رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

أسباب صدمة الطلاب وخطايا «التعليم» في تطبيق تجربة الأوبن بوك

فيتو

أقل من 48 ساعة مضت على بدء تنفيذ تجربة الامتحان المتحرر أو امتحان الكتاب المفتوح " open book" بشكل عملي من خلال الاختبارات التي أداها طلاب الصف الأول الثانوي في مادتي اللغة العربية والأحياء أمس واليوم. هذه الساعات كانت كفيلة بإثارة ضجة كبيرة حول التجربة التي تطبقها وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني لأول مرة كخطوة تجريبية تمهيدًا لتطبيق نظام الثانوية التراكمية ضمن إستراتيجية التعليم 0.2.


ردود الفعل
ردود الفعل الواسعة من الطلاب وأولياء الأمور وحتى بعض المعلمين حول الامتحانات، وشكاوى الطلاب من عدم القدرة على الاستفادة من وجود الكتب المدرسية بحوزتهم أثناء الامتحان، وأحاديث تسريب امتحان الأحياء وإعلان الوزارة فتح تحقيق في الواقعة، وادعاءات البعض أن الأسئلة التي واجهها الطلاب كانت من خارج المنهج، وأنهم لم يتوقعوا هذا المستوى من الامتحان، والتبريرات التي أطلقها مسئولو التعليم والتأكيد على أن الاختبارات تم تصميمها لتخاطب الفهم والمستويات العليا من التفكير وتخرج عن دائرة الحفظ والتلقين، كل ذلك يعني أن تجربة كسر النسق والخروج عن المألوف التي تطبقها الوزارة بالنسبة للطالب والمعلم والإدارة المدرسية وحتى الإدارة التعليمية، وللرأي العام، تواجه مشكلات كبرى، وأن الصدمة التي أصابت الطلاب تشير إلى عدد من الأخطاء التي وقعت فيها الوزارة أثناء عملية التطبيق، وتلك الأخطاء يجب دراستها وتقييمها بالشكل الأمثل.

ميراث الماضي
ويؤكد ذلك التساؤلات التي أجاب عنها وزير التعليم الدكتور طارق شوقي قبل ساعات من انطلاق ماراثون امتحانات الكتاب المفتوح، والتي توضح أن عناصر العملية التعليمية المختلفة لم تتخلص بعد من ميراث الماضي، وأن الوزارة لم تحقق أهدافها بالكامل في إكساب تلك العناصر فلسفة النظام الجديد، كما يكشف أن الأزمة الحقيقية التي تواجه التربية والتعليم تتمثل في العنصر البشري ممثلًا في المعلمين والطلاب وصولًا إلى أولياء الأمور، وأن نجاح النظام المقترح أو فشله مرهون بقدرة الوزارة من عدمها في تغيير ثقافة هذا العنصر وإقناعه بالاختلافات الجوهرية بين النظام المقترح وما جرت العادة عليه طوال العقود الماضية.

البحث عن تبرير
ولعل التصريح الذي أطلقه رئيس المركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي الدكتور رمضان محمد، في معرض تعليقه على شكاوى الطلاب وأولياء الأمور، يكشف جانبًا من المشكلات الضخمة التي تعاني منها الوزارة في تطبيق التجربة، حيث قال: "هدف الامتحانات إننا محتاجين طالب فاهم مجتهد.. مش طالب حافظ متخرج من التعليم ميعرفش حاجة.. ولازم الكل يساعدنا على ذلك". نبرة الخطاب التي وجه بها مدير مركز الامتحانات رسالته لأولياء الأمور ربما يفهم منها أن اللائمة على الطالب أنه غير فاهم واعتاد على الحفظ والتلقين، وذلك الخطاب يعكس حالة البحث عن تبرير بدلًا من البحث عن علاج ناجع للمشكلة، وربما يكون رئيس مركز الامتحانات قد تناسى أن الطالب الذي اعتاد على الحفظ والتلقين هو نتاج لمنظومة التعليم التي يعد المركز جزءا منها بكل حال، وأن الطالب هو المنتج النهائي للعملية التعليمية، وتغيير نظام الامتحانات يستتبع أمور كثيرة حتى يتمكن الطالب من استيعابه وإلا فإن الاعتماد على نفس العناصر عند التطبيق قد لا ينتج جديدًا، ومن الممكن أن ينذر بفشل التجربة إذا لم يتم الاستماع بهدوء وروية لتلك الصراخات وتحليل الأمور بشكل عملي وفي ضوء نظريات القياس التربوي لمعرفة مواطن الخلل؛ لأنه من المحتمل أن تكون مواطن الخلل في الكيفية التي صيغت بها الأسئلة وربما تكون في المعلم وأنه يحتاج إلى مزيد من التدريب والتأهيل، وربما تكون في الأدوات المستخدمة ووسائل التدريس داخل المدرسة، وربما في المنهج، وتتسع دائرة الاحتمالات لتشمل كافة المدخلات في العملية التعليمية.

نظام التقويم
وما تسعى إلى تنفيذه وزارة التربية والتعليم في ملف الثانوية العامة – وفقًا لما أعلنه وزير التعليم- في أكثر من مناسبة هو عبارة عن تغيير نظام التقويم باعتباره مدخلًا لتطوير العملية التعليمية في تلك المرحلة العمرية، وتؤكد الدراسات التربوية أن التقويم أعم وأشمل من الاختبارات التي تعقد للطلاب، ومن هذا المنظور يكون امتحان الكتاب المفتوح عبارة عن جزء من عملية تقويم أوسع من المفترض أن يتم تطبيقها، وليس هو كل عملية التقويم. في دراسته عن معايير بناء اختبار الكتاب المفتوح، يذهب إبراهيم عبده صعدي إلى أن اختبارات الكتاب المفتوح واحدة من أدوات التقويم المهمة في المنظومة التربوية للحكم على مدى قوة النظام التعليمي". والدراسة منصبة على معايير بناء تلك النوعية من الاختبارات لطلاب الجامعات؛ لأن نظم الامتحان الذي يتاح فيه استخدام الكتاب أمر بدأ تطبيقه في التعليم العالي، وتطبيقه في المرحلة الثانوية أمر غير مألوف في الواقع التربوي ويعد مغامرة كبرى.

تحديات ضخمة
ونمط امتحانات الكتاب المفتوح يواجه تحديات ضخمة على رأسها شيوع ثقافة الاختبارات الموضوعية، وميل الطلاب نحو تلك النوعية من الاختبارات، أيضًا هذا النمط يحتاج معلمين على مستوى معين من الكفاءة التربوية والقدرة على القيام بدور الباحث العلمي لتحويل الطالب إلى عضو مشارك في الموقف التعليمي يبحث عن المعلومات بالوسائل الممكنة، كذلك يشترط في المعلم أن يكون قادرًا على تقويم طلابه في كافة الجوانب، ويستطيع بممارساته التدريسية أن يجعل الطالب يظهر قدرته على التفكير الناقد والتقويم والقدرة على الابتكار بإعادة تنظيم وتأليف بعض العناصر المقررة بطريقة تتناسب مع فهمه.

استعجال التطبيق
وواحدة من أبرز الخطايا التي وقعت فيها وزارة التعليم هو الاستعجال في تطبيق التجربة قبل أن تهيئ الأدوات اللازمة لتنفيذها بالشكل الأمثل، فالطلاب لم يعتادوا على مثل هذا النمط من التفكير، وكان يجب تأهيلهم داخل الفصول بالشكل الأمثل، وربما يكون السبب الرئيسي في عدم تأهيلهم وتدريبهم يعود إلى المعلمين الذين لجأوا للطريقة التي ألفوها في عملية التدريس، والمنهج القديم. ووفقًا للدراسات التربوية فإن المعلم في هذا النظام المفترض أن يتحول إلى مقوم لأداء طلابه وهذا يحتاج أن يتم تدريبه للقيام بمهام هذا الدور وإعداده بمعايير وأدلة شاملة لتطوير أساليب وأدوات التقويم بما يتفق مع أحدث التجارب التربوية العالمية التي تركز على عدالة التقويم وشموليته، وبناء قناعات أن التقويم وسيلة وليس غاية في حد ذاته، ففي هذا النظام تحصيل الدرجات ليس هو الغرض وإنما الغرض هو فياس حجم الاستفادة المعرفية التي عادت على الطالب في الجانب العقلي والمهاري والوجداني، وهي عملية مستمرة طوال العام أو طوال الفصل الدراسي، وتتنوع فيها الأدوات والأساليب فلا تقتصر على الامتحان فقط؛ بل إن الامتحان الذي يؤديه الطالب يصبح جزءا من عملية التقويم وليس كل العملية وباقي الأدوات المستخدمة في التقويم تقيس الفروق الفردية ويسعى المعلم خلال ذلك إلى تقويم أداء الطلاب الضعاف بطرق متنوعة لتعزيز ثقافة إنتاج المعرفة.
Advertisements
الجريدة الرسمية