رئيس التحرير
عصام كامل

الحاصل على جائزة الدولة التقديرية بالعلوم الهندسية : مصر تملك كل إمكانيات ريادة الثورة الصناعية الرابعة



أقترح إنشاء مجلس تابع للرئاسة لتحقيق الهدف المنشود



قال الدكتور صلاح عُبَيَّة، مدير مركز الفوتونات والمواد الذكية بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، نائب رئيس المدينة للشئون الأكاديمية، الحاصل على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الهندسية، إن مصر لديها كافة الإمكانيات والعناصر التي تؤهلها للعب دور ريادي في الثورة الصناعية الرابعة على الأقل في المنطقة العربية.


وفي حوار حول المتطلبات العلمية والمعرفية اللازمة لدخول مصر تلك الثورة واللحاق بقاطرتها، وماذا يجب على الجامعات والمؤسسات التعليمية والبحثية أن تفعله من الآن لمواكبة تلك الثورة، كشف "عُبية" تفاصيل جديدة يمكن الاعتماد عليها في الوصول إلى نتائج أفضل نتعرف عليها في الحوار التالى لـ "فيتو":



في البداية نريد شرحا مفصلا لماهية الثورة الصناعية الرابعة؟
أحب بداية أن أوضح الثورات الصناعية الماضية التي قادتنا إلى الثورة الصناعية الرابعة، فنحن كمجتمعات إنسانية بدأنا من العصر الزراعي، لكن عندما وجد الإنسان أن الإنتاج الزراعي يفيض عن احتياجاته اليومية، فظهر هنا لأول مرة مصطلح الصناعة لتعبئة وحفظ المحصول الزراعي الفائض، ثم بدأت عمليات التصدير وتبادل السلع بين الدول وبعضها، ومن هنا اُكتشفت قوة البخار التي بدأت معها الثورة الصناعية الأولى التي قادتها إنجلترا، بعدها دخلت الدول في الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، فظهرت الثورة الصناعية الثانية التي اعتمدت على الأيدي العاملة الكثيرة والمُدربة على التعامل مع الآلات، وكنا في ذلك الوقت في مصر في مرحلة التحول الجذري من المجتمع الزراعي إلى المجتمع الصناعي وبالفعل أنشأنا مصانع الحديد والصلب ومجمع الألومنيوم وبدأنا في صناعة أول سيارة مصرية، لكن ما حدث معنا في الستينيات عام 1967، عطلنا كثيرا، وعندما تخلصنا من تبعات حرب النكسة وخلافه كان العالم قد أنهى الثورة الصناعية الثانية وبدأت مشارف الثورة الصناعية الثالثة، التي نعيش فيها حتى الآن والتي اعتمدت على الاقتصاد الرقمي، فأمكن لشركة بالكامل أن تعتمد على رجل واحد وفكرة واحدة جديدة، فأصبحت القيمة ليست في وجود العامل البشري الكبير أو وجود المادة الخام، لكن انتقلت القيمة إلى الأفكار الجديدة، وأصبحنا نعتمد على الاقتصاد الفكري.

ما الفرق إذا بين الثورة الصناعية الثالثة والثورة الصناعية الرابعة؟
ما زال اعتماد الثورة الصناعية الثالثة قائما على عنصر بشري يستطيع أن ينتج فكرة ويسوقها، وتعتبر الثورة الصناعية الرابعة امتدادا للنجاح الكبير للثورة الصناعية الثالثة، لكن الثورة الرابعة تعتمد في الأساس على الذكاء الاصطناعي الذي سيستبدل الوظائف التقليدية بآلات، مثل الطبيب أو المهندس أو قائد السيارة، فالآن ظهر الطبيب الآلة الذي يستطيع أن يُشخص حالة المريض ويعطيه تنبيهات أو تحذيرات بما يعانيه، وبدأنا أيضا في صناعة السيارات ذاتية القيادة، أصبحت هناك كذلك برامج للتصميم الهندسي، فالثورة الصناعية الرابعة تستبدل وظائف الأشخاص المهاريين بآلات تحل محلهم وتقوم بنفس أدوارهم، حتى الفنانين كذلك، فالآن هناك برامج موسيقى إلكترونية تستطيع أن تؤلف المقطوعات الموسيقية، وبشكل أكثر توضيحا فالثورة الصناعية الرابعة تعتبر منحنى شديد التقدم وشديد الخطورة.



إذا هل نستطيع القول إن الثورة الصناعية الرابعة تتحقق على حساب العامل البشري من خلال الارتكاز على التكنولوجيا والاستغناء عن العنصر البشري؟
إذا كانت الثورة الصناعية الثالثة تعتمد على اللانمطية والوظائف غير التقليدية، فهنا في الثورة الصناعية الرابعة هو أمر حتمي، تمتد خطورته إلى وظائف مهمة مهارية، فحتى الطبيب والمهندس والمعلم الذين حصلوا على قدر كاف من التعليم إذا لم يستطيعوا أن يواكبوا التطور ويتعاملوا بمهارة مع البرامج المميكنة سيجدون أنفسهم بلا وظيفة، لكن في النهاية ستؤدي الثورة الصناعية الرابعة إلى رفاهية أكثر للعنصر البشري.

هل يمكننا تحديد متى وأين انطلقت تلك الثورة وما هي ملامحها وخريطة انتشارها؟
بدأت الثورة الصناعية الرابعة خلال العقد الماضي، منذ العشر سنوات الماضية، وانطلقت من العالم الأول في الولايات المتحدة الأمريكية واليابان ودول أوروبا، وتنتشر أيضا بسرعة في تلك الدول، لكن انتبهت كذلك لها بعض الدول العربية وفي مقدمتها مصر، وأبرز ملامحها هي خلق احتياجات ومجالات ووظائف جديدة من خلال الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، ففي العشر سنوات المقبلة ستجتاح الدول الأوروبية السيارات ذاتية القيادة، والطب التشخيصي المعتمد على الآلة وليس الطبيب.



ما مدى استعداد مصر للحاق بقاطرة الثورة الصناعية الرابعة؟
أنا متفائل للغاية، فنحن لدينا كافة الإمكانيات والعناصر التي تؤهلنا للعب دور ريادي في تلك الثورة على الأقل في المنطقة العربية، فنحن لدينا مجموعات بحثية متميزة، ووصلنا إلى مستويات متقدمة في البحث العلمي، وتقدمنا في مؤشر الابتكار تقدما كبيرا فبعد أن كنا في المركز بعد المائة منذ ثلاث سنوات، أصبحنا في المركز الـ64، ووصلنا إلى المركز الثلاثين في النشر العلمي، فالبحث العلمي في مصر بخير بعكس ما يُشاع.

ماذا يجب على مصر أن تفعله حتى تواكب تلك الثورة؟
يجب إنشاء مجلس تحت إشراف رئيس الجمهورية للاهتمام بالثورة الصناعية الرابعة، ولا بد أن يتضمن هذا المجلس وزارات البحث العلمي، والتعليم، والزراعة، والصناعة، والتجارة، وغيرها، وأن يقوم ذلك المجلس بوضع إستراتيجية مصرية لكيفية دخول مصر إلى تلك الثورة، وعمل تدريب تحويلي للشباب حتى يستطيعوا مواكبة متطلبات الثورة الصناعية الرابعة، يجب كذلك أن نستكشف الأسواق الأفريقية والعربية من حولنا حتى ندخل بريادة في مجالات الثورة الصناعية الرابعة ونصدر للأسواق المجاورة تلك المجالات والمنتجات، ونحتاج كذلك إلى ربط بين الثورة الصناعية الرابعة وبين المجالات التي نعمل عليها في البحث العلمي، وأن يتبع الخطة الإستراتيجية لدخول مصر الثورة الرابعة خطة تنفيذية يتم تطبيقها بكافة المؤسسات الزراعية والصناعية والتعليمية.



ما إيجابيات واقتصاديات مواكبة الثورة الصناعية الرابعة؟
ستفتح الثورة الصناعية الرابعة مجالات جديدة وفرص عمل جديدة غير نمطية وغير تقليدية، والأمر الآخر أنها ستدر علينا عائدا اقتصاديا كبيرا جدا، غير أنه إذا دخلنا بسرعة في تلك الثورة سيكون لنا الريادة والقيادة للمنطقتين العربية والأفريقية في مجالات الثورة الصناعية الرابعة، فإذا لم ندخل إلى تلك الثورة خلال العشر سنوات المقبلة سيكون الوضع غير محبذ على الإطلاق بالنسبة لكافة مجالات التعليم والتعليم العالي والبحث العلمي والاقتصاد وغيرها.

ما الذي يجب على الجامعات وتحديدا الكليات العلمية أن تفعله من الآن؟
يجب على كل جامعة وكل معهد ومركز بحثي أن يكون لديه دور في الخطة التنفيذية التي تتضمنها إستراتيجية دخول مصر للثورة الصناعية الرابعة، فكل جامعة عليها أن تضع خارطة طريق أنها بحلول عام 2020 لا بد أن نكون حققنا كذا وكذا وفي 2022 نكون حققنا كذا وكذا، وهذا يرتبط كذلك بخطة البعثات، فنحن نحتاج إلى إعادة النظر في البعثات التي تُرسل إلى الخارج، وإعادة تنسيق وتنظيم الموضوعات البحثية بحيث إنها تخدم الثورة الصناعية الرابعة، وأن نتأكد من وجود بيئة خصبة لدينا حتى يطبق المبعوث ما تعلمه في الخارج على أرض مصر، ويجب كذلك أن يكون هناك ربط جيد بين البحث العلمي وبين الصناعة، فنحن بدأنا هنا في مدينة زويل ما يسمى بالهرم التكنولوجي، وأتمنى أن ينتشر هذا الهرم في كافة الجامعات المصرية، وهو يهتم بكيفية تحويل البحث العلمي إلى صناعة تُدر علينا دخلا، وأتمنى وجود مراكز تميز داخل الجامعات مثلما فعلت جامعة زويل، والجامعة المصرية اليابانية، وجامعة النيل، وأتمنى أن يتم إعداد الجامعات الجديدة التي يفتتحها رئيس الجمهورية مثل جامعة الجلالة، وجامعة المنصورة الجديدة، بحيث إنها تستطيع أن تقدم محتوى جديدا غير نمطي على أيدي أساتذة غير نمطيين لطلاب أيضا غير نمطيين، وهؤلاء سيكونون هم الكتلة الحيوية لخلق دور ريادي في الثورة الصناعية الرابعة.




الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ"فيتو"
الجريدة الرسمية