رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

زكي مبارك يكتب: صلاة الجمعة في مسجد باريس

فيتو

في كتاب الهلال الشهرى الذي صدر عام 1931 تحت عنوان "ذكريات باريس" تأليف الدكتور زكى مبارك "أديب وأكاديمي مصرى" حصل على عدة رسائل للدكتوراه ورحل عام 1952 كتب فصلا بعنوان "صلاة الجمعة في مسجد باريس" عام 1929 قال فيه:


ما شهدت باريس إلا خطر بالبال ما يجب على المؤمن من الرجوع إلى ربه لحظة أو لحظتين في هذه المدينة العجيبة التي طغت على كل ما تصوره الأقدمون من نعيم الجنان.

وذهبت إلى جامع باريس أطوف به ساعة من الزمان بين النقوش العربية الدقيقة التي تتزين بها الجدران والسقوف، ذهبت إليه وفى نيتى أن أقف موقف المشاهد الذي يقيد ما يرى من الظواهر والفروق، لكنى لم أكد أتخطى عتبة المسجد حتى شعرت بأن روح النقد انصرفت عنى وشعرت بأن روح الإيمان أخذ يحتل مشاعرى، وبدأت أصلى ركعتين لله.. وكنت قد كرمت هذا منذ أزمان.

بعد الصلاة جلست أتأمل فيما يحتوى المسجد فإذا المنبر مهدى من "فؤاد الأول ملك مصر" وهو نفحة مصرية تذكر بأرض شغلت بالآداب والفنون، نظرت إلى المصلين فإذا هم قوم أخلصوا لربهم وبدت عليهم سيم الخشوع.. ومن ذا الذي يهرب من فتنة باريس إلى المسجد بدون أن يجد في قلبه روح التقوى وحرارة اليقين.

وبعد برهة فتح باب صغير وخرج منه الخطيب الذي صعد المنبر وأذن المؤذن وافتتح الإمام على اثرها الخطبة، ونظرت إلى يده فهو طائفة من الأوراق فتذكرت الخطب المنبرية التي تطبع في مصر، لكن طالعنا الخطيب بخطبة فصيحة لقد ترك كل شئ من حياة باريس وأخذ يحدثنا عن شهر شعبان وما وقع فيه من أحداث جسام في عهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وتذكرت أننا في الجمعة الأخيرة منه.

رأيت لأول مرة في حياتى خطيبا ينشد الشعر في خطبة الجمعة كلما بدت مناسبة فقال وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد.. ذخرا يكون لصالح الأعمال.

لاحظت أن خطيب جامع باريس يملأ خطبته بالنفحات الوجدانية، وبعد انتهاء الصلاة نزل الإمام فصلى بنا صلاة خفيفة جدا ثم قرأ المصلون دعاء شائقا لاحظت أن كلهم يحفظوه ولا أحفظ منه حرفا واحدا.

بعد الدعاء مشيت إلى الخطيب الفصيح فسلمت عليه تسليم المعجب باخلاص فسألني عن اسمى؟ فقلت: أنا الفقير إلى الله تعالى زكى مبارك.

فقال: أهلا وسهلا، يا سيد قدور تعالى سلم على السيد زكى مبارك.

التفت فإذا السيد قدور بن غبريط يصافحنى، وكنت قد سمعا أن السيد قدور هو من بنى مسجد باريس ليخدم فرنسا، لكنى تيقنت الآن أنه خدم دينه وبلاده حين استطاع أن يبنى مكانا للصلاة في باريس إلى جوار حديقة النباتات وصدق الإمام الغزالى حين قال: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله.
Advertisements
الجريدة الرسمية