أحد المؤسسين لمسرح التليفزيون مطلع الستينيات، وعلى الرغم من غيابه مؤخرًا عن المشهد التمثيلي المتخبط، إلا أنه يبقى علامة مضيئة في تاريخنا الفني، وأميرًا على عرش مدرسة الأخلاق الرفيعة، وهائمًا في حب العمل الجيد، وداعيًا للفكر الذي يرمم الروح.

"فيتو" التقت الفنان القدير رشوان توفيق على مدى أكثر من ساعتين ليروي لنا تفاصيل مشوار رائع امتد لأكثر من 80 عامًا، ويكشف لنا عن عالمه الخاص في مشهد الأرواح، وقصصه وحكاياته مع أساطير الزمن الجميل، وتاريخه الحافل في المسرح والسينما والدراما، وجانب من حياته الأسرية، وحكايات أخرى.. وكان الحوار التالي:

متى داعبك حلم التمثيل؟
منذ الصغر كنت أرغب أن أكون ممثلًا، وبصراحة التمثيل كان سيضيع مستقبلي التعليمي، حيث كنت شقيًا أهرب من المدرسة لأذهب إلى السينما ومشاهدة الأفلام، ثم اضطررت إلى مذاكرة التوجيهية والصحافة كي أتمكن من دخول معهد الفنون المسرحية، وليس الجامعة؛ لأن دخول معهد التمثيل كان حلم حياتي.

* هل تعتبر نفسك أحد الفنانين المحظوظين؟
بالفعل..أعتبر أن جيلى الذي كان يضم الفنانة القديرة سناء جميل من المحظوظين للغاية، حيث تخرجنا في المعهد العالي للفنون المسرحية، مع افتتاح التليفزيون المصري، وأتذكر أنني كنت في يوم 23 يوليو سنة 1960 متواجدا في ماسبيرو، حينما كان لا يزال بـ"السقالات"، وقتها عُينت كمدير ستوديو، وكان يعادل وقتها مدير خشبة المسرح القومي، قبل أن يتم ترشيحي كممثل، وكانت مهنة كبد وعناء شديد؛ لذلك أعظم وأعتى المصورين والمخرجين والممثلين كانوا في فترة الستينيات؛ حيث كانت السهرة التليفزيونية مدتها 120 دقيقة، وتنفذ دون مونتاج، وفي حالة حدوث خطأ يتم إعادة التصوير من البداية.

* كيف كانت أول انطلاقة حقيقية لك في التمثيل؟
كنت أعمل مساعدا للمخرج الراحل كمال أبو العلا، ببرنامج "من الجاني"، وكانت وقتها الأجور في التليفزيون ضعيفة للغاية، وكان من الصعب الاستعانة بنجوم السينما؛ نظرًا لأجورهم المرتفعة، وعندما أتي خبير الإخراج الأمريكي "مستر مور" في عام 1960 قرر الاستعانة بنجوم السينما لأول مرة في سهرة تليفزيونية بعنوان "الصرخة المكتومة"، واستعان بكل من محمود المليجي وزيزي البدراوي وصلاح نظمي، أما الفنان أحمد رمزي، فقد فاجأهم قبل العرض بـ5 أيام وأعطاهم "بومبة" وانسحب، ليرشحني مساعد الإنتاج ويدعي "حبشي" لأداء دور رمزي.. وتطلب اشتراكي في العمل موافقة الفنانة الراحلة زيزي البدراوي، وكانت وقتها قي قمة نجوميتها، وذهبت إليها وكنت فتي أول، وفي قمة لياقتي البدنية "فتنس"، ووافقت على الفور دون إبداء أي رأي، وكانت "الصرخة المكتومة" أول أعمالي التمثيلية، ولم أحصل وقتها على أجر على اعتبار أنني أعمل في التليفزيون، بعد فترة قابلت الفنانة زيزي البدراوي وأعربت لها عن شكري وتقديري لاختيارها لي، فردت:"انت مكنتش عارف إمكانياتك شكلها إيه"- في إشارة لإعجابها بأدائي التمثيلي.

* كيف كانت أول إطلالة لك أمام كاميرا التليفزيون؟
بابتسامة عريضة تسترجع شريط الماضي: الفنان الراحل صلاح قابيل كان عصبيا جدًا، وكان يقول عني: "رشوان بيخاف من الكاميرا"، حيث كان التصوير يتم من خلال كاميرتين يخرج منهما ضوء أحمر، الأمر الذي يجعل الممثل يظهر وكأنه عفريت، وكان شيئًا مخيفًا بالنسبة لي، ولكن الأمر لم يكن خوفًا من الكاميرا بقدر تحملى للمسئولية، وأتذكر عندما كنت ممثلا صغيرا في الإذاعة فوجئت بالفنانة الراحلة أمينة رزق وعبدالرحيم الزرقاني يحملون ورقًا في أيديهم ويؤدون تمارين الصوت؛ لتقوية عضلة الحنجرة، وكان هذا الأمر من الدروس التي تعلمتها في بدايتي الفنية.

* في مسرح التليفزيون.. كيف كانت بدايتك؟
استعان التليفزيون بالفنان الكبير سيد بدير، والذي لم يكن يعرف طريق النوم، حيث كان ينام فقط 5 دقائق، ويعمل 24 ساعة، وكان عقلية جبارة وعبقري، وتم تشكيل 3 فرق مسرحية، وكنت ضمن فريق يضم الفنان عزت العلايلي، وأنور رستم، وحمدي أحمد، أبو بكر عزت، يوسف شعبان، صلاح قابيل، عبدالمنعم عطا، وكنا جميعا "شرقانين" تمثيل، وقدمنا أول مسرحية "شيء في صدري" إخراج الراحل نور الدمرداش، وفي هذا العمل تم الاستعانة بعدد من النجوم الكبار، منهم حمدي غيث، زوزو ماضي، زيزي البدراوي، وقدمنا بعد ذلك مسرحية "الأرض"، من إخراج سعد أردش، وعددا من المسرحيات الضخمة، وبعد النجاح الكبير لمسرح التليفزيون، قرر سيد بدير، زيادة عدد الفرق المسرحية إلى 7، في الموسم التالي، وكان من بينهم ممثلون أصبحوا بعد ذلك من الفنانين البارزين، الزعيم عادل إمام، والفنان القدير صلاح السعدني، وكانوا وقتها طلابا في كلية الزراعة لا يعرفهم أحد وليسوا نجومًا، وفي الموسم الثالث قرروا زيادة عدد الفرق المسرحية إلى 10، ليدخل الفنان جمال إسماعيل، وفؤاد أحمد، وكان مسرح التليفزيون يجوب محافظات الجمهورية.

* وماذا عن أول عمل احترافي قدمته؟
اعتبر أن مسرحية "شيء في صدري" أول عمل احترافي لي، حيث قدمت دور الولد الذي يحب الفنانة الراحلة زيزي البدراوي، وكان أجري 30 جنيها في الشهر خلال فترة الستينيات.

* ما أبرز المواقف الطريفة التي تتذكرها دومًا خلال بداياتك؟
يدخل في نوبة ضحك: كنت قد عدت والفنان عزت العلايلي من رحلة عمل في الجزائر عام 1963، وقررنا الذهاب لأمين حماد، الذي كان رئيسًا للإذاعة والتليفزيون، وكان شديدا جدًا ولم أره يوما مبتسما، وكان حاجبه دوما مرتفعًا، تشجعنا وقتها ودخلنا مكتبه لنطلب منه الحصول على أجر متأخر، لينظر إلينا وقتها نظرة عنيفة.. يتذكر المشهد ويصفه بكل أبعاده وهو يضحك:"دخلنا عليه وحواجبه مرتفعة، بص لنا وقالنا اتفضلوا، وكنا نقف أمام مكتبه مثل المجندين، فرد بغلظة: انتوا مبتشتغلوش..انتوا بتفكروا في التليفزيون بس"، فقلت له: "لأ يا فندم..ده إحنا لسه جايين من الجزائر إمبارح، وعاملين شغل كويس".

* على الرغم من كثرة أعمالك المسرحية والتليفزيونية.. كان ظهورك في السينما نادرًا.. لماذا؟
لم يكن لى حظ في السينما بسبب اختيارات المخرجين، ولكني حصلت على جائزة عن دوري في فيلم "جريمة في الحي الهادي"، واشتركت في 13 فيلمًا، أبرزها "الأنثي والذئاب"، و"الملاعين"، وعندما ظهرت كان الفنانان شكري سرحان وصلاح ذو الفقار في قمتهم والعديد من النجوم الآخرين، ولم أجد أحدا يتبني موهبتي، مثلما كان الحال مع الفنان عمر الشريف، الذي وجد دعمًا هائلًا من الفنانة الراحلة فاتن حمامة، ولكن لم تكن من طباعي أو سلوكياتي السهرات الليلية، أو طقوس الوسط الفني، واعتبر نفسي "رجل بيت".

* وماذا عن ذكرياتك في فيلم "جريمة في الحي الهادي"؟
كنت قد تعاقدت وقتها على التمثيل في فيلم "القاهرة 30" وبعدها حدثت تغييرات ليتم إلغاء الشخصية التي كنت سألعبها؛ بسبب تغيير السيناريو، وظهر الدور ثانويا صغيرا لا يحمل قيمة في العمل، واقتصر فقط على رجل يتوضأ، وهو ما قام به الفنان رؤوف مصطفى.. وفي هذا التوقيت وأثناء خروجي من شركة "صوت القاهرة" التي كان يرأسها الراحل جمال الليثي، قابلني المخرج حسام الدين مصطفى، وقال لي:"أنا عندي دور حلو لك"، فقلت له:"حاضر"، ليخبرني بأنه دور في فيلم "جريمة في الحي الهادي"، ووفقني الله وحصلت على جائزة الدور الثاني بسبب هذا العمل، في حين حصل الفنان شكري سرحان على جائزة الدور الأول عن مشهد الطلاق في فيلم "الزوجة الثانية"، وحصل عبدالمنعم إبراهيم على جائزة الدور الثالث عن فيلم "بين القصرين".

* كيف تبنت فاتن حمامة موهبة عمر الشريف؟
أتذكر أن كبير مهندسي الصوت في ستوديو مصر وكان أجنبيا قال إن عمر الشريف لا يصلح للتمثيل؛ بسبب صوته، حيث لم يكن مدربًا على الأداء الصوتي، وكان صوته صغيرًا، إلا أن سيدة الشاشة العربية كان لها رأي آخر، حيث اختارته ليكون معها بفيلم "صراع في الوادي"، بدلًا من شكري سرحان، الذي رفضت أن يشاركها العمل، حيث كانت لا تحبه، وبعدها انطلق عمر الشريف من خلال التمرين والممارسة، ليكون ممثلا عظيما وفيلسوف السينما ونجمها الأول، وأؤكد أنه لولا فاتن حمامة لم يكن ممثلًا.

*كيف أصبحت محتكر الأدوار الدينية في مسلسلات رمضان؟
الأدوار الدينية بمثابة حياتي، حيث إنني لم أكن أمثلها ولكنى كنت أعيشها، وعندما يجيء لي دور ديني أفتح المصحف وأظل اقرأ جزءين؛ لأجعل الروحانيات تسيطر على أثناء تجسيد الدور الديني.. يسرح قليلًا في طقوسه الخاصة وهو يؤدي تلك الأدوار: "لازم اقرأ قرآن كتير علشان تنتعش روحي.. مينفعش أمثل ديني وبالليل أروح أشرب ويسكي؛ علشان أعمل الدور وروحي متعلقة بالرحمن".. وفي مسلسل "العارف بالله سيدي إبراهيم الدسوقي" - بالأبيض والأسود.. يقسم بالله :"في إحدي الحلقات وأنا أقول الله الله..حسيت أن روحي هتتقبض فيها"، وفي الحلقة الأخيرة بمسلسل "الإمام الشافعي"، وجدت مدحت زكي، وهو أحد عظماء التليفزيون يحدثني وهو يبكي في التليفون بكاءً حارا؛ بسبب مشهد النهاية خلال دعاء الشافعي: "فجرمي عظيم من قديم وحادث وعفوك يا ذا العفو أعلى"، أما بالنسبة لمسلسل "عمر بن عبد العزيز" فيعني لي الكثير، والمخرج أحمد توفيق جعله رمزًا، وقلت للمؤلف عبدالسلام أمين:"أنت بتكتب بفضة مش بحبر"؛ لأنه كان روحانيًا جاهزًا خلال كتابة النص، وأري أن ما كتبه مزيكا وحواراته مذهلة، كما قدمت العديد من الأعمال مثل "سلطان العاشقين-عمر بن الفارض"، "زيد بن حارثة"، "الوزير سليمان"، "هارون الرشيد".

*وماذا عن أبرز الأدوار المهمة التي لعبتها خلال حياتك الفنية الطويلة؟
مسلسل "ضمير أبلة حكمت"، مع الفنانة الراحلة فاتن حمامة"، و"الليل وآخره"، مع الفنان يحيى الفخراني- وفي هذا المسلسل قال لي عنه رئيس مدينة الإنتاج الإعلامي الأسبق عبدالرحمن حافظ: "مشهد عربية اليد كان لازم تاخد الأوسكار فيه"، ومن المسلسلات المحببة لي أيضًا "امرأة من زمن الحب" مع الفنانة القديرة سميرة أحمد، ومن أبرز الأعمال المسرحية، مسرحية "الناس اللى في التالت"، بالاشتراك مع سيدة المسرح العربي سميحة أيوب، وفاروق الفيشاوي، تأليف أسامة أنور عكاشة، وكانت موقوفة ومرفوضة رقابيًا منذ سنوات؛ لأنها تحمل أمورًا سياسية، حتى أرسلها الفنان محمود الحديني للرقابة ووافقوا عليها، وتم تنفيذها، بجانب مسرحية "رابعة العدوية"، و"هاملت".

*ما رأيك في الفنانة سميحة أيوب؟
أري أن سميحة أيوب ملكة المسرح العربي، لما تمتلكه من حضور وإمكانية وطاقة وتكوين جسماني، وجانب إنساني رائع بداخلها، وعملت تحت إدارتها في المسرح القومي، وهي إنسانة عظيمة، واشتركت معها في "رابعة العدوية" سنة 1980.. يظهر متأثرًا للغاية وهو يسترجع الذكريات:"كان فيه مشهد يموت الفتى وهي تقول مونولوج رهيب وفظيع، وأنا في الكالوس-فضلت ادعيلها وأقول: يارب اديها الصحة واحفظها واحفظ قلبها".

*قدمت دور الشرير والصعيدي والكوميديان..ما أقرب الشخصيات إلى قلبك؟
"لم أكن متميزًا في الكوميديا، إنما دور الشر والقاسي أعمله بمزاج أوي، وظهر ذلك في مسلسل الشهد والدموع".

*بصراحة.. ما سبب رفضك فيلم "السكرية"؟
أحد الأشخاص أخبر المخرج حسن الإمام بأنني أعاني من مشكلات في النظر-بالتحديد "أحول"، وعندما عملت معه بأحد الأفلام قال، يستعيد نبرة صوت حسن الإمام: "ما هو مش أحول أهو؟"، بعدها اشتركت في عدد من الأفلام، وأبرزها "جريمة في الحي الهادي" ولم يطلبني للعمل معه في أي فيلم، حتى طلبني في "السكرية" في دور أجمل ما يمكن ورائع، قام به الفنان الراحل حسن عبدالسلام (مأمور قسم الجمالية)..يتحدث متأثرًا ويحبس دموعه: "كان مشهد هاموت عليه، ولكن لما كرامتي تمسني مفيش حاجة أغلى منها..وميهمنيش فلوس ولا دور.. وقلت: هو حسن الإمام مشفنيش من يوم ما أخرج إلا في الدور ده؟- ودايما بقول يارب متذلنيش ولا تحوجني لحد..واجعلني معززا ليوم القيامة".

*كيف كانت اختيارات المخرجين في هذه الفترة؟
بعض الفنانين كانوا حريصين على أن يكونوا دومًا في محيط المخرج "محاوطينه" ليلًا نهارًا، يتناولون العشاء معه، يسهرون معه، لا يتركون له مساحة للتفكير في فنان لآخر..بصوت حزين:"قفلوا على السكة"، في حين أننى كنت مهتمًا ومرتبطًا بأسرتي وزوجتى وأبنائي، وهذا الأمر كان سببًا في قلة أعمالي السينمائية، وأعتبر أن المجاملات منعتني من التألق في السينما، ولكن الرحمن من على بأداء فريضة الحج 7 مرات، والعديد من العمرات، وهذا فضل كبير، وعندما كنا نقدم مسرحية "الناس اللي في التالت" بتونس، قالت لي رئيسة محكمة استئناف تونسية :"أنت أب لكل أسرة عربية" وهذه نعمة كبيرة من الله وفخر عظيم أعتز به.

*ما الشخصية التي تحلم بتجسيدها؟
منذ أن كنت صغيرًا وأنا أحلم بتجسيد شخصية "ميشلنيا"، بمسرحية "أهل الكهف" للكاتب الراحل توفيق الحكيم، ذلك الفتي الذي نام في الكهف 300 عام، وأحب الأميرة "بريسكا"، ولكنني الآن أتمنى أن أجسد شخصية الراعي الصالح، ولدي رسالة أتمنى أن تصل لوزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبدالدايم، بأن مسرحية "أهل الكهف" لتوفيق الحكيم، تصلح لأن تكون مسرحًا سحريًا عالميًا يطوف العالم أجمع، بجانب أن هناك مشاهد لو تم تصويرها سينما، ستحدث ضجة قوية تؤكد للعالم أننا مجتمع سلم وسلام ولسنا إرهابيين؛ كونها تمثل عملا ضخما للمسيحيين، وأتمني أن يتولي هذه المسرحية الأستاذ جلال الشرقاوي أو المخرج القدير محمد فاضل.

بصوت متأثر ورقيق: "عندما أقرأ من القرآن الكريم سورة "الكهف"، أحرص على قراءة الفاتحة على أهل الكهف، وسحرة فرعون الذين آمنوا بسيدنا موسى".

*بصراحة..هل حقًا تؤمن بعالم الأرواح؟
بصوت دافئ المشاعر: "طبعًا مش عايزة كلام أؤمن بهذا العالم، وعندما اقرأ القراآن الكريم باستمرار تصبح روحي قابلة للشفافية، والاتصال الروحي مع الأرواح الأخري يأخذ جزءًا من الثانية، لذلك لابد أن تكون روح الإنسان جاهزة للاستقبال".. يقلد صورة من مشهد اتصال الأرواح بتصفيق سريع بيديه لا يتعدى الثانية، ويؤكد: "بعد كده بصحي افتكر اللى حصل".

*احك لنا رأيك الذي أزعج العندليب الراحل عبدالحليم حافظ، وجعله يزورك في المنام؟
كان لي وجهة نظر أقولها في جلساتي الخاصة، وتوقفت عنها عندما غضب العندليب، تتعلق بأنني كنت أرى أن عبدالحليم حافظ تلميذ في مدرسة محمد الموجي، يؤدي لحن الموسيقار الراحل الذي لم يكن يملك حضورًا على الشاشة، في حين أن حليم كانت ابتسامته جميلة ويملك حضورًا قويًا.. وفي أحد الأيام كنت في ساعة ذكر الله، حتى غلبني النوم في "البلكونة" خلال فصل الصيف، حينها جاءني العندليب في المنام بعد وفاته بـ9 سنوات، وقال لي بصوت شديد الغضب.. يحاول رواية ما حدث بدقة في هذه اللحظة:"لأ يا أستاذ توفيق لأااا"، بعدها استيقظت من النوم، وتوقفت عن إبداء وجهة النظر حتى لا يغضب منى مجددًا، وأتذكر أن أول مرة جاءني الجلاء السمعي في حياتي "هو القدرة الخارقة على سماع رسالات وأصوات لا يسمعها جميع الناس وتكون تلك الأصوات بداخل العقل"، في سنة 1975، خلال انتقالنا بالحافلة من عرفة إلى المزدلفة أثناء أداء فريضة الحج، دخلت في نوبة نوم، وقتها جاءني أبي وقال لي: "متشكر يا رشوان".

*هل بالفعل رأيت بعض الفنانين في الجنة؟
فعلا.. حلمت بالفنانين شكري سرحان، ويحيى شاهين، وتحية كاريوكا أنهم بإذن الله في الجنة، أما بالنسبة للفنان الراحل نور الشريف الذي اعتبره ابني الذي لم أنجبه، فدائمًا أراه في حالة جيدة، ومنذ فترة ليست بالقصيرة رأيته يرتدي بدلة بيضاء شديدة الجمال، وهذا يدل على أنه بإذن الله في مكان أفضل.

*وماذا عن الرؤية التي جعلتك تشعر بقرب المنية وانتهاء الأجل؟
جاءني الفنان الراحل نور الشريف في المنام، وقال لي:"بيقولوا فيه دور مش لاقيين حد يعمله، وشايف مفيش حد هيعمله غيرك"، فسرت الرؤية على أنها رسالة وإنذار على انتهاء الأجل، والله أعلي وأعلم.. بابتسامة القلوب الصافية:"خلاص كبرنا وعجزنا..ربنا يغفر لنا ويستقبلنا كويس..ومهما نعمل لن نوفى الرحمن حقه.. ونستنجد بالله يرحمنا برحمته".

*بدأت حياتك من الصفر كرجل عصامي.. ما أبرز المواقف الصعبة التي واجهتك؟
واجهت الكثير من المواقف الصعبة، والحياة ليست حبا ولعبا، كما أن الدنيا ليست غنوة نرددها، والله سبحانه وتعالى خلق الإنسان في كبد؛ ليكافح ويشقي، ومن أبرز المواقف الصعبة، عندما رشحت من جانب المخرج الراحل هنري بركات لبطولة فيلم "الباب المفتوح"، والفنان الراحل محمود مرسي، وذهبنا لمكتب المخرج الراحل، والتقطنا صور الفيلم، وفجأة وجدت الراحل صالح سليم يلعب الدور مكاني..بنبرة صوت حزينة:"أنا إيه وصلني لصالح سليم..نجم جماهير..وأنا قطرة في بحر"، وكنت أحلم بالتمثيل أمام الفنانة الراحلة فاتن حمامة، ولو مثلت دور صالح سليم في فيلم "الباب المفتوح" لتغيرت حياتي بالكامل؛ لأنه كان دورًا مهمًا أمام سيدة الشاشة العربية، ونجمة النجوم في هذا التوقيت، وفي عام 1977 كلمني الفنان والمنتج الراحل صلاح ذو الفقار، وطلب مني أن أزوره في مكتبه، وعرض على المشاركة في فيلم "أريد حلًا"، مع فاتن حمامة، وطلب منى عدم ارتداء بذلة، وأن أرتدي كلاسيك، قميصًا وبنطلونًا على الموضة، حتى تعجب بي سيدة الشاشة العربية، وذهبنا بالفعل لشقتها، ولكن عمر الشريف كانت له وجهة نظر أخرى، ولم تشاء الظروف أيضًا لأكون مع فاتن حمامة"، وبرغم أنني لم يكن لي حظ في السينما إلا أنني أفنيت عمرى كله للفن والأدوار الصعبة في التليفزيون والمسرح، وكنت أحد الشرفاء، ولكن شاءت الظروف أن ألتقي الفنانة الراحلة فاتن حمامة بعدما كبرت في السن، وشاركتها مسلسل "ضمير أبلة حكمت"، وكانت تحترمني للغاية، وتصفني دومًا بـ"الرجل الطيب".

*كيف لعبت والدتك دورًا في جعلك الفنان المتصوف؟
تلمع عينه تأثرًا مع تذكر أمه: "أمي دعاها ليا اللي معيشني لغاية دلوقتي.. أمي مجبتش بنات علشان كده أمثل حنان الأم"، وورثت وأولادي عنها، الجلاء السمعي؛ حيث كانت شيخة تتعبد معظم الوقت، وتسبح الله حتى أذان الفجر، والحمد لله لم يدخل بيتي كأس خمر، وهذا فضل كبير من الله، ودائمًا أقول: "أنعم علينا يا رب".

*وماذا عن دور زوجتك في حياتك؟
يبكي متأثرًا لدورها العظيم والإنساني: هي روحي؛ اديتني عمرها كله، كافحت معى كفاحا مٌرا، وعمرها ما كنت مفلس وقالت لي بكرة هنعمل إيه؟..مريت بأزمات اقتصادية عنيفة ولم تشعرني للحظة واحدة بضيقها أو استيائها، ولكن قبل أن أحتاج بيكون ربنا حلها ويبعت لي الرزق، وكنت أقول دومًا: يارب ماليش غيرك أعيش وأموت في خيرك متخلنيش مطأطأ الرأس إلا لك يا عظيم"، وحاليًا زوجتي أصبحت غير قادرة على الحركة؛ بسبب معاناتها مع المرض، وأتذكر أنها وقفت معى في كل شيء، حتى في زواج بناتي، ويروي موقفًا يدل على حرص زوجته حتى في حالة عياها الشديد على أن تراه مهندما: "كنت بلبس القميص قبل الحوار معك، وهي نائمة على السرير، وأمسكت بزراير القميص وأغلقتها على نحو صحيح؛ حتى أظهر بمظهر لائق".

*ماذا عن علاقتك بإمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي؟
البداية كانت عندما أعجب الوزير الراحل أحمد عبدالله طعيمة وزير الأوقاف الأسبق، بدوري في مسلسل "عمر بن عبدالعزيز" وهو أحد الضباط الأحرار، وكان من الصالحين وفعالا للخير بشكل لم يحدث في التاريخ، كان متدينًا جدًا، وصديقا مقربا للشيخ الشعراوي، حيث تواصل مع المخرج وطلب منه تليفون منزلي، وعندما عدت من العراق أبلغوني في المنزل أن طعيمة ترك لي رسالة للاتصال به حين عودتي، وبالفعل اتصلت به..يضحك: "كلمته وطلع حبيب الشيخ الشعراوي، ومن بعدها وضعني داخل عينه وأكرمني كثيرًا، ولا أتركه خلال جلساته مع إمام الدعاة"، وفي أول لقاء جمعني بالشيخ الشعراوي، وكانت في ذكري ليلة الإسراء والمعراج، وقتها قلت: "هذا الرجل لا يتحدث من نفسه، ولكن معه ملائكة"، بعد شرحه المذهل والممتع، وبعد اللقاء الأول، فوجئت بمانشيت عريض في أخبار اليوم، الشيخ الشعراوي يقول عن شخصية "محمد كُرَيّم "التي كنت أجسدها في مسلسل "الأبطال":"برافو رشوان توفيق"، بعدها ذهبت لإمام الدعاة في منزله بالمقطم، ووجدته جالسًا على الأرض في "بلكونة" صغيرة، يدرس في كتب ضخمة عن معاني الكلمات، وعندما راَني عانقني بحرارة، وقال لي: "بقيت أحط أيدي على عينيا وهما بيعدموك في مسلسل الأبطال..مش قادر أشوفك وهما بيعدموك..وبنتي تقول لي: يا بابا ده تمثيل"، وأهداني في هذه الزيارة عباءة لونها "بيج" وأعطيتها لابني الراحل توفيق، وبعدها صارت بيننا مودة وعلاقة طيبة.

*من أبرز الفنانين المقربين إليك حاليًا؟
تربطني علاقة صداقة قوية بالفنان القدير عبدالرحمن أبو زهرة، وعزت العلايلي، ورجاء حسين، ونحن على تواصل دائم.

*وماذا عن الشخصية التي لعبت دورًا في دعمك خلال مسيرتك الفنية؟
الفنانة القديرة سميحة أيوب، وهي إنسانة بكل ما تحويه الكلمة من معنى، وكانت تقف بجانب زملائها في ظروفهم المادية الصعبة، حيث كانت مرتبات المسرح لا تكفي سد الاحتياجات المعيشية للفنان.

*كيف ترى حال الفن الآن؟
لابد أن تعود الدولة للإنتاج مرة أخرى، وما يحدث حاليًا "سفالة" فلا يصح أن نري مشاهد البلطجة والأسلحة البيضاء على الشاشة، وهي بكل تأكيد تنعكس حاليًا على سلوكيات الشباب والنشء في الشارع.

*هل قررت اعتزال التمثيل؟
لن أعتزل التمثيل، والوحيد الذي لا يعتزل هو الفنان، مادام لديه القدرة على ذلك، ولكن إذا أصيب بألزهايمر مثلا لا يجب أن يشارك في عمل تمثيلي.

*هل نرى لك ظهورًا على الشاشة الصغيرة قريبًا؟
للأسف لا توجد أدوار مناسبة للفنانين الكبار، ولكن الحمد لله أنا في ستر من الرحمن، ودعنى أحكي لك عن مشهد مؤثر للغاية رأيته في أول الستينيات: "وجدت شيخا عجوزا محني الظهر مثل الزاوية القائمة، ويرتدي جاكيت قديما، متكئًا على عصا ويسير في الشارع، أمام مسرح الحكيم، وعندما أمعنت النظر في وجه الرجل وجدته الفنان الراحل عبدالعزيز خليل، الذي قدم الجزار في فيلم العزيمة، وكان أول نقيب للممثلين"..يعقب:"ربنا ميحوجناش لحد على هذه الأرض".


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"..
Advertisements
الجريدة الرسمية