رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

حكايات المسنين في الخانكة.. شباب فوق السبعين..«الأهلاوي» يعشق سيد عبد الحفيظ.. وعم «محمد» يروي ذكرياته تحت القبة.. بخل الابن سبب وجود «البرنسيسة».. و«ماما زوزو»

فيتو


خلف أسوار دار المسنين بالخانكة بمحافظة القليوبية، يعيش العشرات من النزلاء الذين وصل بهم قطار العمر إلى مراحله قبل الأخيرة، لكنهم يصرون على أن العمر، ولو كان لحظة، فلا بد أن يعيشوه ويتمتعوا بما تبقى منه.


لا تموت عندما يتوقف قلبك عن النبض، ولكنك تموت حينما تقرر أن تحيا ميِّتًا بلا إرادة.. هكذا يعيش نزلاء الدار رافعين شعار "على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، هنا خلف الأسوار العالية قصص وروايات وحكايات أبطالها يعيشون عالمهم الخاص الذي صنعوه بما تبقى في مخيلتهم عن سنوات مضت.


الأهلاوي
في البداية، يلتقيك عم نبيل، أو "أهلاوي الدار" كما يلقبه أصدقاؤه، مرتديا التي شيرت الأحمر، ويصر على أن يكون سريره مفروشا باللون الأحمر دائما، ولا تدري كيف يشعر باللون وهو فاقد البصر ولكن لديه «بصيرة» تحركه أينما أراد من خلال كرسيه المتحرك، يستمتع عند سماع المباريات القديمة على أنغام يعزفها كابتن لطيف ومحمود بكر، يتحمل «سخافة» بعض المعلقين الشباب الآن – على حد وصفه - لكي يشجع ناديه الذي يعشقه، مؤكدًا أن سيد عبدالحفيظ هو بطله الرياضي الأقرب إلى قلبه، والذي يجعله يشعر كأنه في الملعب، أحيانا ينام، ويحلم أنه لاعب كرة ويتخيل المباريات الكروية.

عضو سابق
«من تحت قبة البرلمان في الثمانينيات إلى زاوية غرفته جوار شباك داخل دار المسنين حاليًا، يجلس عم «محمد» عضو مجلس الشعب عام 1985م سابقا عن منطقة حدائق القبة بالقاهرة، الذي كان صديقا مقربا للوزير السابق إبراهيم سليمان، وكان عضوا بالحزب الوطني المنحل، مؤكدًا أنه ما زال يمتلك القدرة على التحليل السياسي وفهم المشهد الحالي، وأحيانا يتخيل أنه في زمن مبارك ويبدأ بسرد حكاياته وصولاته وجولاته مع السياسيين الكبار.

الحاج متولي
في إحدى غرف الدار يعيش الحاج متولي أو «ميتو» كما يلقبه نزلاء الدار، تزوج من النساء 4 وأنجب 3 أولاد ويتذكر الأيام الحلوة التي قضاها معهم، ولكنه لايريد أن يتذكر نكران الزوجات له، بعدما تقدم به العمر، لينتهي به الحال داخل الدار.

«الستات حلوة قوي وكانوا كويسين معايا وكنت شايف في كل واحدة الدنيا بشكل مختلف، فمنهن صاحبة الابتسامة الحلوة، والأخرى التي تتمتع بخفة الدم، وثالثة تتميز بالقوام الممشوق، والأخيرة بالطيبة، ولكن يجمعهن كيدهن عظيم»، بهذه الكلمات وصف عم متولي زوجاته، لذلك وقع في فخهن الذي انتهى به إلى ما هو فيه الآن وحيدًا.

شاعر الفوازير
شاعر الدار أو كما يحب أن يطلق عليه عم أيمن، كان نقاشًا وصنايعي ماهرًا جدًّا يعيش حياة مستقرة إلا أن أصيب بتهتك في العضلات، فأودعته زوجته داخل دار المسنين لعجزها عن خدمته، وتزوجت من آخر، وحرمته رؤية ابنه الذي يتذكر أنه ذهب لزيارته آخر مرة منذ سنوات بمفرده أيام كان في المرحلة الإعدادية، ومن حينها انقطعت الأخبار عنه تمامًا.

يحرص أيمن على إلقاء الشعر الذي يحفظ منه الكثير في جميع مناسبات الدار والحفلات التي تقيمها، وأيضا يعطي لكل من يزورهم فوازير، ويطلب منهم حلها وغالبًا ما تكون صعبة ومعقدة.

البرنسيسة
في ركن قصي تجدها جالسة بمفردها هانم أو ملكة على عرشها، قل عنها كما تشاء، ولكن يبقى اللقب الأقرب لقلبها ويناديها به زملاؤها في الدار «البرنسيسة»، إحدى سيدات المجتمع الارستقراطي، كانت تمتلك من الأموال ما جعلها تظن أنه لا خوف من الزمن، مادام معها المال ونجلها الوحيد، وكثيرًا ما تحاول أن تنسى أو تتناسى بخل ابنها في الإنفاق عليها، لدرجة أنه حاول منع دواء السكر عنها بحجة أنه مرض لا يشفى منه والدواء غالٍ، لكنه لم يستطع في ظل اعتراض مسئولي الدار على ذلك، وتهديدهم برفع الأمر إلى الجهات المختصة.

ماما زوزو
«ماما زوزو» صاحبة الوجه البريء، هكذا يلقبها النزلاء والعاملون بالدار، حيث تشتهر الحاجة زينب بأنها «البركة»، ويحرص الجميع على تقبيل يدها وطلب الدعاء منها.

الصديقتان
وفي نهاية المكان تجلس الصديقتان نوال ونجاة أقدم نزيلات الدار، والمقيمتان به منذ عام 1997، ولا تتذكران تقريبا أي شيء عن حالتهما، ودائما حديثهما غير مفهوم وغير واضح، وعلى فترات متباعدة يزورهما أشقاؤهما ولا تتعرفان عليهم أحيانا وأحيانا تدخلان في موجة من البكاء غير المبرر.

رئيس الجمعية
صبري إبراهيم، رئيس جمعية المسنين بالخانكة، من جانبه قال: إنه يقضي يومه كله داخل الدار، مشيرًا إلى أنه يعمل منذ تأسيس المكان، وقد ورد عليه الكثير من الحالات التي تشيب لها رءوس الغلمان، حيث إن معظم الحالات هي لأبناء يلقون آباءهم بعد أن أصبحوا غير قادرين على خدمتهم، مشيرا إلى أنه قديما كان هناك خجل من وضع الأب أو الأم بدار المسنين، ولكن العصر الحديث أصبحت «حق مكتسب» فالدار بها الكثير من قوائم الانتظار، ويذهب إبراهيم إلى أن الدار حالة نادرة، فهي تستجيب فقط للحالات المتأخرة والمصابة بأمراض ولا تستقبل الأصحاء، مشيرا إلى أن قوام الدار من التبرعات فقط، والميزانية لا تكفي رواتب الموظفين وحتى عند صرفها تكون متأخرة، موضحا أن المشكلة الأكبر هي توفير عمال وعاملات النظافة، الذين يعتبرون العامل الأكبر والبطل الحقيقي في الدار، فهم سيدات ورجال صيفًا وشتاء، يقضون يومهم وسط المياه ما بين الغسيل والتنظيف رغم تدني الرواتب وتأخرها.

مديرة الدار
أما سمر إبراهيم مديرة الدار، فتقول: إن المكان يستقبل الحالات التي تأتي إليها عبر طلب أحد أهلها، والتقدم بجواب رسمي إلى الدار للرغبة في وضع أحد أقاربهم من الدرجة الأولى، ويكون نظير 1100 جنيه اشتراك شهري، وهناك حالات مجانية تأتي عبر ترشيح رسمي من وزارة التضامن الاجتماعي.
 وتكمل سمر إبراهيم أن الدار أنشئت عام 1991 م، وتتبع الجمعية المصرية لصحة المسنين المركزية، ومقامة على مساحة 10 آلاف متر، وبها مبنى عتيق مقام منذ الاحتلال الإنجليزي لوكيل الوزارة الأجنبي آنذاك، وكان يستخدم لمعيشة المسنين، ولكن تم الإخلاء خوفا على حياة المرضي بعد ظهور بعض التشققات.

مدافن الصدقة
وتضيف أن صفات المسن هي واحدة في النواحي النفسية، والمسنون في تلك المرحلة يتشابهون كثيرا مع صفات الأطفال، فالإنسان يبدأ ضعيفا كطفل ويخرج ضعيفا أيضا، مشيرة إلى أن الكثير من الحالات ترفض استلام الجثة مكتفين فقط بإنهاء الإجراءات ويتم دفن المسن بمقابر الصدقة، وآخرهم منذ أشهر وهو "عم صبحي "الذي أودعته زوجته الدار منذ سنوات ولم تسأل عنه، وعندما توفي تواصلت الدار مع زوجته، وبالفعل أرسلوا لها شهادة الوفاة عبر «الواتس آب»، ولما تأكدت من وفاته طلبت متعلقاته وآخر الهدايا التي حصل عليها عبر التبرعات، ورفضت نقله لمسقط رأسه بالمنصورة، بحجة أن السيارة التي ستقل جثمانه ستأخذ كثيرا فأنهت الإجراءات وتم دفنه بمدافن الصدقة بالخانكة.

"نقلا عن العدد الورقي..."
Advertisements
الجريدة الرسمية