رئيس التحرير
عصام كامل

أحمد ممدوح يكتب: لا إرشاد ولا إنتاج.. وزارة الزراعة تقتل الحياة

أحمد ممدوح
أحمد ممدوح

أن تكون عالما مخلصا تتعلم العلم وتعلمه للعامة فهو أمر خطير في بعض الأماكن ببلادنا عكس كل العالم المتحضر، خاصة إذا كنت خارج دوائر الأصدقاء وشلة المصالح وجوقة الإدارة، فأنت بالتأكيد فريسة سهلة ولقمة سائغة لأعداء الحياة، يحاولون ممارسة كل وسائل ومعاني التنكيل معك كلما لاحظوا علو شأنك بين الناس، لأنك لو علوت بين الرؤساء والمديرين لتقربوا لك وصنعوا منك صنما من العجوة، التهموه يوم أن تنتهي المصلحة.


وسائل المؤسسات التي تفتقد الثقة في نفسها للتنكيل بكل من يرغب الخروج عن الروتين والمفروض، معروفة وقديمة قدم الظلم ذاته، والدكتور محمد علي فهيم أستاذ المناخ الزراعي بمركز البحوث الزراعية، رجل عالم بحق لأنه قرر أن يسد الفجوة بين الجانب البحثي والتطبيقي، وتطوع لخدمة أهله من المزارعين في كل أراضي مصر، وسخر جزءا كبيرا من وقته، ليسدي النصيحة ويرشد الناس إلى الصواب، لعله يساهم في حفظ أرزاق المزارعين وزيادة إنتاج الغذاء ليحمي بلاده شر التسول، فأصبح حسابه على موقع "فيس بوك" قبلة لكل مزارع وكل راغب في التعلم، فأصبح وغيره من المهمومين بأهلهم في الغيطان قطاع إرشاد مستقل عن وزارة الزراعة، التي تعاني من انقراض دورها على كافة المستويات.
 
لكن رغم معروف الرجل إلا أنه وجد نفسه محالا لمجلس تأديب بمركز البحوث الزراعية، والسبب من المضحكات المبكيات وهو نشره مقالا في مجلة المصور يحذر خلاله المزارعين من مرض لفحة الأرز ونقص المحصول، فأحيل الرجل المؤدب أصلا إلى مجلس تنكيل يواجه فيه كما ورد في صيغة الإحالة "سلوك تصرفات لا تتفق ومقتضيات احترام وظيفته ودون موافقة السلطة المختصة".. هذه هي وجهة نظر موظف يري خدمة الناس عدم احترام للوظيفة.. فبأس التفكير والقرار، ولا أعلم ما مصلحة بعض المنتمين لهذا الوطن أن يحل ظلام الجهل على أمتنا، فنصبح كوصف ابن الجوزي في تلبيس إبليس "فلما أطفأ مصباح العلم عندهم تخبطوا في الظلمات"، فلم تكتف الوزارة بغياب دورها فقط بل قررت أن تمنع المعرفة وتقتل حياة المزارعين بكل الطرق.

هذا هو حال رجل يعمل في خدمة الناس دون مقابل، رجل تعلم العلم وعلمه ككثيرين في وادينا الطيب الخصيب، وقرر أن يرشد الناس في وقت نخر فيه السوس زراع وزارة الزراعة الإرشادي، الذي أصبح يضم 1500 موظف جميعهم فوق سن الـ56 سنة، وبميزانية هزيلة لا تتعدى الـ220 ألف جنيه، كما صرح من قبل رئيس قطاع الإرشاد الأسبق الدكتور السيد خليفة.

وزارة الزراعة التي تردد دائما إنها جهة بحوث وإرشاد وإنتاج فقدت وظائفها الثلاثة، بعد أن أصبحت مصر سلة غذاء العالم لكن بالعكس فتحولنا سلة يلقي فيها العالم ما يزيد من غذائه ليطعمها، بعد أن كانت مصدر علوم الزراعة وسياسات الأمن الغذائي، وأصبحت اليوم تتسول التقاوي والقمح من كل مكان في العالم، وأصبح وصف فلاح سبة ودليل على الفقر وضيق الحال. 

الوزارة التي تركت الفلاحين لأزمات التسويق والتقاوي المغشوشة والأمراض وتدهور الإنتاجية، بسبب التغيرات المناخية، تريد اليوم أن تؤدب أحد أبنائها الذي لم تتماشَ إيجابيته المتصاعدة مع سلبيتها المستمرة، رغم أنها هي من تحتاج إلى مراجعة نفسها كثيرًا.
الجريدة الرسمية