رئيس التحرير
عصام كامل

«ولا أخويا ولا عمي لكنه اختار يكون جنبي».. محمود يتبرع بـ «نصف كبده» لصديق عمره.. «معايشة»

فيتو

داخل مستشفى المواساة الجامعي، تحديدا الدور الثالث حيث تقع وحدة زراعة الكبد، يرقد «عبدالله» في غرفة العزل في وحدة العناية المركزة وفى الغرفة الملاصقة له تتدلى خراطيم المحاليل من جسد رفيق دربه «محمود» بعد أن تبرع الأخير بجزء من كبده لأجل أن يحيا صديقه ويختبرا معًا الحياة.


«جرحي جرحك عيدي عيدك.. ود دافي نبع صافي.. شيء كأنه نيل موافي.. بين وريدي وبين وريدك.. يا صديقي مد إيدك»

منذ أيام الطفولة الأولى ولم يعرف «محمود» الشاب الذي تجاوز العشرين قليلا، غير صديقه الوفي «عبدالله»، رافقا بعضهما البعض في سهرات الأصدقاء المسائية، واختبرا لأول مرة تجربة السينما، تمتليء ذاكرتهم بالحكاوي على شط إسكندرية، ولعب كرة القدم، ومشاهدة مباريات الدوري الإنجليزي، كانا جيرانا في أحد أحياء الإسكندرية الشعبية والتحقا بكلية العلوم جامعة الإسكندرية، وأطلق عليهم التوءم لشدة قربهما من بعضهما.

مسيرة من الألم عاشها الصديقان سويا، لم يفرقهما المرض النادر الذي أصاب «عبدالله» خطوة واحدة، أصيب الشاب العشريني بأحد الأمراض التي أصابته في كبده ووصل الأمر إلى تليفه: «يجب أن تبحث عن متبرع لينقذ حياتك، الكبد تليف بنسبة كبيرة ولا يمكن أن يستمر في الحياة سوى بأن يتبرع أحدهم له» قالها الطبيب بهدوء.

رحلة طويلة عانى خلالها «عبدالله» الأمرين، محاولات للنصب وأخرى لاستنزافه ماديًا، صاحبه خلال رحلة البحث عن منقذ صديقه الوفي «محمود» الذي رأى أن حق العشرة تقتضي بأن يتقدم لينقذ حياة رفيق دربه.

بشكل سري بدأ يفكر ويدبر «محمود» خطواته القادمة دون أن يخبر أحدا بخطوته التالية وفعلته التي ستكون صادمة للجميع وعلى رأسهم رفيقه «عبدالله»، أجرى محمود الفحوصات الطبية اللازمة حتى يتمكن من التبرع لصديقه بفص من الكبد.

يقول «محمود» البداية كانت شهر يونيو الماضي، إذ اشتد المرض على صديقه مما اضطره للذهاب إلى الطبيب ليكتشف حينها إصابته بمرض نادر في الكيد أدى إلى تليف الكبد، واحتياجه بشكل عاجل لمتبرع حتى يستطيع أن يكمل حياته ويحقق أحلامه التي حلمناها سويا، ومحاولة بعض أقاربه التبرع له إلى أنه بعد إجراء الفحوصات اللازمة أثبتت عدم توافقه معه»

رحلة طويلة من الفحوصات قضاها «محمود» بعلم أسرته الذين ساندوه في قراره ليتأكد من مطابقته للمواصفات، وعندما اطمأن على صحة الفحوصات أخبر صديقه الذي تفاجأ بالقرار ورفضه في بداية الأمر بأنه جاهز للتبرع لها بفص من كبده: «أنا أعرف عبدالله طول حياتي كنا مع بعض في المدرسة ودخلنا نفس الكلية والجامعة وشوفت قد إيه ألمه كان كبير، وكمان أنا اطمنت إنه مفيش خوف عليا ولا خوف من العملية، وقتها قررت أساعد صديقي وأنقذ حياته».

كان القدر جمعهما منذ طفولتهما ليكونا سندا لبعضهما البعض في الحياة، أحدهما ينقذ الآخر، لم يكن تصرف محمود شيئا عاديا بالنسبة إلى الطبيبة «نور الهدى هشام»، أخصائي الجراحة بمستشفى المواساة، وأحد الأطباء المشرفين على عملية زرع الكبد لـ «عبدالله».

تروي تفاصيل القصة منذ بدايتها عندما ظهر «عبدالله» بمشكلة في الكبد تحتاج إلى ضرورة تدخل جراحي وضرورة أن يتبرع أحدهم إليه بفص من الكبد ويفضل أن يكون أحد أقاربه.

تقول الطبيبة «نور الهدى»: فوجئنا بأن محمود صديقه يأتي معه معلنا رغبته في التبرع لصديقه ويصر على هذا الأمر، واعتقدنا في بادئ الأمر أنها مبادرة عاطفية منه ولكن عندما بدأنا نشرح له سلسلة الإجراءات التي سيقوم بها وجدنا منه تقبلا شديدا، ثم طلبنا منه موافقة والده أو والدته، وكانت المفاجأة أيضا أنهم وافقوا ورحبوا بالأمر وأكدوا أنهم متفهمون للموقف.

استغرقت العملية أكثر من 8 ساعات داخل غرفة العمليات، بالإضافة إلى عملية محمود التي استغرقت نفس المدة تقريبا، وكان الأهل من الناحيتين في انتظار خروجهما للاطمئنان على نجاح العملية.
الجريدة الرسمية