رئيس التحرير
عصام كامل

منتصر عمران يكتب: يخربون أوطانهم بأيديهم بدعوى الثورة!

منتصر عمران
منتصر عمران

ترددت كثيرًا في السنوات العشر الأخيرة كلمة ثورة، وأيضا كثيرًا ما سمعنا في الزّمن الماضي عن هذه الكلمة، خاصّةً في الكتب المدرسيّة مثل الثورة الفرنسية، والثورة الجزائرية، وإن كانا يختلفان في الهدف والأسباب..


وتطلق الثّورة حاليًا على ما يسمّى بالربيع العربي، حيث سمعنا عن الثّورة الليبيّة، والثّورة السوريّة، والثّورة اليمنيّة، والثّورة المصريّة، ومن ذلك نعرّف الثورة في مصطلحها السياسي بأنّها عبارة عن أمر سياسيّ يخصّ الدولة وهي عمليّة الخروج عن الأوضاع الرّاهنة والعمل على تغييرها، ولا يهمّ إذا كانت إلى وضعٍ أسوأ أو أفضل، ويكون ذلك عن طريق الخروج إلى الشوارع والميادين، والوسيلة هم الغوغائية من الشعوب التي يقودها ويحرّكها عدم الرّضا عن أمر ما، وغالبا تكون دون دراسة وواقعية إلا الشعور بالسخط وعدم الرضا.

ففي الماضي كانت ثورة الشعوب العربية ضد الاحتلال الأجنبي، وهذا أمر مبرر، حيث إن ثروات وإرادة الشعوب في أيدي المحتل وأعوانه من الخونة من أبناء الوطن، لذا رأينا مدى شعبية وبقاء الثورة الجزائرية في نفوس الأجيال من أبناء الشعب الجزائري والأمة العربية حتى وقتنا هذا، على الرغم من التضحيات الجسام التي تكبدها الشعب الجزائري من خيرة شبابه، حيث وصل عدد شهداء الثورة إلى الجزائرية إلى مليون شهيد من الرجال والنساء، سواء كانوا كبارًا أو شبابًا أو حتى أطفالًا.. والجميع تقبل هذا الأمر بعزة نفس وكبرياء، لأن المقابل كان عظيما وهو خروج المحتل من الأرض وعودة الإرادة والثروة إلى يد أبناء الوطن.

أما الآونة الأخيرة فأصبحت كلمة الثورة مرادفا للسخط والرفض لكل شيء دون النظر في عواقب الأمور، وأصبح شعار الثورة للأسف (الشعب يريد إسقاط النظام!). والنظام يعنى الاستقرار والترتيب وانتظام أمور الشعب على وضع معين ومحدد بضوابط حتى لو كان فيها بعض الخلل فمعنى إسقاط النظام هو انتشار الفوضى وعدم التحكم في حركة الجماهير وخاصة الغوغائية منها..

وإذا تأملنا أوضاع الدول التي حدثت فيها متل هذه الثورات المزعومة نرى أن نتائجها على الأوطان والشعوب هي الخراب والدمار وسفك الدماء التي حرمها الله، ويرفضها المنطق والعقل السليم، وها هي دول كانت مستقرة وآمنة صارت بفعل ثورات شعوبها أثرًا بعد عين، بل صارت أنقاضًا ودمارًا وتحولت شعوبها إلى قتلى وجرحى ولاجئين.

فدول مثل سوريا وليبيا واليمن بعد استقرار وحياة آمنة تحولت إلى ركام من الديار، وتحطمت بنيتها الأساسية وانهارت جيوشها وقواتها الأمنية وتدمر اقتصادها وتاهت شعوبها، وأصبحت الآن العودة إلى سابق عهدها قبل الثورة أكبر وأعلى أماني شعوبها، وأصبح حال لسان شعوبها الآن يقول وبقوة: (الشعب يريد عودة النظام)، مهما كان للنظام من أخطاء وعيوب، بل وتجاوزات فإن المصلحة العليا للبلاد هي الهدف الأعظم في عرف الدين والوطن..

فهل يفكر كل إنسان وطنى عاقل في عواقب الخروج على الحكام والنظام، ويدرس المآلات بعيدًا عن المصالح الشخصية والاعتبارات الذاتية؟ إن ظلم الحاكم في بعض الأمور أهون من خراب الأوطان والديار، والنقد الإيجابي هو الذي يعرف الداء ويصف له الدواء ولن يكون الإصلاح بالصياح في الميادين والطرقات ولا الردح والصراخ على منصات القنوات، بل يكون بالعمل والإنتاج ومصلحة البلاد.. هذه نصيحتي الآن إلى أهلنا في السودان.. إياكم وطريق الفوضى فإن لكم في سوريا واليمن وليبيا خير برهان وأكبر دليل.

حفظ الله الشعوب والأوطان من الشعارات الزائفة والغوغائية التافهة.

الجريدة الرسمية