رئيس التحرير
عصام كامل

الشيخ أحمد التركي يكتب: شهادة الذئب بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم

احمد تركي
احمد تركي

قد غفل البعض عن المعجزات الحسية الكثيرة والصحيحة للنبي صلى الله عليه وسلم، التي أثبتها وسجلها العلماء في كتب السيرة والسنة النبوية، مثل نبع الماء بين أصابعه الشريفة، وانشقاق القمر، وحنين الجذع له، وتسليم الحجر عليه، وانقياد الشجر إليه، وتسبيح الحصى بين يديه.. قال ابن تيمية: "ومعجزاته صلى الله عليه وسلم تزيد على ألف معجزة، مثل انشقاق القمر وغيره من الآيات".

ومن هذه المعجزات الصحيحة والثابتة التي أكرم الله، عز وجل، بها نبينا "صلى الله عليه وسلم" تأييدًا له، وإظهارًا لقدْره، ودلالة على صدقه ونبوته، شهادة الذئب له بالنبوة، والتي ينبغي تصديقها وقبولها، وإن خالفت عقول البشر.

 نعم، نطقَ الذئبُ وتكلم، وشهد بنبوة نبينا "صلى الله عليه وسلم"، بل ودعا الناس إلى الإيمان به.. وقصة شهادة الذئب للنبي "صلى الله عليه وسلم" وردت من رواية أبي سعيد الخدري، ومن رواية أبي هريرة، رضي الله عنهما، وقد أخرجهما الإمام أحمد في مسنده، وذكرها ابن كثير في "البداية والنهاية"، والبيهقى في "دلائل النبوة"، وابن حبان في صحيحه، والترمذي في سننه، والحاكم في مستدركه، وصححها الألباني في "السلسلة الصحيحة".

تقول الرواية فيما فيما رواه أبو سعيد الخدريّ، رضي الله عنه، قال: (عدا الذئب على شاةٍ فأخذها، فطلبه الراعي، فانتزعها منه، فأقعَى (جلس مفترشًا رجليه) الذئب على ذَنَبِه، وقال: ألا تتقي الله؟ تنزع مني رزقًا ساقه الله إليَّ؟ فقال: يا عجبي! مُقْعٍ على ذَنَبِه يكلمني بكلام الإنس؟ فقال الذئبُ: ألا أخبرك بأعجب من ذلك؟: محمدٌ، صلى الله عليه وسلم، بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق، قال: فأقبل الراعي يسوقُ غنمه حتى دخل المدينة، فزواها إلى زاوية من زواياها، ثم أتى رسول الله فأخبره، فأمر رسول الله فنودي: الصلاة جامعة، ثم خرج، فقال للراعي: أخبرهم، فأخبرهم، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: صدق، والذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى تكلِّم السِّبَاعُ الْإِنْسَ، ويكلم الرَّجُلَ عَذَبَةُ (طرف) سَوْطِه، وشِرَاكُ (سير) نعْلِه، ويخبره فخِذه بما أحدث أهلهُ بعده) رواه أحمد وصححه الألباني.

وفي رواية أبي هريرة، رضي الله عنه، عندما كلم الذئب راعي الغنم، فقال الرجل: "تالله إنْ رأيتُ كاليوم ذئبًا يتكلم، قال الذئب: أعجب من هذا رجل في النخلات بين الحرتين (المدينة) يخبركم بما مضى وبما هو كائن بعدكم، وكان الرجل يهوديًّا، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وخبَّرَه، فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم) رواه أحمد.

وفي قصة شهادة الذئب للنبي صلى الله عليه وسلم: إخباره صلوات الله وسلامه عليه عن أمور متعلقة بأشراط وعلامات الساعة، وذلك بقوله: (والذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى تكلِّم السِّبَاعُ الْإِنْسَ، وَيُكلم الرَّجُلَ عَذَبَةُ (طرف) سَوْطِه وشراك (سير) نَعْلِه، ويخبره فَخذه بما أحدث أهله بعده)، فقد أقسم النبي صلى الله عليه وسلم للتأكيد على ما سيُخْبِر به ـوهو الصادق وإن لم يُقْسمـ أن الساعة لن تقوم حتى تقع هذه الأمور: الأول: أن تكلم السباع ـأي سباع الوحش كالأسدـ الناس كما يكلم بعضهم بعضًا. الثاني: أن تكلم عذبة السوط صاحبها، وعذبة السوط طرفه التي في رأسه، فتكلم صاحبها بكلام يفهمه. الثالث: أن فخذ الإنسان نفسه يكلمه فيخبره بما فعل أهله في غيبته.. وهذه الثلاث من خوارق العادات، فهذه الأمور لا تتكلم في الأصل، ولكن عند اقتراب الساعة تتغير بعض نواميس الكون إيذانًا بقرب انتهائه، فيُنطق الله تعالى الذي أنطق كل شيء هذه الأشياء، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

هل سمع أحدٌ أنَّ حيوانًا شهد لإنسان بصدقه ونبوته؟ أو دلّ عليه، وأرشد إليه؟ هذا هو ما حدث من الذئب مع نبينا صلى الله عليه وسلم، ولا شك أنها آية كريمة ومعجزة عظيمة، ضمن دلائل ومعجزات كثيرة وصحيحة، أكرم الله عز وجل بها نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم، وجعلها شاهدة على صدقه، ودليلًا من دلائل نبوته. قال ابن القيم ـ بعد أن ذكر معجزات موسى وعيسى عليهما السلام ـ: "وإذا كان هذا شأن معجزات هذين الرسولين مع بُعْدِ العهد، وتشتت شمل أمتيهما في الأرض، وانقطاع معجزاتهما، فما الظن بنبوة مَنْ معجزاته وآياته تزيد على الألف، والعهد بها قريب، وناقلوها أصدق الخلق وأبرهم، ونقلها ثابت بالتواتر قرنًا بعد قرن".
Advertisements
الجريدة الرسمية