رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

البلاغات الكيدية.. تشويه سمعة الأبرياء بـ «فعل فاعل».. أقسام الشرطة تستقبل الآلاف منها.. وضحاياها يقبعون في الزنازين دون ذنب.. مطالب بتشديد العقوبات على مقدميها.. ووضع آليات واضحة للحد من ان

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

ظاهرة جديدة بدأت تنتشر بوضوح في المجتمع المصري خلال الفترات الأخيرة، تتمثل في كثرة البلاغات "الكيدية" التي يقدمها أشخاص بهدف التنكيل والتشهير بأشخاص آخرين أو الانتقام منهم.. وفى بعض الأحيان تتسبب تلك البلاغات في الزج بأبرياء خلف القضبان، أو وضع آخرين في مواضع الشبهات بعد التحقيق معهم، واحتجازهم في أقسام الشرطة لأيام أو ربما لشهور.


هذه الظاهرة أثارت انتباه أحد أعضاء مجلس النواب، فتقدم بطلب إحاطة للحكومة، طالبا فيه تشديد العقاب على مقدمى البلاغات الكيدية، ووضع آليات محددة للحد من تلك الظاهرة.. محقق "فيتو" في التقرير يرصد عددا من البلاغات الكيدية التي تسببت في إيذاء أبرياء، وأسباب انتشارها وتأثيرها على سير العدالة، وعقوبة مقدم البلاغ الكيدى، والحلول المطروحة لمواجهتها والحد من خطورتها.

آلاف البلاغات
في البداية كشف مصدر أمني مطلع أن رجال الشرطة يتلقون يوميا آلاف البلاغات على مستوى الجمهورية، ويجرون التحريات حول آلاف أخرى ما بين قتل واغتصاب وسرقة وتجارة مخدرات وبلطجة ومشاجرات ونصب وتزوير وغيرها، ولكل بلاغ طبيعة وظروف خاصة عن غيره من البلاغات، وقطعا في ظل تلك الظروف وهذه الأعداد الضخمة، يصعب التمييز بين البلاغ الكيدى والبلاغ الصحيح، ولكن في كثير من الأحيان يكتشف رجال المباحث كيدية البلاغ خلال التحريات، وفى أحيان أخرى لا يكتشفون ذلك ومن ثم يمكن أن يضار مواطن بريء.

وأضاف المصدر أن أجهزة البحث الجنائى حريصة كل الحرص على إجراء التحريات بدقة شديدة، وجمع المعلومات من أكثر من مصدر للتأكد من صحة المعلومات الواردة في البلاغات قبل اتخاذ أي إجراء قانونى قبل المتهمين، وفى حالات كثيرة تجرى تحريات تكميلية للوقوف على الحقائق كاملة، وكثيرا ما تصدت الأجهزة الأمنية للبلاغات الكيدية، واتخذت الإجراءات القانونية قبل مقدميها.. وأضاف المصدر أن قطاع الأمن العام بقيادة اللواء علاء سليم مساعد وزير الداخلية، يحرص على فحص البلاغات جيدا رغم كثرتها للتأكد من جديتها قبل إحالتها إلى النيابة.

طلب إحاطة
أما النائب تادرس قلدس فقد تقدم بطلب إحاطة إلى الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، حول ضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية، وتشديد العقوبة على مرتكبي البلاغات الكيدية لما تسببه من ارتباك في أجهزة الشرطة والقضاء، وأوضح أن المحاكم وأقسام الشرطة باتت تعج يوميا بالعديد من تلك البلاغات والقضايا، التي لا أساس لها من الصحة، وبرغم أن مقدم البلاغ يعلم يقينا أن ما قدمه ليس له أساس من الصحة، إلا أنه يهدف من تلك الخطوة للتشهير بسمعة آخرين.

وأكد النائب أن الردع العام ما زال يحتاج لتغليظ العقوبة لأكثر من سنة، ليكون الجزاء من نفس العمل، فالتشهير بالأبرياء أصبح سمة غالبة والسب والقذف نهج يرتكبه البعض في حق الآخرين، وتحول إلى غاية وسيلتها هي القضاء والشرطة، مشيرا إلى أن إقامة أي شخص لدعوى أمام القضاء هو حق من حقوقه، إلا أن هناك قيودا على هذا الحق حتى لا يضار الآخرون.

قبل عدة أسابيع.. تلقت الأجهزة الأمنية بالقاهرة بلاغا من ربة منزل تتهم فيه طليقها باختطاف نجلها واحتجازه في مكان مجهول، وطالبت بإعادة الطفل ومعاقبة الأب على جريمته.. بدأت الأجهزة الأمنية البحث والتحرى حول هذا البلاغ، على مدار عدة أيام وفى النهاية توصلت إلى أن المبلغة اتفقت مع أربعة أشخاص آخرين، على اختطاف الطفل وتقديم بلاغ "كيدى" ضد طليقها، وذلك لإجباره على دفع متجمد نفقتها.. وفى محافظة السويس حررت ربة منزل بلاغا ضد والد زوجها اتهمته فيه باغتصاب طفلتها الصغيرة، وأكدت في بلاغها أن الجد تجرد من كل معانى الرحمة، وانساق وراء شهواته وشيطانه الذي زين له اغتصاب تلك الصغيرة.. أمام بشاعة الاتهام كثف رجال المباحث من تحرياتهم ليكتشفوا أن الجد بريء من تلك التهمة، وأن المبلغة أرادت الانتقام منه بسبب وجود خلافات على شقة، وحاولت مساومته على التنازل عن الشقة مقابل التنازل عن بلاغها الكيدى.

اقتحام محل
ومن الوقائع المثيرة أيضا بلاغ تلقته الأجهزة الأمنية من بقال يتهم فيه صاحب معرض أدوات كهربائية وعدد من معارفه، باقتحام محله وسرقة 40 ألف جنيه و60 بطاقة تموينية خاصة بالمواطنين، وفى النهاية تبين أن البقال أراد الانتقام من صاحب المعرض، نظرا لوجود خلافات بينهما على تجارة الآثار في منطقة الخصوص.. وفى منطقة العياط بالجيزة، اتهمت فتاة موظفا باختطافها واغتصابها، وذلك لإجباره على التنازل عن بلاغ حرره ضد 4 أشخاص من أقاربها.. وفى محافظة الشرقية اتهمت أسرة موجها بالاعتداء على أحد أفرادها بالضرب وإحداث عاهة مستديمة به، وأحيل الموجه إلى المحكمة.

وصدر ضده حكم بالحبس خمس سنوات، وذلك على الرغم من عدم وجوده أصلا وقت وقوع المشاجرة وفقا لشهادة العشرات من شهود العيان، وفى الاستئناف تم تخفيف الحكم إلى 6 أشهر فقط.. الغريب والمثير في الأمر أن بعض المواطنين يلجأ إلى البلاغات الكيدية شديدة الخطورة، كما حدث من امرأة عندما قدمت بلاغا ضد زوجها تتهمه فيه بالانتماء لجماعات إرهابية، وأخرى طالبت باحتجاز زوجها في أحد المستشفيات لإصابته بإنفلونزا الطيور.

أركان الجريمة
المستشار محمد عبد السلام الرئيس بمحكمة جنايات الجيزة سابقا، يوضح لـ"فيتو" أن القانون المصرى يشترط توافر ركنين لوقوع جريمة البلاغ "الكيدى" هما ثبوت كذب الوقائع المبلغ عنها، وأن يكون مقدم البلاغ عالما بكذبها وعاقدا العزم على إلحاق الضرر والأذى بالمشكو في حقه، وفى حالة توافر هذين الركنين، يمكن توجيه تهمة البلاغ الكيدى، وإحالة المتهم إلى النيابة العامة، لاتخاذ شئونها معه.

وفى ذات الوقت يحق للمشكو في حقه إقامة دعوى تعويض عما لحق به من أضرار جراء ذلك البلاغ الكيدى. وأضاف: "السبب الرئيسى وراء زيادة معدلات البلاغات الكيدية خلال الفترة الأخيرة الأخيرة يرجع إلى عدم وجود نص قانونى يمنع المواطن من تقديم أي بلاغ في أي وقت شاء، تاركا مهمة التحرى والتحقيق فيه لأجهزة الأمن والنيابة العامة.

أيضا في معظم الأحيان يكون الهدف من البلاغ الكيدى هو التشهير بالمشكو في حقه وتشويه سمعته، أو الرغبة في الانتقام منه وإجباره على التنازل عن حقوقه في حالة وجود تنازع بين الطرفين".. المستشار السابق أشار إلى أن كثرة هذه البلاغات التي تتحول في الغالب إلى قضايا، تسهم في تعطيل العدالة وتأخر صدور أحكام في القضايا المهمة الأخرى، كما أنها تهدر وقت وجهد الأجهزة الأمنية وجهات التحقيق المختلفة، والأخطر من ذلك أنها ربما تكون سببا في صدور أحكام شديدة ضد أبرياء، وطالب بوضع تشريع جديد وآليات محددة يمكن من خلالها الحد من تلك البلاغات، وتقليل أضرارها إلى أقصى درجة.

سلطات التحقيق
وفى سياق متصل قال مصدر قضائى: إن ظاهرة البلاغات الكيدية أصبحت تؤرق سلطات التحقيق، لتسببها في تكدس البلاغات، وتعطيل فحص قضايا أكثر أهمية وبطء التقاضي وصعوبة تحقيق العدالة الناجزة، خصوصا وأن بعض مقدمى تلك البلاغات يقدمون نسخا منها لأكثر من جهة تحقيق.. ومن ثم أصبح من الضرورى التصدى لتلك الظاهرة، وتغليظ عقوبة مقدمى البلاغات التي لا سند قانونى لها، والتي تقدم غالبا بغرض تصفية الحسابات.

وأضاف أن أبرز الإجراءات المطلوبة للحد من تلك البلاغات، هو إعطاء النيابة العامة الحق في تحريك الدعوى الجنائية ضد مقدميها، وتقديمهم للمحاكمة العاجلة، وفى ذات الوقت سن تشريعات جديدة من شأنها تغليظ عقوبة البلاغ الكيدي، وذلك في حالة التأكد من ثبوت التعمد بإضرار المشكو في حقه، ومن الممكن كذلك إلزام مقدمى البلاغات بكتابة إقرارات بعدم تقديم ذات البلاغ في أكثر من جهة، والأهم من ذلك هو وضع برامج "توعية مجتمعية" توضح للمواطنين حجم الأعباء الملقاة على جهات التحقيق في فحص واستقبال الشكاوى في ظل ما تموج به البلاد، ومن ثم دعوتهم إلى عدم إرهاق جهات التحقيق والشرطة في خصومات شخصية أو التشهير بالآخرين، وإظهار خطورة الأمر من الناحية الدينية.

من جهته، قال عبد الفتاح رضا المحامى بالنقض والدستورية العليا: إن من يتقدم بشكوى ضد شخص يجب أن تكون حدثت بالفعل، أما إذا أبلغ عن أحد معين أو واقعة بعينها لم تحدث، وكان يقصد به سوء النية والإساءة إلى المبلغ ضده، هنا تتحقق جريمة البلاغ "الكيدى"، وأكد أن العقاب في البلاغ الكيدى يكون بالحبس والغرامة، أو هاتين العقوبتين، ولكن يجب أن نميز بين المقصود بالبلاغ الكاذب بهذا المعنى، والمقصود بكون الواقعة قد حدثت، وأن المبلغ ضده قد حصل على البراءة، مشيرا إلى أنه ليس كل براءة بناء على شكوى تفيد أن هذه الشكوى ناجمة عن بلاغ كاذب، لأن البلاغ الكاذب يعنى أن الواقعة لم تحدث أصلا.

وأضاف «عبدالفتاح» : قانون العقوبات في المادة 303 لم يحدد عقوبة معينة على البلاغ الكاذب، واكتفى أن يكون العقاب في "عقوبة القذف" ونص على..أن من "يعاقب على القذف بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه، ولا تزيد على 10 آلاف و500 جنيه، أو إحدى العقوبتين، موضحا بأن القانون حدد أركان وتعريف للبلاغ الكاذب في المادة 305 وهو من أخبر بأمر كاذب مع سوء القصد يستحق العقوبة، ولو لم يسبب شائعة والعلة من تجريم هذه الجريمة، هو تحقيق مصلحة مزدوجة الأولى خاصة بالأفراد، وحماية شرفهم في مواجهة البلاغات الكاذبة، والثانية حماية للسلطات الإدارية والقضائية من شر التضليل بالبلاغات، التي تعطل وظيفتها وتشوه قصدها.

"نقلا عن العدد الورقي..."...
Advertisements
الجريدة الرسمية