رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

هيتشكوك.. البائس العبقري الذي أرعب العالم

فيتو

القسوة في الطفولة، تخلق وجها آخر للعبقرية، ورغم تأثيراتها الكارثية على شخصية النشء، ولكنها تصنع للصغار خيالا نادرا في التشويق والإثارة، ومن هؤلاء المخرج البريطاني العالمي «ألفريد هتشكوك»، الذي يناسب اليوم ذكرى رحيله من عام 1980.


كان هيشتكوك في أفلامه يبدو وكأنه يعرف عن البشر كل شيء، يوجه إنذارات لا عقلانية لمشاهديه، وخاصة هؤلاء الذي يستمتعون بالصور المؤلمة، وظلال الشك، والوسواس القهري، والمشاهد المنكوبة بالقتل.



في لندن يوم 13 أغسطس عام 1899 ولد ألفريد لأسرة محافظة، عهدوا به لآباء كاثوليك صارمين، عاش معهم طفولة فريدة من نوعها، فالخطأ عندهم جريمة غير مسموح بها على الإطلاق، ولم تكن هذه المقدمات غريبة، عندما قاده والده إلى مركز الشرطة، وقدم فيه مذكرة، يطالب فيها بحبسه مع المجرمين، كعقوبة على تصرفه بشكل يتعارض مع قيم العائلة.

من حظ هيتشكوك السيئ، أنه لم يولد وسط ثقافة عربية، كانت ستحمل والدته على إزالة آثار قسوة والده بالحنان المفرط، فكما كان الأب عنيفا حادًا في تربية الصغير، اتبعت والدته نفس الأسلوب، لدرجة أنها أجبرته في إحدى المرات التي عاقبته فيها، على الوقوف عند نهاية سريرها، وهي مستلقية عليه عدة ساعات، كعقاب نفسي وبدني مذل له.



استمرت طفولة «الصغير السمين» تخطو بين تخبطات لايدركها عقله، ومع بداية عمر الصبا والشباب، كان ألفريد لا يألف الحياة إلا مع نفسه، يقضي وقتًا طويلا في التأمل، واختراع الألعاب والرسم، وهذه المواهب المبكرة جعلته يجرب التمرد ربما لأول مرة، ويترك دراسة الهندسة والملاحة، ويتوجه إلى احتراف «الرسم» ومنه إلى الاهتمام بالسينما، وكانت آنذاك من الابتكارات الحديثة.

مع نهاية الحرب العالمية الأولى، حاول الانضمام إلى الجيش البريطاني، ولكن خانه وزنه، فرفضته العسكرية بسبب بدانته، لتنتهي الحرب، ويتفرغ هو لكتابة القصص القصيرة، دارت في معظمها عن فلسفة الاتهامات الكاذبة، والعواطف المتعارضة، والنهايات المثيرة، واستطاع لفت الأنظار إليه بشدة.



برع هيتشكوك في حبكة المؤامرة، كان كلما كبر في السوق السينمائي، تعملق شغفه للتعبير عبر معاناة الطفولة وحكاياتها التي لا تكفي لها مئات الأوراق، وبحلول منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، أصبح أحد كبار منتجي الأفلام في بريطانيا، وأغلبها دار حول كيفية خلق التوتر الشديد لمشاهديه.

ترك بريطانيا، وسافر إلى أمريكا، حيث الإمكانات المتطورة للتصوير، والسوق المفتوح، والأضواء العالمية، كسب الرهان على بلاد العم سام، وحصل فيلمه الأول ريبيكا (1940) على جائزة الأوسكار، بسبب حرفيته في توظف ثلاثيته، التصوير والإنتاج، والتجربة الذاتية في العنف، فاستطاع حصد نجاحات ساحقة غير مسبوقة.



كانت هناك حاجة ملحة داخل الرجل للمشاهد المؤلمة، شعر دائما براحة كبيرة في التعبير عن نزواته تجاه العنف، ولم يكفه الخيال، فاتجه لرصد الواقع، وأنتج أفلاما وثائقية للحرب العالمية الثانية، فيلمان بالفرنسية للقوات الفرنسية الحرة، وفيلم وثائقي تاريخي عن معسكرات الاعتقال التي حررتها القوات البريطانية، وركز فيها على أكثر الصور بشاعة، والأخير أسماه «ذاكرة المعسكرات»، ولأهميته التاريخية، أعيد إصدار الفيلم في عام 2014.


فيلم هيتشكوك التاريخي.. ذاكرة المعسكرات

نحو 50 فيلما، هي حصيلة مشوار هيتشكوك في الفن، حصل على الأوسكار، وجائزة الإنجاز الحياتي من المعهد الأمريكي للسينما في عام 1979، ورغم كل هذه النجاحات، كان دائما شاردا، يحب العزلة ولايألف الناس، وفي 29 أبريل 1980، قرر الاستسلام للنوم الأخير، غادر الحياة بسلام دون إثارة على عكس اتجاهاته دائما، رغم معاناته من مرض الفشل الكلوي في كاليفورنيا، وعقدت مراسم جنازته في كنيسة الراعي الصالح ببفرلي هيلز، وحرق جسده ونثر رُفاته فوق المحيط الهادي.

ترك هيتشكوك خلفه سيرة ذاتية حافلة بالنجاح، والعمق، والتوتر، رحل وعلى جبهته ابتسامة حزينة، كما كان دائما، وترك تعريفات جديدة، عن قيمة البؤس في أعمال المبدعين، مهما كانت له انعكاسات شخصية، تجعلهم حزانى حتى نهاية العمر.

 
Advertisements
الجريدة الرسمية