رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

«فيها حاجة حلوة».. «الخال» بقليوب يصلح بين الأزواج بـ«أبغض الحلال عند الله الطلاق».. قيادات كنسية بقنا ترفع شعار «الخدمة لله والدين في القلب».. ومايكل يتبرع بتع

فيتو

أعد الملف: رضا عبدالنبي – نهال دوام – هبة عبد الحميد – أحمد علم الدين – كريم أنور



«عاش الهلال مع الصليب» هتاف كثيرًا ما يتردد مع مسامعك بمجرد وقوع حدث هام أو محاولة وقيعة من قبل عناصر خارجية وأخرى مندسة في الداخل بين قطبي الأمة مسلميها ومسيحييها، الأمر لم يعد مجرد عبارات رنانة تترددّ على ألسنة السّياسيين، متحدثين عن الحالة الاجتماعية في مصر، ولكن الأمر قديم بقدم التاريخ، وقطبي الأمة دومًا ما يعبرون عن وحدتهم بالأفعال لا الأقوال.

وفي التقرير التالي، تستعرض «فيتو»، نماذج حية معاصرة وتاريخية، لأبطال حقيقيين ضربوا أروع الأمثلة في تماسك نسيجي الأمة، من أقباط كان مقصدهم الأول الخدمة الوطنية للمسلمين قبل الأقباط

الخال هارون المصري
«الخال» جمال هارون المصري، هنا في منطقة قليوب المحطة بمدينة قليوب بمحافظة القليوبية، حاز لقب المصري من الصغار والكبار، ونظرًا لكثرة اختلاطه بالجميع في عاداتهم وتقاليدهم، قلما تجد من يعرف ديانته إلا من هم على قرابة وثيقة منه، عرف عنه حسن الخلق والثقافة العالية، ويحظي بثقة الجميع فهو تاجر في بداية الستينيات من عمره، أصبحت معالمه تأريخ لتلك المنطقة المهمة من محافظة القليوبية.

اختلط مع إخوانه من المسلمين الذين أطلقوا عليه من شدة حبهم له «الخال»، يجاور منزله منزل مسلم اختلط أجدادهما مع بعضهمه البعض، وكونا ملحمة وطنية قبل الشعارات وأي شيء.

من الوقائع الشهيرة التي لا ينساها قاطنو منطقته، يوم أن تدخل «الخال» للصلح بين مصطفى الذي يعمل سائقا في شركة نجله وزوجته قائلًا لهما «إن أبغض الحلال عند الله الطلاق»، ولم يقف عند هذا، بل أصر على أن يقيم عقيقة لحفيده الأول كما يفعل المسلمون في الشارع وذبح الذبائح ودعوة الأحباب، ما من بيت في منطقة قليوب المحطة حينما يهل عليه هلال شهر رمضان المعظم إلا وتجد «شنطة رمضان» قادمة إليه من بيت «الخال»، مداعبًا الصغار قبل الكبار في حيه، قائلًا: «حالو يا حالو رمضان كريم ياحلو»، مرددًا أن كلمة «حالو» قبطية الأصل وتعني يا فرحتي، كما يحرص كل عام على إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف مع الأهل والأحباب والمعارف وتقديم حلوى المولد وتوزيعها وفقًا لقائمة يعدها مسبقًا تضم العشرات من الأقارب والأصدقاء والمحتاجين من أبناء المنطقة.

فهو الحريص دائمًا على شراء «العروسة» و«الحصان» لأحفاده ليربيهم على الألفة والمودة وعدم الشعور بالاختلاف عن المسلمين، ويقيم جلسات للصلح بين الأزواج، بمبدأ يقوله دائما «أبغض الحلال عند الله الطلاق» فيعلق على منزله وداخل سيارته عبارتي «الله أكبر» إلى جوار «الله محبة».

ارتباط هارون بالمسجد له حب من نوع خاص، فقد اعتاد أن يستمع إلى خطبة الجمعة أسبوعيا، ويستخدمها كوسيلة للثقافة، وذلك منذ أن كان طالبا في المدرسة، وتعلق بالشيخ عبد الله الذي كان إماما للمسجد قريبا من مدرسته بقرية كفر أبو جمعة التابعة لمدينة قليوب، والذي جذبه حسن إلقائه، ومن يومها وهو يواظب على سماع خطبة الجمعة، ساعده على ذلك المسجد المقابل لمنزله مباشرة، وهو «اللواء الإسلامي»، الذي يؤمه الشيخ رمضان وهو صديقه المقرب، والذي يشترك معه في عمل جلسات عرفية للصلح بين المتخاصمين وخاصة بين الأزواج.

الأنبا بيمن
الأنبا بيمن، أسقف نقادة وقوص بمحافظة قنا، شخصية قبطية من الطراز الأول تربى بمحافظة أسيوط بين جيرانه المسلمين، وكانت تجمعه صداقات متعددة معهم، وهنا في الصعيد لا يوجد فرق بين مسلم ومسيحي، الجميع تربي على المحبة والوحدة، البيوت متجاورة لا يفرقها سوي وضع الصلبان والهلال على أعلي المنازل، وعندما عين أسقفًا بنقادة وقوص، جنوب محافظة قنا، ارتبط بعلاقات كبيرة مع مسلمي قرى تلك المراكز، وهو الأمر الذي دفعه إلى إنشاء مركز لعلاج ذوي الإعاقة يحمل اسم «القلب الفرحان» وهذا المركز يخدم الجميع دون أي تفرقة.

منذ أن تم إعلان الأنبا بيمن من قبل بطريرك الكرازة المرقسية مقررًا للجنة إدارة الأزمات بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ليكمل رحلة المحبة وينسج خيوطًا جديدة بين نسيج هذا الوطن الغالي كما يطلق عليه الأنبا بيمن، بدأ في جمع التبرعات الطبية والتعاون مع مركز الدكتور مجدي يعقوب لعلاج القلب، وإيفاد الكثير من القوافل الطبية إلى دولة إثيوبيا لعلاج فقراء المسلمين قبل المسيحيين، وبداخل الكنائس، فضلًا عن مشاركة الكثير من الأطباء من مختلف الطوائف في تلك القوافل التي أطلقوا عليها «قوافل علاج في حب مصر».

وعن علاقته بشيخ الأزهر فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، قال الأنبا بيمن: «ده جار وحبيي وصديقي الغالي»، بتلك العبارة بدأ حديثه عن علاقته العميقة مع الطيب، لافتًا إلى أن العلاقة بينهما لا تحتاج أن تقول مسلم ومسيحي، فالجميع نسيج واحد، لا تفرقهما سوي أداء العبادات، قائلًا: «عشت طفولتي مع أقراني المسلمين نأكل ونشرب ونعيش الحياة بمنتهى البساطة».

الأنبا تكلا
الأنبا تكلا، أسقف إيبارشية دشنا وتوابعها، تربى في منطقة شبرا التي تعد رمز المحبة بين أبناء الوطن الواحد، وكانت تربطه علاقات صداقة ومحبة وود مع الجميع، وعندما عين أسقفًا لإيبارشية دشنا بمحافظة قنا، طلب منه إنشاء بيت للعائلة بدشنا فرفض قائلًا: «لا نحتاج لهذا»، هذا الرجل الذي كان يمر في الشارع لتفقد أحوال أبناء الكنيسة الفقراء، لاحظ في الشارع مسجد قرية فو قبلي لايزال متوقفا فسأل أحد الأئمة عن سر توقف العمل فرد عليه قائلًا: «نحتاج إلى بعض المال لاستكمال المئذنة»، فما كان من الأنبا تكلا إلا أن تبرع بالمبلغ المطلوب للاستكمال.

وعندما سئل عن هذا الأمر رد قائلًا: «الحياة لا تحتاج إلى أن نصعبها على أنفسنا فالجميع هنا إخوة متحابين، وكلنا أبناء هذا الوطن الذي تربى على حلوي رمضان وصينية من بيت أم محمد وأخرى من بيت أم مايكل»، منوهًا إلى أنه عندما عين أسقفًا في الإيبارشية حرص على توطيد العلاقات مع الجميع، وعندما تقع مشكلة بين طرفين يتم الفصل بينهما دون معرفة الدين.

وأكد الأنبا تكلا، أنه تربي مع صديق مسلم كانت تربطه به علاقة قوية جدًا، ولم يفترقا طيلة عمرهما وكانا يقضيان رمضان والأعياد سويًا ويتجاوران في الطعام والشراب، لافتًا إلى أنه عندما جاء إلى دشنا فكر في جمع الأطفال في مكان واحد،وكانت الفكرة في مدرسة تحمل اسم «السلام» وهو اسم من أسماء الله، هذا بالإضافة إلى أن الخدمات الطبية التي تقدمها الكنيسة في مختلف العيادات التابعه لها

الراهبات الـ5
في قرية الطويرات التابعة لمركز ومدينة قنا، جاء منذ أكثر من 80 عاما 5 راهبات إيطاليات عرفن بين أهل القرية بـ«الطوباوية»، وجاءت الراهبات في يوم 24 فبراير 1931 إلى الإسكندرية وبعدها وصلت الراهبات الـ5 إلى مدينة قنا بالقطار، وعبرن النيل بالمراكب ووصلن إلى مكان اسمه الشيخ حسين، وبدأت الرهبات عملهن بعد الدخول للكنيسة في نفس اليوم بزيارة لمريض مسلم كان يرغب في رؤيتهن لعلاجه مما كان يعانيه، كما زرن بعض الأسر من أهل القرية، وبدأن العمل في هذه القرية بتعليم الفتيات أصول الخياطة، والرجال نسج النول، وكان هذا العمل رزق لهذه البلدة الفقيرة.

الإقطاعية سفينة دوس
ولم يكن من نماذج سالفة الذكر وليدة الأحداث أو العصر الحالي ولكن هناك نماذج أقدم بعمر الزمن والسنين، إنها «سفينة دوس» تلك السيدة الإقطاعية التي أحبها أهل الصعيد، وتحولت في أذهانهم لأسطورة يتحاكون بها في أحد أكبر وأهم منطقة، بمحافظة قنا، تتردد اسطورة الإقطاعية القبطية التي تمردت على العادات والتقاليد، وأعلنت الاشتراكية، وكانت تقوم بتوزيع أغلب أراضيها على الفقراء والمحتاجين من أهالي الصعيد، وإنشاء مبان خدمية لهم دون التفرقة بين مسلمين ومسيحيين.

«سفينة دوس» أحبها أهالي الصعيد وتحولت قصتها إلى أسطورة تترد على الشفاه في أرجاء المعمورة، بعد أن أطلق اسمها على أكبر منطقة بالصعيد، القاصي والداني يعرف منطقة سفينة تلك المجاورة لميدان المحطة، والتي تضم العديد من البيوت الأثرية القديمة، و7 حارات هي «رمسيس، حفني، البكري، القصاص، محجوب، الجناين، مدرسة مدينة العمال» وأكثر من 6 شوارع هي «الولي، أحمد على عيسى، أبوالحسن الشاذلي، الأقصر، طاحونة العبادي، الثلاجة» جميعها مفتوحة على مداخل المدينة الرئيسية.

القبطي نجل الشهيد
خابت آمال الذيول الإرهابية في ضرب النسيج الوطني بين مسلمي ومسيحيي المنيا، بعد وقوع حادث دير الأنبا صموئيل، ذلك الدير الواقع أقصى شمالي محافظة المنيا، والذي شهد استهداف مُسلحين إرهابيين، لحافلة تقل أقباطا العام الماضي، وأسفرت عن استشهاد 28 من أبناء محافظتي المنيا وبني سويف.

وكانت الجماعات الإرهابية المتطرفة تهدف لضرب نسيج الوطن الواحد في مصر عامة ومحافظة المنيا خاصة، حتى أطلقوا على المنيا «محافظة الدم والنار والإرهاب»، ليخرج أحد أبناء المحافظة بل وأكثر المتضررين من الحادث الإرهابي، ليضرب أروع الأمثلة في الوحدة الوطنية، ويكون خير دليل للوحدة الوطنية إنه الشهيد عاطف منير، أحد شهداء دير الأنبا صموئيل عام 2017، الذي تبرع وساهم في بناء مسجد الرحمن، وتبرع بالطوب الذي بني به المسجد كاملا، ويعد مسجد الرحمن مسجد الجماعة الإسلامية، ناهيك عن تبرعه لبناء العديد من الزوايا التي كانت قبل سابق منشأة على الطرق الزراعية داخل المحافظة.

وفى أواخر شهر يوليو 2017 خرج نجل الشهيد عاطف ويدعى مايكل؛ ليكمل مسيرة والده في العطاء دون معرفة وجهة الصرف أن كانت لمسلم أو مسيحي، في ختام احتفالية إحياء ذكري الأربعين لضحايا الهجوم الإرهابي بطريق الدير، ووسط القيادات التنفيذية والشعبية ليعلن تبرعه بمبلغ 100 ألف جنيه، قيمة الإعانة المالية التي خصصتها الدولة، لأسر الشهداء، بواقع 50 ألف جنيه، لبناء كنيسة الملاك بمدينة الفكرية بأبوقرقاص، و50 ألف جنيه لبناء مسجد بقرية صفط اللبن بمركز المنيا.

راهبات فرنسيات
وتستطيع أن تميزهن من بعيد، هيئتهن المتجانسة بين الملابس العربية والأوروبية، رداءهن الفضفاض القصير نسبيًا ذو اللون الرمادي، ملامحهن الأجنبية التي ترك الاحتكاك بالمصريين عليها بصمات ودلائل، إنهن «السبع بنات».

راهبات فرنسيات سبع، وصلن إلى السويس ضمن الإرسالية الكاثوليكية، والكنيسة الفرنسية لمصر، في عصر الخديو إسماعيل عام 1867، قدمن الخدمات العلاجية، للمصريين والأجانب المقيمين بمصر من خلال المركز الطبي المقام بمجهوداتهن الذاتية.

وتجلت الخدمات الصحية في مركز السبع بنات الذي تخصص منذ زمن بعيد في علاج الحروق، ومع مرور الوقت لم يقتصر الالتحاق بالمركز على الفرنسيات فقط، بل انضم لهن راهبات من جنسيات مختلفة، فنال الكيان شهرة واسعة حتى أن كيانات حملت نفس الاسم في محافظات أخرى مثل المنصورة الإسكندرية.

ويقول أحمد الروبي، 38 سنة، أحد جيران السبع بنات: «بيعدوا علينا كل يوم وبيننا وبينهم كل خير وبيعيدوا علينا وبيهنونا برمضان أنا أتعالجت عندهم لما أيدي اتحرقت وأنا صغير»، رافعًا يده مبديًا آثار حرق تقاوم الاختفاء، وأضاف الروبي أنهن يفتحن أبواب المركز أمام السوايسة مسلمين وأقباطا، من الثامنة صباحًا حتى الواحدة أو الثانية ظهرًا، يقدمن الخدمة العلاجية من الحروق والجروح بأسعار رمزية 5 جنيهات.
Advertisements
الجريدة الرسمية