رئيس التحرير
عصام كامل

نتائج الانتخابات التركية.. بداية نهاية حقبة حزب أردوغان؟

فيتو

تشكل هزيمة حزب العدالة والتنمية في أنقرة ضربة موجعة للرئيس التركى رجب طيب أردوغان، لكن خسارته لإسطنبول تشكل صدمة أكبر، حيث نشأ وترعرع وبدأت مسيرته السياسية فيها. فلماذا خسر الإسلاميون بزعامة أردوغان الانتخابات البلدية في المدن الكبرى؟


فقد مُني الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بانتكاسات مذهلة في الانتخابات المحلية بخسارة حزبه الإسلامي الحاكم (العدالة والتنمية) السيطرة على العاصمة أنقرة للمرة الأولى منذ تأسيس الحزب عام 2001 واتجاهه لخسارة الانتخابات في إسطنبول أكبر مدن البلاد. و‭‬‬كان أردوغان، الذي هيمن على المشهد السياسي التركي منذ وصوله إلى السلطة قبل 16 عاما وحكم البلاد بقبضة حديدية، قد نظم حملات انتخابية دون كلل على مدى شهرين قبل تصويت أمس الأحد الذي وصفه بأنه "مسألة مصيرية" بالنسبة لتركيا.

لكن لقاءاته الجماهيرية اليومية والتغطية الإعلامية الداعمة له في معظمها لم تكسبه تأييد العاصمة أو تضمن له نتيجة حاسمة في إسطنبول، في وقت تتجه فيه البلاد نحو تراجع اقتصادي أثر بشدة على الناخبين.

سبب الخسارة
تجدر الإشارة إلى أن تركيا وفي عهد أردوغان، عندما كان رئيسا للوزراء في عام 2002، قد شهدت نهوضا اقتصاديا كبيرا تمكن خلالها الكثير من فقراء المدن الكبيرة من الصعود اقتصاديا إلى الطبقة الوسطى في المجتمع. وبرزت مظاهر الرفاهية في كل المدن التركية، خصوصا في أكبرها مثل إسطنبول وأنقرة وأزمير وغيرها. وهو أمر ضمن الفوز لأردوغان وحزبه في كل الانتخابات الأخيرة. لكن البلاد تشهد ومنذ عدة سنوات، خصوصا بعد الانقلاب العسكري الفاشل والانتقال إلى النظام الرئاسي إلى جانب تراجع الديمقراطية ودولة القانون، إثر الإجراءات التعسفية بحق المعارضين لأردوغان وحزبه الإسلامي، تشهد البلاد ركودا اقتصاديا يصاحبه تراجع حاد في سعر الليرة التركية مقابل العملات الأجنبية، مثل الدولار واليورو، لم تشهده تركيا من قبل.

الخوف من السقوط
هاجس الخوف من السقوط مجددا في أتون الفقر والعوز وفقدان فرص العمل يثير قلق الناخب التركي بشكل كبير. كما أن الثقة بقدرة أردوغان وحزبه بتجاوز الحالة الاقتصادية الحالية والدفع بالاقتصاد نحو نمو مستديم، بدأ بالاضمحلال تدريجيا، إثر الصراع السياسي بين أردوغان والأوروبيين وبينه وبين الولايات المتحدة تارة أخرى.

في هذا السياق، أظهر مسح اليوم الإثنين أن نشاط المصانع التركية انكمش في مارس ولعام متصل بفعل تباطؤ في طلبيات التوريد المحلية وطلبيات التصدير. وقالت لجنة من غرفة صناعة إسطنبول وآي.اتش.اس ماركت إن مؤشر مديري المشتريات بالقطاع ارتفع إلى 47.2 بالمائة في الشهر الماضي من 47.4 بالمائة في فبراير، ليظل دون مستوى الخمسين الفاصل بين النمو والانكماش.

وقالت اللجنة إن الطلبيات الجديدة في قطاع إنتاج السلع بتركيا تراجعت نتيجة للتحديات على صعيد الطلب، بينما اقترب الإنتاج من نقطة الاستقرار، مضيفة أن الطلب الأجنبي تراجع وسط تقارير عن طلب أوروبي ضعيف.

ولهذا السبب اعتبر أردوغان نتائج الانتخابات المحلية هذه بمثابة ناقوس الخطر وربما تشكل أيضا بداية نهاية حقبة أردوغان وحزبه الإسلامي، إذا فشل أردوغان وحزبه في تنشيط النمو الاقتصادي مجددا، لذلك تعهد أردوغان بأن تركز تركيا من الآن على الاقتصاد المتعثر قبل الانتخابات العامة التي ستجرى في عام 2023.

أزمة الحريات العامة
إلى جانب تعثر الاقتصاد التركي وتراجع قيمة الليرة التركية بشكل حاد، تتحدث المعارضة التركية عن تراجع الديمقراطية معتبرة الانتخابات الأخيرة بمثابة معركة كبيرة من أجل استرجاع الحريات العامة للمواطنين التي سلبها أردوغان ونظامه السياسي الإسلامي.

وذكرت وسائل إعلام تركية أن مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض منصور يافاش حقق فوزا واضحا في أنقرة. وفي إسطنبول يتقدم حزب الشعب الجمهوري بفارق 28 ألف صوت تقريبا وفقا لأحدث نتائج الفرز. وقال زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو "صوت الشعب لصالح الديمقراطية، لقد اختاروا الديمقراطية".

وأعلن أن حزب الشعب الجمهوري العلماني انتزع السيطرة على أنقرة وإسطنبول من حزب العدالة والتنمية وفاز في مدينة إزمير المطلة على بحر إيجة، وهي معقل للحزب المعارض وثالث أكبر المدن التركية.

حرية التعبير
من جانبها، انتقدت مجموعة أوروبية تراقب الانتخابات المحلية في تركيا اليوم الإثنين قيودا على حرية تعبير المواطنين والصحفيين بعد يوم من الانتخابات المحلية. وتحدث أندرو دوسون رئيس بعثة المراقبة التي يقوم بها كونجرس السلطات المحلية والإقليمية التابع لمجلس أوروبا عن حاجة الناس للتعبير عن آرائهم دون خوف من رد انتقامي من جانب الحكومة.

وقال: "نحن غير مقتنعين تماما بأن تركيا تتمتع حاليا بأجواء انتخابية حرة ونزيهة وهو أمر لازم لانتخابات ديمقراطية حقة تتماشى مع المعايير والمبادئ الأوروبية". وأضاف في تصريحات للصحفيين في أنقرة "لكننا نعتبر نجاح العديد من الأحزاب إشارة إيجابية للمرونة الديمقراطية في تركيا".

ويتساءل المراقبون كيف يمكن لأردوغان أن ينهض باقتصاد تركيا مجددا، كما فعل ذلك في عام 2002 بعد خوض أردوغان لمعارك سياسية مع الحلفاء الغربيين ومع الحلفاء العرب مثل السعودية والإمارات؟ وهل يتمكن أردوغان من تحريك المال القطري لاستثمار بشكل أوسع في تركيا لتعوض خسارة الاستثمار الأوروبي والأمريكي والسعودي؟

الجريدة الرسمية