رئيس التحرير
عصام كامل

علي حزين يكتب: مقام سيدنا الولي (2).. قصة قصيرة

 مقام سيدنا الحسين
مقام سيدنا الحسين

ولكن اكتشفت أنني أبكي.. وأصرخ بداخلي.. وأكلم نفسي ليس إلا.. وعلى فرض لو افترضت، أني قلت لأبي، عما أحبه، وأتمناه في نفسي.. ترى هل سيستجيب لي أبي..؟.. هل سيخرجني من هذا المكان.. ؟!!.. ويا ترى سيسمعني أبي من شدة الضجيج..؟!.. وهذا الزحام الذي لا يطاق..؟!.. وعلى فرض أنه سمعني..؟!.. فلن يلبي لي كل ما أريد.. سامحك الله يا أبي.. وغفر لك حيث جئت بي إلى هنا.. وإلى هذا المكان، حيث الزحام الذي لا يطاق".

ــ بركاتك يا سيدنا..
ــ اسعَ وصلِّ على النبي.. اسعَ وصلِّ على النبي..
ــ صلِّ على الحبيب قلبك يطيب...
أصوات المنشدين والمداحين لا تزال تنطلق لتجوب الفضاء، وتخترق الأجواء.. يأتيني صوت أحدهم واضحًا.. يأخذ بسمعي.. ينسيني ما أنا فيه.. ويذهب بي إلى عالم آخر.. لأسبح في علم الملك والملكوت.. وأطوف في أجواء من الجمال.. وعالم من السحر، وأسبح حول النجوم في السماء..
ـــ أول ما كتب القلم.. كتب القلم الله... وكمل السطر بمحمد رسول الله..
قال هو حبيي ومحبوبي.. وهو خير خلق الله.. واللي يصلي على الحبيب النبي يا فرحته يا هناه.. واللي هتعمله النهاردة.. بكرة أمام الكريم تلقاااااه..
والناس لم تزل تطوف حول المقام ، وهم في حالة وجد شديد.. يتمايلون على أنغام الموسيقي.. والموشحات.. والإنشاد الديني.. وهم يرددون بصوت جماعي:
ــ الله الله الله.... مدااااد حي.. مداااااد حي..
ومنهم من كان يبكي.. وهو يشكو.. وقد أمسك بعيدان الحديد التي تُسيج المقام، وأنا أنظر إلى كل ما يدور حولي في اندهاش، واستغراب.
لا أدري كيف تزاحمت الحكايات في رأسي.. تلك الحكايات التي كان يقصها علينا أبي..عن أولياء الله الصالحين.. وعن كراماتهم التي لا تنتهي.. وعن "الأقطاب الأربعة.. والأبدال.. والأوتاد.. والنقباء والوزراء.. والسلاطين.. وأهل الديوان.. الذين يجتمعون كل فترة من الزمان، ويختارون من بينهم رئيسًا لهم.. ورئيسة الديوان "السيدة زينب" رضي الله عنها.. والخضرة الشريفة.. والست صباح، والسيد البدوي.. مع فاطمة بنت بري..
وكان أبي يحكي لنا الكثير.. والكثير عن كرامات "السيد البدوي"..
وتلميذه أبو العينين.. والشيخ "محمد البهي وسالم وعز الرجال.. والست صباح".. وغيرهم الكثير.
تذكرت ليلة أمس.. وأمي كانت تجهز لنا الأشياء التي سنأخذها معنا، مع إعداد الطعام.. والملابس.. وأختي الوحيدة "...... " المتزوجة، تساعد أمي.. وتضع لها كل ذلك في"مشنة" مقاطف كبيرة.. ثم ركبنا في آخر قطار متجه إلى القاهرة بالليل.. نحن ومن يريد السفر من أهل بلدتنا.. وحرص أخي الكبير على أن يكون المقعدان متجاورين.. أو قبالة بعضهما البعض....
أذكر.. أني كنت أقاوم النوم ليلتها.. بقدر المستطاع حتى لا يفوتني الاستمتاع بتلك الرحلة الليلة الشتوية الرائعة في القطار..
وأذكر عندما جعنا.. أخرجت أمي لنا الطعام، من مشنتها التي كانت معها، والتي تشبه الصندوق الكبير.. بيض مسلوق.. وثمرات الطماطم.. وكسر من الخبز البلدي اللدن.. وقطع من الجبن الأبيض القديم.. حتى غلبنا النوم، فنمنا تحت الكراسي الخشبية.. على أصوات الباعة الجائلين.. والناس التي في القطار.. قد علت أصواتهم.. وراحت تأتينا كدوى النحل.. كانت تلك هي المرة الأولى.. التي ركبت فيها القطار.. كنت صغيرًا حينها.. أخذنا أبي لزيارة.. مقام سيدنا الحسين، والسيدة زينب "رضي الله عنهم جميعًا ".. ثم نكمل الرحلة إلى طنطا.. بلد السيد البدوي ، والست صباح.. ذات الأنوار والبركات ذات الطابع خاص، والعقود ، الملونة ، الغريبة الشكل، التي تحيط بها من كل جانب.. والتي فسرتها لي أمي بأنها كانت "ست جميلة" وكانت تحب العقود.. عشان كدة كل واحد ييجي لازم يجيب لها عقد.. 

أيقظنا أبي من الرقاد.. لنهبط على رصيف المحطة.. المزدحم كسوق الخميس، الذي في بلدنا.. نزلنا مسرعين متدافعين.. وبصعوبة بالغة.. من شدة الزحام.. ثم تركنا مع أخي الأكبر.. في مكان متطرف وبعيد عن الناس.. ليعود ومعه الإفطار "فول مدمس مع أقراص الطعمية الساخنة مع العيش المصري.. وبعض المخلّلات".. كي نفطر.. ثم شربنا الشاي.. الذي أتي به من قهوة قريبة منا.. ثم دخل المسجد.. تشطف.. غسل وجهه.. وبدل ملابسه المتسخة.. من وعثاء السفر.. بعدما توضأ وصلى الصبح.. ثم أحضر لنا عربة كبيرة.. لتقلنا جميعا إلى المولد.. ثم ذهبنا للزيارة.....
Advertisements
الجريدة الرسمية