رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

شادية والشعراوي.. بين الدين والفن «قصة يجب أن تحكى»

فيتو

«الحمد لله، أديت رسالتي في الفن، من صغري وأنا في منزل يعرف الصلاة والتدين، حياتي كانت ناجحة، لكن بالليل كان بيجيلي قلق، من إيه مش عارفة»، تحكي الفنانة الكبيرة الراحلة شادية، الذي يتوافق اليوم مع ذكرى ميلادها، عام 1931 بمحافظة الشرقية، عن بداية تدينها، وتوضح في فيديو نادر بصحبة الدكتور مصطفى محمود، كيف بدأت رحلتها الإيمانية، ولماذا؟



لقاء نادر.. للفنانة شادية مع الدكتور مصطفى محمود والموسيقار عبدالوهاب

نظرات شادية في الفيديو، توحي بأسئلة لا متناهية حول الله، التردد في الحديث عن خبايا النفس، تقف خلفه مزيد من الأسئلة بشكل متكرر، عن تشعب الاستفسارات داخلها، هي تتقدم في العمر، والإنسان الطبيعي يتعايش مع فكرة الموت، وقلقه من اللحظة الأخيرة، يحفزه أكثر على الإخلاص في العبادة، ولكنها حتى آخر أيامها كانت تعتبر الفن رسالة عظيمة، فما الذي يدعوها للاعتزال إذن؟


المسافة بين وصول «شادية» إلى هذه المرحلة، بعد شهرة عظيمة حققتها منذ بداية ظهورها في السينما، نهاية بمسرحية ريا وسكنية، آخر عمل لها في حياتها الفنية، يكشف عنها ملامح حوار أجرته معها مجلة الموعد اللبنانية، تحدثت عن التدين، ورؤية الخلاص فيه، ولم تنتظر كثيرا بعد إجراء الحوار، في عام 1984 وكأنها تمهد لوداع الجمهور، شاركت في الاحتفال بالليلة المحمدية، وأفاضت بمشاعر خالصة وهى تشدو بدموع جامدة من كلمات علية الجعار وألحان عبدالمنعم البارودي، وقال بصوت سمعه كل من يعرفها: «خد بإيدي».

جه حبيبي وخد بإيدي.. قلت له أمرك ياسيدي
جه وعرفني طريقي وسكتي.. وفي هداه وفي نوره مشيت خطوتي
هو نعمة من السما.. أرسلها ربي بالهدى.. بالخير لكل الإنسانية
وأدي حالي وحال جميع المؤمنين.. اللي آمنوا بالنبي الهادي الأمين
اللي جه رحمة لكل العالمين.. يا نبينا ياختام المرسلين


تفرغت «شادية» لأداء الأغاني الوطنية، كانت ملامحها في هذه المرحلة، تؤكد هوس الشك بالواقع، من أنا وكيف أكون، وماذا سأفعل، وهل الخلاص الحقيقي في القرب من الله؟.. الابتعاد عن الفن صعب، قررت التفرغ للأغاني الوطنية حتى اكتمال ملامح ما هو قادم، هي تبدع في هذا الدور، التاريخ الوطني يذكرها في كل معاناة مرّ بها، تتجاوز آلامها.

خرجت للجمهور على استحياء، تغني من جديد، أغنية تصلح لكل مكان وزمان، للشاعر عبد الرحيم منصور، في رائعته «يا أم الصابرين» وألحان بليغ حمدى، ويحفظها جيدًا أجيال الخمسينيات والستينيات، وكانت الإذاعة المصرية تطلقها بعد نكسة 67، وحتى نصر أكتوبر 73 على المشاعر الوطنية، فتلهبها على مدار اليوم،


في هذه المرحلة تعرفت «شادية» على الشيخ محمد متولي الشعراوي، «الثمانينيات» شكلت مرحلة فارقة في تأثر قطاعات كبيرة من المجتمع بالخطاب الديني، ومنهن الفنانات، اعتزل بعضهن، والبعض تراجع بسبب هجوم المثقفين على الظاهرة، ومواجهتهم لدعاوي الانعزال، لكن شادية ظلت على موقفها، لم تتأثر بكل النداءات التي طالبتها بالعودة، كتب لها صديقها كامل الشناوى، يلخص ما تمثله معبودة الجماهير في وجدان المصريين:
«يشجيك أن تسمع شادية، ويبهجك أن ترى شادية، ويسرك أن تقرأ عن شادية، ويفرحك أن تظل شادية شادية، ويسعدك أن تطمئن إلى أن شادية في الحياة، وأن الحياة في قلب شادية». 



تحكي العديد من المصادر، كيف كان اللقاء الأول بين الشعراوي وشادية، لعبت الصدفة والقدر دورًا فيه، على أرض مكة المكرمة، كانت تؤدي مناسك العمرة بصحبة صديقتها الشاعرة علية الجعار، التي ارتبطت معها بأكثر من عمل فني ديني، شاهدته في أحد الأسانسيرات، وعرفته بنفسها فرحب بها، وبلهفة زاهدة سألته عن "المغفرة" عاجلها مؤكدا أن الله يغفر ما دون الشرك به.

عادت شادية من أرض الحرمين، سألت بشغف عن منزل الشيخ، ذهبت إليه في «الحسين» بأجوائه الروحانية، هناك كان الحوار أطول من «لمحة الأسانسير»، لتخرج منه وقد أصبحت تعرف جيدا ماذا كانت تننظر، بكت كثيرًا عندما قرأت لأول مرة بعد تحولاتها الفكرية «ادعوني استجب لكم».

جعلت شادية من الشعراوي بوصلة لحياتها الجديدة، لم تبال لا هي ولا الشعراوي بالشائعات التي حاولت النيل من هذه العلاقة، حتى قال الشيخ كلمته الشهيرة، «الزواج من شادية شرف لا ادعيه».

كانت شادية في هذه المرحلة، محط أنظار مشايخ من مختلف المشارب، تسابق الكثير منهم على إمطارها بالفتاوى، أحدهم حرم عليها أموالها من الفن، فلجأت للشعراوي من جديد، وطالبها بالاحتفاظ بما يضمن لها حياة كريمة طوال حياتها، على أن تتبرع بما يزيد عن ذلك، في إطار فتواه الشهيرة «الفن حلاله حلال وحرامه حرام»، فخصصت «فيلتها بالهرم» لإقامة مجمع خيري، مسجد ودار أيتام ودار تحفيظ قرآن، ومستوصف خيري، كما تبرعت بشقتها في شارع جامعة الدول العربية لجمعية مصطفى محمود، لإنشاء مركز لعلاج الأورام.

توفت معبودة الجماهير في نوفمبر من عام 2017، وتركت خلفها تاريخا فنيا حافلا، وابتسامة ومشاعر طفولية، وحبا جارفا من المصريين والعرب.

قل أدعو الله إن يمسسك ضر.. شادية


Advertisements
الجريدة الرسمية