رئيس التحرير
عصام كامل

حسين حنفي يكتب: ومثلك من تخيل ثم خالا!

حسين حنفي
حسين حنفي

ينقسم الناس في رؤيتهم للشخص إلى ثلاثة أقسام فإما مغالٍ في الخصومة فيبغضك ويقول فيك ما ليس فيك، وإما مغالٍ في المحبة فيرفعك فوق قدرك وينكر مساوئك وعيوبك، وإما منصف عدل فيذكر محسانك ومساوئك، وأفضلهم ذلك المنصف، وينطبق هذا الكلام على كل أحد وكذلك شيخ معرَّة النعمان أبي العلاء المعري، فقد اختلف الناس عليه، ولعل الفريق الذي برز ذلك الذي قدح فيه ورماه بالزندقة والإلحاد، يتقربون بلعنته إلى الله، يتوارثون ذلك خلفا عن سلف، ويتناقلونه جيلا بعد جيل.


وذا الذي صرف الناس عنه وعن علمه ولغته وشعره على مر القرون، ومن نظر في سيرة الرجل بعلم وبصيرة وإنصاف عَلِم أنه براء من ذلك، وكذلك الأمور التي صدرت منه مغالاة فيها رجع عنها وصرَّح بذا، وأن محبيه ومبغضيه أجمعوا على أنه كان وافر البضاعة من العلم، غزير المادة في الأدب إماما فيه، حاذقا بالنحو والصرف، نسيجا وحده في اللغة وحفظ شواهدها وتقييد أوابدها، فقال فيه شمس الدين التبريزي - وكان أحد تلامذته: «ما أعرف أن العرب نطقت كلمة ولم يعرفها المعري»، فكان حافظا للقرآن بقراءاته، وصنف فيها كتاب (نظم السور) يتكلم فيه عن نظم كل سورة ممن قرأ بالشواذ ويتعرض لوجه الشاذ، وكتاب (تضمين الآي) وهو كتاب مختلف الفصول، والغرض أن يأتي عند انقضاء كل فصل بآية من القرآن، ومقداره أربع مائة كراسة في العظات والحث على تقوى الله.

فيقول التبريزي: «قرأت عليه كتبا كثيرة من كتب اللغة وشيئا من تصانيفه، فرأيته يكره أن يُقرأ عليه شعر صباه الملقب بـ(سقط الزند)، وكان يغير الكلمة إذا قرئت عليه، ويقول معتذرا من تأبيه وامتناعه من سماع هذا الديوان: مدحتُ نفسي فيه فأنا أكره سماعه، وكان يحثني على غيره من الكتب كلزوم ما لا يلزم وجامع الأوزان».

ثم يجيء شيخ المعرَّة في مقدمة (سِقْط الزَّنْد) فيقول: «قد علم الله - جلَّت عظمته - أن أحب الكلام إليّ ما ذُكر به الله - عز سلطانه - وأُثني به عليه، وإذا تكلمتُ بكلمة لغيره عددتها من غَبْن وغَبَن، تزيد الغصن الشائك من الأُبَن، وأنا شيخ مكذوب عليه، يظن بعض العامة أنني من أهل العلم، وأنا من الجهالة نظير الحِلم، ويخالني ديِّنا ولم يزل تقصيري مبينا، ويحسبني فردا ذا يسار وإني قضيت الزمن بالإعسار».

«فالحمد لله الذي ستر بغُفَّة من قِوام العيش، ورزق شعبة من القناعة أوفت بي على جزيل الوَفْر، وما وُجد لي من غُلو علق في الظاهر بآدمي، وكان مما يحتمله صفات الله تعالى فهو مصروف إليه، ولا يصلح لمخلوق سَلَف من قبل أو غَبَر أو لم يُخلق بعد فإنه مُلحق به، وما كان محضا من المَيْن لا جهة له فأستقيل الله سبحانه وتعالى العثرة فيه.. واللهَ أستغفر، وإياه أسأل التوفيق». 

فبعد كل ما ذكرته لك، أما زلت تراه كافرا زنديقا؟!
الجريدة الرسمية