داخل كلية الفنون الجميلة بالزمالك.. «الحلم مالوش عمر»

كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يتعالى صيحاته وهي تشدو بـ«سيرة الحب»، يصدر من سماعة هاتفها المحمول، بينما تبدو منهمكة في اقتصاص صورة لجسد قطة عملاقة تتوسط إحدى صفحات مجلة علمية حديثة الإصدار، حول ربة المنزل "رشا صادق"، 48 عاما، تجلس تسع سيدات يقمن بالفعل ذاته، يعم الصمت المكان، ولا يكسره إلا صوت يارا حاتم أستاذة التصوير الجداري بكلية الفنون الجميلة بالزمالك، وهي تشرح لهن أساسيات فن التصوير الجداري كأحد أهم أقسام الكلية: "إحنا دلوقتي في أول محاضرة بكورس التصوير الجداري في الترم الثاني ضمن المحاضرات اللي موفراها الكلية بقسم الدراسات الحرة، للطلبة الملتحقين بالقسم هذا العام".

ورغم أن قسم الدراسات الحرة في كلية الفنون الجميلة تم تأسيسه منذ أكثر من 70 عاما، إلا أن صداه ظل لسنوات لا يصل لكثير من الحالمين بالتمسك بتلابيب هذا الفن أو ذاك حتى لو منعتهم الظروف في بداية الأمر من ذلك.

أحمد أشرف طالب في كلية التجارة بإحدى الجامعات الخاصة، حصل في الثانوية العامة على مجموع 74% ولم يتسن له التقدم لكلية الفنون الجميلة والالتحاق بها: "كانت وقتها بتاخد من 91% فمعرفتش أدخلها، درست في الترم الأول تصوير زيتي وخلصته في 3 شهور، وحاليا بتعلم النحت".

يجلس أحمد على أحد المقاعد بعمل النحت الابتسامة لا تفارق وجهه وهو يمسك بالأداة التي يحول بها الطين إلى قطع متساوية، تمهيدا لإعادة تشكيلها مجددا: "أنا عندي 25 سنة مكنتش أعرف حاجة عن قسم الدراسات الحرة ده خالص إلا من نحو خمسة شهور، صاحبي أرسل لي لينك الصفحة الخاصة به على فيس بوك وقدمت في الكورس، أخيرا حققت حلمي بعد ما التنسيق منعني منه زمان وقت الثانوية العامة".

يحضر أحمد كل يوم إلى الكلية بالرغم من أن مدة الكورس 3 أيام خلال الأسبوع، اليوم الواحد يضم ثلاث ساعات من العمل المنتظم ما بين المدرجات والمعامل: "أنا باجي هنا طول الأسبوع ببص على شغل الناس في السنوات الأخيرة، بتكلم معاهم واستفيد منهم ويشرحوا لي أكثر في النحت، بنزل الصبح كليتي وبعد ما أخلص باجي هنا أفضل قاعد معاهم لحد وقت طويل وبدخل معامل وأدور طول الوقت، في الكرسي الملاصق لمقعد أحمد، يجلس إبراهيم 32 عاما يتفرس قطع الطين المتراصة أمامه، كنت حاسس إني في حلم لما قدمت وورقي اتقبل بعد العمر ده"، كاد حلمه يتلاشى بعد مرور نحو 14 عاما على عدم قبول مكتب التنسيق لطلبه للالتحاق بكلية الفنون الجميلة.

رشا صادق أيضا التي ترأست السيدات والفتيات في حجرة التصوير الجداري، رغم اقترابها من إتمام الخمسين عاما، إلا أن حلم فتاة الثانوية العامة العاشقة للرسم الجداري لم يمت بعد، بل كبر وتنامى حتى حانت اللحظة المناسبة لتحقيقه: "أنا اتخرجت من كلية التجارة مشتغلتش كنت ربة منزل، دخلت تجارة غلط كان المفروض فنون جميلة بسبب خطأ في كتابة ورقة التنسيق، كان المفروض تكون الرغبة الأولى كلية الفنون الجميلة بكافة أفرعها لكن اللي عملي التنسيق كتب لي تجارة، تليها الفنون الجميلة، فجت تجارة ومشي الحال ودخلتها، أنا من زمان كدة بحب التصوير الجداري من بابا لأنه كانت دي شغلته في الخزف والموزايك لكنه مات وملحقش يعلمني"، أخبرتها صديقة لها بفتح باب التقدم للالتحاق بالقسم الحر فسارعت إلى التقدم، ودرست التصوير الزيتي في الترم المنصرم، وهاهي تخطو أولى خطواتها في تعلم الفن المحبب إليها "التصوير الجداري".

في الصف الأيمن بمعمل النحت، جلست السيدة هناء بجوار ابنتها "مريم وجيه" 20 عاما، بطلة العالم في السباحة والمصابة بمتلازمة داون، تشرف على أداء الابنة وتلقنها الشروح الخاص بالجزء النظري للمادة كما تلقيه عليهم رنا عاصم أستاذ قسم النحت بالكلية، "أنا بحضر معاها في ساعات المحاضرات سواء عملي أو نظري علشان أفهم الدنيا وأقددر أشرح لها بالبيت"، مريم هي أول مصابة بمتلازمة داون تلتحق بكلية الفنون الجميلة، حينما حصلت العام الماضي على منحة للتعلم داخل الكلية من قبل وكيل الكلية الدكتور أشرف رضا، " ده تاني تيرم لها، درست جرافيك وأنجزنا خمسين لوحة".

ما بين 22 وحتى بعد الخمسين عاما تتراوح أعمار الطلبة المنضمين إلى القسم الحر بالكلية، وفقا لكل تيرم، كما تؤكد رنا عاصم: "فيه ناس فوق الخمسين جايين عايزين يتعلموا نحت وحاجة يعملوها بإيديهم، اللي بنعمله حاجات أساسية إزاي يتعاملوا مع الطين نفسه، كأنه سنة أولى نحت، بعد كدة إزاي يصمموا الحيوان، أو (الكاراكز) أو العظمة الأساسية اللي ماسكة في الجسم، بيعملوا نحت بارز وعلى خشب زان، الفرق بينه وبين قسم النحت في القسم دراسة أكاديمية لكن هنا الشغل كله عملي فقط".

وقد يحوي الكورس الواحد ما بين 8 إلى 10 طلاب، وتنقسم الكورسات إلى أربعة أجزاء، يقول مراد درويش مدرس مساعد بقسم التصوير "الهدف من القسم إنه يتيح للناس اللي مدرستش فنون طول حياتها يقدروا في 3 شهور، يعرفوا أكتر عن الفن ولو حابب يكمل ويتعمق في تخصص بشكل أكبر ممكن يدخل كورس أعلى 3 شهور إضافية، عندنا نحت وتصوير زيتي وتصوير جداري وجرافيك".