رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

المهندس محمد فريد يرد على عبد الخالق فاروق: 27.8% من سكان مصر تحت خط الفقر.. فرض ضرائب على الشقق المغلقة «بوابة ذهبية للفساد».. و«رفاهية» إنشاء العاصمة الجديدة رأي مضلل والتمويل يس

الدكتور عبدالخالق
الدكتور عبدالخالق فاروق

أثار الدكتور عبد الخالق فاروق، الخبير الاقتصادي، الكثير من الجدل عقب تأليفه كتاب «هل مصر بلد فقير حقًا»، معتمدًا في حديثه على التأليب الطبقي، وسار على نهج المتاجرة بالبسطاء والفقراء، محاولًا –عبر أرقام واهية وحجج ضعيفة مردود عليها- إثبات أن مصر دولة غنية لكنها منهوبة من الأغنياء الفاسدين.


واقترح «فاروق» بما أسماه بـ«روشتة العلاج» أن الملاذ من وجهة نظره هو التحول إلى الاشتراكية والتخطيط المركزي.

ولعل الحقيقة المرة والتي يجب أن نعترف بها وسنرصدها –بالأرقام المعتمدة- في السطور التالية هي أن مصر بالفعل بلد فقير، وأن السبيل للخروج من هذا هو أن نقر بالواقع ونحلله على أسس علمية، فالتشخيص الخطأ حتمًا يقود إلى العلاج الخاطئ، مما يؤدي إلى مضاعفات كارثية، فيجب أن ننظر حولنا بعين من المنطق حتى نتعلم من التجارب ولا نكرر نفس الأخطاء ونتلافى البؤس والشقاء.

حقائق أولية
- يصنف البنك الدولي مصر من الدول التي تقع في الشريحة الدنيا من الدخل المتوسط، وهي الدول التي يتراوح فيها نصيب الفرد، سنويا من الدخل القومي الإجمالي ما بين 992 دولارًا وحتى 3895 دولارًا.

وطبقا للبنك الدولي سنة 2016 فإن متوسط نصيب الفرد في مصر من الدخل القومي الإجمالي 3410 دولارات.

- يُعرِّف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء خط الفقر القومي بأنه تكلفة الحصول على الخدمات والسلع الأساسية للفرد والأسرة قد بلغ عام 2015 نحو 5800 جنيه سنويًا، وبلغ نسبة السكان الواقعين تحت خط الفقر القومي عام 2015 نحو 27.8%، وبالتالي أي دولة غنية وقرابة ثلث سكانها يعيشون تحت خط الفقر.

مشتريات المصريين من السيارات
اعتاد «عبد الخالق فاروق» أن يذكر في كتابه أرقامًا مطلقة ليضخم من ظاهرة ما، وعلى سبيل المثال ذكر أن قيمة مشتريات السيارات في مصر بالعام الواحد من 3 إلى 4 مليارات جنيه، وفقا لتقديراته، وذلك دون أن يميز بين السيارات الخاصة والتجارية والأتوبيسات.

وذكر تقرير مجلس معلومات مسوقي السيارات «أميك» أن مبيعات السيارات الخاصة في 2018 بلغت 99 ألفا و530 سيارة، فيما كان في العام السابق 141 ألفا و983 سيارة وليس 198 ألفا و271 سيارة كما جاء في كتاب «فاروق».

وطبقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقيمة مشتريات السيارات الملاكي المستوردة، 31 مليار جنيه – أكثر من عشرة أضعاف تقديرات فاروق – فهل هذا الرقم يدل على قدرة شرائية كبيرة لمواطنين أغنياء في دولة غنية؟ فبالتأكيد لا.

وبلغ عدد السيارات الخاصة في 2017 طبقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء 4.7 ملايين سيارة ما يعادل 50 سيارة لكل ألف مواطن، وتبلغ تلك النسبة في دبي 540 لكل ألف، وفي نيويورك 305 لكل ألف، وفي لندن 23 لكل ألف، ويبلغ المتوسط العالمي 182 سيارة لكل ألف مواطن، وهذه الأرقام صادرة من رابطة مصنعي السيارات العالمية.

ويذكر «فاروق» أن حجم أسطول السيارات الحكومية 77 ألفا و86 مركبة، لكن الرقم الحقيقي في ديسمبر 2017 نحو 59 ألفا و85 سيارة حكومية، و39 ألف سيارة محافظات، محاولًا التدليل على ضخامة عبء هذا الأسطول العملاق بذكر مبلغ الصيانة للآلات والمعدات والذي يبلغ قرابة 1.5 مليار جنيه سنويًا، وبهذا المعدل فإن متوسط صيانة المركبة الواحدة سنويًا قرابة 15 ألف جنيه، ويلمح أن هناك مبالغة في الإهلاك لتلك الأصول.

وبعيدا عن تلك التناقضات، فإن ما يعنينا أن القاعدة المعروفة أنه كلما تقادم عمر المعدة كلما ارتفعت تكلفة صيانتها، والعلاج ليس مزيدا من برامج الصيانة، والتوقف عن شراء سيارات جديدة، بل الحل ضرورة إعادة تقييم كامل للأسطول والتخلص من السيارات الأقدم عمرًا واستبدالها بسيارات أحدث، وخفض تكلفة الصيانة والتي تحدث نتيجة تقادم عمر المعدة.

 مشتريات المصريين من الفيلات والشقق
ذكر عبد الخالق فاروق في كتابه أن مشتريات المصريين من الفيلات والشاليهات منذ 1980 وحتى 2011 بلغت 415 مليار جنيه، وطبقا لدراسة المركز المصري للدراسات الاقتصادية فعدد الوحدات في الحضر عام 2010 نحو 21 مليون وحدة، بقيمة 33 تريليون جنيه، ما يعني إجمالي قيمة المشتريات والفيلات والقصور حسب تقديرات عبدالخالق 415 مليارا تمثل 1.25% من قيمة الثروة العقارية في الحضر، فهل هذا مؤشر دولة غنية.

وقال عبد الخالق إن هناك 12 مليون شقة سكنية مغلقة، وسببه جشع الأغنياء، ما من شأنه خلق أزمة سكن للفقراء، وعليه يقر أن أزمة السكن في مصر ليست في العرض بل في الطلب وعليه فلا داعي لبناء أي وحدات جديدة، وللرد عليه يجب أن ننظر للصورة كاملة، فطبقا لتعداد السكان في 2017 يبلغ عدد الشقق في مصر 29.408.267 منهم 17.435.134 شقة سكنية بالإضافة إلى 110.138 للسكن والعمل، و423.575 شقة للعمل، ويبلغ 61 من إجمالي الشقق الموجودة في الجمهورية، فماذا عن الـ39% الباقين أو الـ11.4 مليون شقىة الباقين من أصل 29.4 مليون.

من تلك الـ11.4 مليون شقة يوجد نحو 2.4 مليون شقة مغلقة لوجود مسكن آخر للأسرة، ومليون شقة أخرى مغلقة لوجود أصحابها خارج البلاد، أي نحو 3.4 ملايين وحدة مباعة، ووجود 3.5 ملايين شقة خالية وغير مكتملة ونحو 3.7 ملايين شقة خالية ومكتملة، أما باقي الـ11.4 مليون شقة وهو قرابة الـ300 ألف شقة فإما تحتاج إلى ترميم أو صادر لها قرار إزالة.

ونستنتج مما سبق أن الـ12 مليون شقة المغلقة هو في واقع الأمر أربعة أضعاف الرقم الحقيقي، وعليه نرى أن محاولة الإيهام بوجود فائض في المعروض غير حقيقي، وكذلك الحلول التي طرحها "الدكتور" غير مجدية على الإطلاق ولا تصلح بالمرة، مثل فرض ضريبة على أصحاب الشقق المغلقة.

 شهادة قناة السويس
افترض "الدكتور" إقبال المصريين على شراء الشهادات ليدلل بها أن هناك فوائض مالية كبيرة لدى الأغنياء في مصر، ولكن بتحليل الأرقام نجد أن 82% من المشترين أفراد و18% مؤسسات 32 مليار جنيه هو من دخل الجهاز المصرفي، مما يعني أن هناك مودعين سحبوا أموالهم من البنوك واشتروا بها شهادات ذات العائد الأعلى بالإضافة إلى أن هناك من اقترض من البنوك وبلغت قيمة القروض 5 مليارات جنيه، وهو ما يجعل الرقم المتبقي 27 مليار جنيه دخلوا للجهاز المصرفي، فهل هذا المبلغ ضخم حقا؟!

رأسمالية المحاسيب
يشير "الدكتور" لدراسة صادرة في 2013 عن "رأسمالية المحاسيب" ورغم خطورة الظاهرة، إلا أنه طرح ذلك ليوحي للقارئ بأن ما يسيطر على هذه الشركات فاسدون ومتصلون بالطبقة السياسية الحاكمة، وطبقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في 2013 فإن المنشآت التي يعمل بها أقل من 10 أشخاص تبلغ 97% من إجمالي منشآت القطاع الخاص، ومسئولة عن توظيف 63% من العاملين بالقطاع الخاص، والمنشآت الصغيرة نحو 99% من إجمالي عدد المنشآت التي تعمل في القطاع الخاص غير الزراعي، ويسيطر نشاط تجارة الجملة والتجزئة على أنشطة الشركات الصغيرة والمتوسطة بنسبة 57% وبالرجوع لدراسة الدكتور نجد أن الأنشطة الاقتصادية كثيفة رأس المال عادة ما تكون قليلة العمالة وعليه فإن هذه الشركات الـ469 والتي بها 569 ألف موظف وعامل فقط بما يساوي 11% فقط من العمالة الصناعية بالقطاع الخاص المنظم، أمر طبيعي في ظل بنية القطاع الخاص المصري، وعليه:

1- الأنشطة الاقتصادية كثيفة الطاقة والاستثمارات في التكنولوجيا عادة ما تكون قليلة العمالة وهو ما تؤكده تلك الدراسة أن معظم تلك الشركات تعمل في الصناعة والتكنولوجيا والصناعات كثيفة الطاقة.

2- تلك الأنشطة عادة ما تدر أرباحا كبيرة تتناسب مع كثافة رأس المال وعليه فمن الطبيعي، أن تولد 60% من صافي أرباح القطاع المنظم.

3- تلك الشركات الكبرى ذات الربحية العالية تستطيع بسهولة الحصول على أي قدر من التسهيلات الائتمانية.

4- لكن لابد هنا من التساؤل لماذا تعمل تلك الشركات في التكنولوجيا والصناعات كثيفة الطاقة، والإجابة أن دعم الطاقة الذي كان يقدم للجميع هو المسئول عن هذا التشوه.

العاصمة الإدارية الجديد
حاول "الدكتور" إثبات أن العاصمة الجديدة، لا داعي لها على اعتبار أن الحكومة لديها ما يكفي من المباني الحكومية، والتي تمثل ثروة عقارية عظيمة، وهو محق في أنها ثروة عقارية كبيرة للغاية لكنها ميتة ويساء استغلالها ففي المنظومة البيروقراطية ذات التعقيدات اللائحية والإدارية تفرض على المواطنين التوجه بأنفسهم لمقار تقديم الخدمات للحصول على الخدمة وهو ما يشكل ضغطا على مرافق تلك الوحدات والتي يصاحبها ارتفاع تكلفة صيانتها، ناهيك عن الاختناقات المرورية.

وإن تكلفة الزحام المروري في منطقة القاهرة الكبرى طبقا لتقرير البنك الدولي الذي صدر في 2013، يقدر بنحو 7.9 مليارات دولار وحجم الوقود المهدر 1.9 مليار لتر ونحو 200 ساعة سنويا وقت مهدر لكل مواطن، وبتزايد عدد السكان منذ هذه الفترة والذي شكل الآن 25% من سكان مصر فتلك الزيادة السكانية شكلت ضغطا كبيرا على المرافق العامة ولتخفيف هذا الاختناق ولتقليل الخسائر فإن مد خط مترو جديد يتكلف 100 مليار جنيه علاوة على 30 مليار جنيه لصيانة الخط الأول.

ويسكن بالقاهرة قرابة 10% من سكان الجمهورية، في مساحة لا تتجاوز 190.52 كيلو متر ما يضع المدينة العتيقة تحت ضغط هائل من الكثافة السكانية وضعف البنية التحتية، ومن ثم فإن التوسعة خارج العاصمة وإنشاء عاصمة جديدة هو أمر حتمي وضروري لوقف نزيف الخسائر الناتج عن الازدحام بالقاهرة الكبرى.

وقد نختلف حول طريقة التنفيذ وتدخل الحكومة كمطور عقاري أو حتى اختبار موقع العاصمة أو ما يصاحبها من إجراءات، فعلي سبيل المثال نرى أن نقل المباني الحكومية يجب أن يصاحبه إصلاح إجرائي وتشريعي واسع لتيسير إجراءات تقديم الخدمات وإتاحتها إلكترونيا وذلك حتى لا يكون الأمر بمثابة نقل الازدحام للعاصمة الجديدة.

وعليه فإن محاولات تصوير مشروع حيوي وضروري كالعاصمة الإدارية الجديدة كرفاهية لا داعي لها أو خلق مجتمع جديد للبرجوازية وترك البلوريتاريا «ملح الأرض» بالقاهرة القديمة في إطار فرضية الصرع الطبقي لتأصيل أسطورة أن مصر غنية لكنها منهوبة من الفاسدين الأغنياء كما يحاول «الدكتور» الإيهام بذلك، فهو رأي مضلل وغير صحيح.

تمويل إنشاء العاصمة الإدارية
استمر "الدكتور" في مغالطاته حول تمويل العاصمة الإدارية الجديدة، ووصل بالقارئ لنتيجة مفادها أن هيئة المجتمعات العمرانية، وهي هيئة اقتصادية مسئولة عن كل المدن الجديدة، وبينما يذكر المادة 32 الخاصة بموارد الهيئة يتناسى أن يذكر المادة التالية لها وهي 33 والتي تتحدث عن مالية الهيئة ونقل فائض موازنتها للخزانة العامة.

كما يثير اللغط حول دور القوات المسلحة في العاصمة الجديدة، ولفك هذا الالتباس ينبغي ذكر الحقائق التالية:
1- أراضي العاصمة الإدارية الجديدة كانت أرض ثكنات وقواعد عسكرية تابعة للقوات المسلحة لذا وجب إخلاؤها لتنفيذ المشروع.

2- منذ عام 1982 صدر قرار رئيس الجمهورية بشأن قواعد التصرف في الأراضي التي تخليها القوات المسلحة وتخصيص عائدها لإنشاء مناطق عسكرية بديلة.

3- في عام 2015 أصدر رئيس الجمهورية تعديلا على القرار السابق يسمح للقوات المسلحة في سبيل تنمية الموارد تأسيس شركات بكل صورها سواء منفردة أو بمشاركة رأس المال الوطني أو الأجنبي.

4- صدور قرار رئيس الجمهورية بنقل أراضي العاصمة الإدارية الجديدة لتتبع هيئة المجتمعات العمرانية.

5- تأسست شركة مساهمة بين هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، وجهاز أراضي القوات المسلحة، لتخطيط وإنشاء وتنمية العاصمة الإدارية الجديدة.

وبناءً على ما سبق فإن العاصمة الإدارية يتم تمويلها من الشركة التي أنشئت لتمويلها، وطبيعي يكون جزءا من التمويل من هيئة المجتمعات العمرانية، لكن هذا لا يعني على الإطلاق أن العاصمة يتم تمويلها من موازنة الدولة كما يدعي "الدكتور" بل إن معظم التمويل هو نتيجة بيع الأراضي للمطورين العقاريين والمستثمرين.

الثروة البشرية
ينظر "الدكتور" للانفجار السكاني على أنه ثروة ويرى أن سوء الإدارة والفساد هما السبب في عدم الاستفادة من هذه الثروة الكبيرة، لكن في واقع الأمر لا يمكن أبدا أن نحقق أي تنمية حقيقية في ظل معدلات السكان الحالية فحتى تجارب دول كالصين والهند، نجد أن الصين استطاعت تخفيض معدل النمو السكاني 1% عام 1998 ورغم هذا فإن 7% من سكان الصين يعيشون بأقل 3.2 دولارات يوميا وهذه الـ7% تقارب تعداد سكان مصر، واستطاعت الهند تقليل نسبة الزيادة السكانية السنوية من 1.8% عام 1998 لـ1.1% عام 2017، بينما بلغت نسبة الزيادة من 2006 وحتى 2017 نحو 2.56% من 2.04% من 1996 حتى 2006، وعليه فإن هذه الزيادة لن تلتهم فقط أي نمو بل تشكل ضغطا كبيرا على البنية التحتية وترغم صانع القرار على إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام فنجد أنفسنا أمام تهديد الفقر المائي، وما يستوجب معه حزم سياسات عامة متعلقة باستخدام المياه بالإضافة لضخ استثمارات عامة في محطات تحلية وتنقية المياه.. فأي ثروة تلك التي يتحدث عنها الدكتور؟!!
Advertisements
الجريدة الرسمية