رئيس التحرير
عصام كامل

أول وحدة بوزارة الصحة لعلاج «التصلب المتعدد» قاتل الشباب.. 50 ألف مريض في مصر و7 آلاف فقط يتلقون العلاج.. المرضى: جهل الأطباء بالأعراض والتشخيص الخاطئ يزيد معاناتنا.. مستشفى «آل نهيان&#

مستشفى الشيخ زايد
مستشفى الشيخ زايد آل نهيان

عدد كبير من الذين يعانون من أعراض مرض "التصلب المتعدد" يخطئون في طرق الباب الصحيح، ويسقطون بمرور الأيام في فخ «التشخيص الخاطئ»، الذي يزيد من معاناتهم وآلامهم، حتى تأتي اللحظة التي يكتشفون فيها إصابتهم بهذا المرض ليبدأوا رحلة جديدة من العلاج.


مرض التصلب المتعدد، المعروف علميا بـ(M S) يصيب ما يقرب من 30 إلى 50 ألف مواطن مصري، ونسبة كبيرة من المرضى لا يدركون من الأساس إصابتهم بالمرض، لا سيما أنه هناك 7 آلاف مريض فقط تم تشخيص حالتهم الطبية، ويحصلون على العلاج.

وحدة علاج التصلب المتعدد بمستشفى الشيخ زايد آل نهيان بمنشأة ناصر، تعتبر الوحدة الأولى الوحيدة التابعة لوزارة الصحة التي تستقبل هؤلاء المرضى للكشف وصرف العلاج.

«انقلبت حياتي رأسا على عقب».. بنبرة لم تخل من حزن ووهن خرجت الكلمات السابقة من فم الدكتورة سوزان محمد، المتخصصة في التربية الرياضية، التي تتلقى العلاج داخل وحدة «علاج التصلب المتعدد».

«د.سوزان» في نهايات العقد الرابع من عمرها، كانت تعمل بكامل طاقتها، فوجئت أن النصف الأيسر من جسمها لا يتحرك، في البداية ظنت أنها أصيبت بجلطة، فما كان منها إلا التحرك تجاه أحد أطباء «المخ والأعصاب»، الذي تعامل مع الحالة كأنها «جلطة» وعلى هذا الأساس وصف لها علاج «الكورتيزون» بجرعات قليلة، وبعد تناولها العلاج لمدة 15 يومًا تدهورت حالتها الصحية بشكل واضح.

تدهور الحالة الصحية لـ«د.سوزان» دفعها لطرق أبواب طبيب «باطنة»، ليؤكد لها بعد توقيع الكشف الطبي عليها أنها مصابة بـ«التصلب المتعدد»، ووصف لها – للمرة الثانية- «الكورتيزون» علاجًا لحالتها، غير أنه لم تظهر أي بادرة أمل للشفاء، ليكتشف الأطباء بعد مزيد من التحاليل والفحوصات إصابتها بمرض متفرع من «التصلب المتعدد».

«د.سوزان» قالت: بمرور الأيام بدأ المرض يسيطر على الأمر، انقطعت عن العمل، ورفض الإدارة التي تعمل تحت إمرتها إعطائها إجازة مرضية مراعاة لحالتها الصحية، فما كان منها إلا الحصول على إجازة مفتوحة».

بعد حصولها على الإجازة، اصطدمت «د. سوزان» بما يحدث داخل «التأمين الصحي» والمعاناة التي يواجهها المتعاملون مع الهيئة، وتحديدًا فيما يتعلق بالإجراءات العلاجية المتعلقة بـ«صرف العلاج»، مشيرة إلى أنها تفاديًا لـ«الروتين القاتل» اضطرت لشراء الحقن العلاجية على نفقتها الخاصة.

وقالت: كنت أشترى الحقن على حسابي الخاص بـ4 آلاف جنيه، ويوجد نوع دواء لمرضها تبلغ تكلفة الجرعة فيه 23 ألف جنيه.

أما أسماء عبد العزيز، مريضة مصابة بالتصلب المتعدد روت لــ"فيتو" معاناة الإصابة بالمرض، مشيرة إلى أنها منذ 10 سنوات بعد إنجابها ابنتها بدأت تشعر بصداع رهيب في الرأس، وظلت لمدة 5 سنوات تذهب لأطباء لا يعرفون تشخيص حالتها، وتحصل على أدوية خاطئة.

وأضافت: تعرضت لحادث نفسي تسبب في عدم اتزان وتوهان ولم أستطع النطق، وظن الأطباء وقتها أنني أصبت بجلطة في المخ، وتم إخضاعي لجلسة «رنين مغناطيسي» لاكتشف إصابتي بمرض التصلب المتعدد، وظللت لفترة طويلة أحصل على أدوية «الكورتيزون» لكنها لم تأت بنتيجة مرضية.

و أشارت إلى أنها تأتي إلى وحدة آل نهيان لصرف الأدوية المخصصة للمرض على نفقة الدولة، لافتة النظر إلى أن مضاعفات المرض على بقية أعضاء الجسم تحتاج إلى أدوية جديدة يعاني المريض تكلفتها الباهظة، ومشيرة إلى أن الكارثة الكبرى التي تواجه المرضى هي عدم قدرة الأطباء على تشخيص المرض من البداية.

داخل الوحدة التقت «فيتو» إيهاب عبد العزيز، 37 سنة، جاء إلى وحدة التصلب المتعدد بمستشفي الشيخ زايد آل نهيان لتجديد قرارات العلاج لاستكمال صرف الأدوية والمتابعة، مشيرًا إلى أنه تم تشخيص مرضه منذ 5 أعوام، بعدما قضى قبلها ما يزيد على 6 سنوات في معاناة جراء ألم شديد في فقرات الظهر، ولم يجد لها علاجًا بعد البحث لدى الأطباء في التخصصات المختلفة وظل لمدة عام ونصف العام يذهب لتخصص العظام ويحصل على أدوية خاطئة لا تسكن آلامه.

«إيهاب» أوضح أنه «كان يشعر دائما بالتنميل ويعتقد الأطباء أنه بسبب آلام الفقرات، إلى أن طالبه أحد الأطباء بالتوجه إلى متخصص في المخ والأعصاب، وبعد اكتشاف الإصابة بالتصلب المتعدد ظل يتابع في مستشفى الدمرداش الجامعي، ثم جاء إلى وحدة الشيخ زايد آل نهيان وتصدر له قرار علاج على نفقة الدولة، وكان يخشى تناول الحقن حتى أقنعه الطبيب الحصول عليها لمنع تعرضه لأن يعيش حياته على كرسي متحرك وشعر بتحسن بعد تناول أدوية التصلب المتعدد».

من جانبها قالت الدكتورة دينا زمزم، أستاذ مساعد المخ والأعصاب بكلية الطب جامعة عين شمس، ومستشفى الشيخ زايد آل نهيان: مرض التصلب المتعدد ينتج عن اضطراب في جهاز المناعة ومهاجمة الجسم لنفسه وميكروبات تهاجم الأعصاب، خاصة المادة البيضاء التي تلف جذع العصب في المخ والحبل الشوكي.

أضافت أن المرض أعراضه متعددة في الجسم وتشمل قلة تركيز واضطراب في المزاج وتعتيم الرؤية لإحدى العينين وبهتان للألوان وازدواج في الرؤية وتلعثم في الكلام والبلع، ثم ضعف في الأطراف أو نصف الجسم أو الإصابة بشلل نصفي أو شلل رباعي، فضلا عن مشكلات في التحكم في البول والبراز وتنميل وآلام مختلفة بالعصب الخامس.

وأكدت أن 60% من المرضى يذهبون لتخصصات بعيدة عن المخ والأعصاب منها الأنف والأذن والعظام والجراحة والباطنة والرمد، مشيرة إلى أن نسبة كبيرة من المرضى يتأخرون في تشخيص المرض.

«د. دينا» في سياق الحديث معها، كشفت عن وجود بحث علمي في وحدة التصلب بجامعة عين شمس أثبت أن أهم سبب في تأخر التشخيص للمرض يتمثل في الخلط بين التخصصات وعدم فهم المرض، موضحة أن «غالبية المرضى يذهبون إلى أطباء جراحة المخ ويعالجون المرض بحقن الكورتيزون فقط ولا يعرفون أنه هناك أدوية للعلاج، ويظل المريض فترة لا يتم علاجه، فضلا عن وجود نسبة من أطباء المخ والأعصاب لا يشخصون المرض سريعا».

كما أشارت إلى أن الدولة بدأت مؤخرا توفر وحدات متخصصة لعلاج هؤلاء المرضى، يوجد بها طبيب متخصص باطنة، وتوفر العلاج مجانا على قرارات العلاج على نفقة الدولة، موضحة أن هناك عدة وحدات في المستشفيات الجامعية منها عين شمس وقصر العيني والإسكندرية وطب الأزهر بنين، ومن المقرر إنشاء وحدة في جامعة أسيوط لخدمة أهالي الصعيد، ووحدة في طنطا لخدمة أهالي الدلتا.
وأكملت: الوحدة الموجودة بمستشفى الشيخ زايد آل نهيان الوحيدة التابعة لوزارة الصحة يأتي إليها المرضى من المحافظات، كما أن الوحدة تقدم خدمة الكشف واستصدار قرار العلاج على نفقة الدولة وصرف الأدوية وتجديد القرارات، وجار إنشاء وحدة في مستشفى المنصورة الدولي مشددة على ضرورة توعية الأطباء بالتخصصات المختلفة بمرض التصلب المتعدد، لكي يسهل عليهم تشخيصه بسرعة وتوجيه المريض للطبيب المختص.

«د. دينا» أكدت أيضا أن المرض لم يكن له أدوية متاحة على نفقة الدولة، ومؤخرا تم إدراجهم في نفقة الدولة، حيث يوجد 3 أنواع من حقن الانترفيرون للمرحلة الأولى من المرض، فيما يوجد أدوية للمراحل المتأخرة من المرض وحاليا يبحثون عن المرضى لسرعة علاجهم.

وتابعت: وفقا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية يوجد من 30 إلى 50 شخصا مصابا لكل 100 ألف نسمة أي في مصر يوجد من 30 إلى 50 ألف مريض، وحاليا يوجد ما يقرب من 7 آلاف مريض فقط يحصلون على علاج وتم تشخيصهم، والبقية لا يعرفون أنهم مصابون بالتصلب المتعدد أو يتم تشخيصهم خطأ، وأناشد أي شاب في المرحلة العمرية من 18 إلى 45 سنة ولديه أعراض التصلب المتعدد أن يلجأ إلى الوحدات المتخصصة للكشف والعلاج المجانى وعدم إهمال الأعراض.

وحذرت من أن مضاعفات المرض وخطورته تتمثل في أنه ينتهي بالمريض إلى الجلوس على كرسي متحرك نتيجة حدوث التهاب في أجزاء المخ لا يستطيع ترميمها، وتتزايد الأعراض ويدخل في مرحلة متأخرة ويحدث ضمور في الأعصاب، لافتة إلى أن المريض في المراحل المتأخرة يلجأ إلى استخدام حفاضات، ويمكن أن يفقد البصر وتحدث له رعشة وعدم اتزان ويصبح طريح الفراش وتلك مضاعفات تحدث ما بين 10 و15 سنة لمن لا يحصل على علاج، لذا يجب على المريض ألا يضيع فرص العلاج المبكر.

وحول مسببات المرض، قالت «د.دينا»: الاستعداد الوراثي للإصابة ناتج عن خلل في الشفرة الوراثية والتدخين ونقص فيتامين د والإصابة بالميكروبات والتوتر والعصبية والسمنة والأكل غير الصحي كلها عوامل تستفز جهاز المناعة.

«أسعار الأدوية مرتفعة الثمن» بحسب الدكتورة دينا زمزم، التي أكملت بقولها: الإنترفيرون بأنواعه يكلف المريض من 6 إلى 8 آلاف شهريا تتحمله الدولة وأدوية أخرى تصل أسعارها إلى 7 آلاف جنيه، بينما يوجد نوع «أليمتوزوماب» تبلغ تكلفته 120 ألف جنيه خلال السنة للمريض الواحد، ويتوفر نوعان في منظومة العلاج على نفقة الدولة والنوع الثالث سوف يتم توفيره قريبا، ويصدر للمريض القرار لمدة 6 أشهر أو 4 أشهر حسب نوع الدواء وتصرف داخل المستشفى، حيث يتم الكشف وإصدار القرار وصرف العلاج، كما تجري متابعة المريض كل عدة أشهر في تخصصات الرمد والقلب، ويتم إجراء تحاليل وفحوصات له ويحتاج المريض إلى علاج بصفة مستمرة لمنع تطور المرض، والغرض من العلاج تحجيم جهاز المناعة ومنع مهاجمة الجهاز العصبي المركزي، والمرض أحيانا يظهر في الأطفال أو كبار السن لكن بنسب قليلة.

كما أكدت أنه لا يوجد علاج شافٍ من المرض نهائيا حتى وقتنا الحالي، والأبحاث عالميا مستمرة عليه ولم يتم اعتمادها بعد، مشيرة إلى أن وحدة الشيخ زايد آل نهيان تستقبل 1200 مريض بينما يزيد العدد في المستشفيات الجامعية منهم عين شمس تستقبل 3 آلاف مريض، والفرق بين الجامعات ووحدة آل نهيان يتمثل في أن المريض الذي يتم الكشف عليه داخل الجامعات يصرف الأدوية في منافذ صرف تابعة لوزارة الصحة.

كما شدد على أنه هناك صعوبات تواجه المرضى منها وجود فجوة بين الشكوى من الأعراض وبدء العلاج، حيث يوجد 27% من المرضى يتم تشخيصهم بعد مرور عامين من ظهور الأعراض، فضلا عن توفير أحدث الأدوية في منافذ الدولة خاصة أن المرض يصيب الشباب وهم طاقة إنتاجية للمجتمع، وما يتم إنفاقه على علاجهم أقل من تكلفة عدم العلاج وأن يصبح الشاب قعيدا على كرسي متحرك، فضلا عن توافر وحدات في المناطق المركزية لتخفيف الضغط على الوحدات الحالية، مشيرة إلى أنه يتم استخدام الطب عن بعد لتشخيص الحالات في المحافظات تيسيرا عليهم.

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية