رئيس التحرير
عصام كامل

الشيخ أحمد تركي يكتب: قضية الميراث والماسونية

الشيخ أحمد تركي
الشيخ أحمد تركي

تابعت عن كثب ما أطلقته الماسونية العالمية مؤخرًا من شرارة معركة كلامية وفكرية حول الميراث في الإسلام، ومشروع القانون الذي يعدل مجلة الأحوال الشخصية في تونس الشقيقة في هذا المجال!


إننا نعيش حروبًا فكرية ضارية!! تتحول إلى دعاية صفراء ضد الإسلام ورموزه ومؤسساته، مع سبق الترصد بقصد تمييع التنوير والتجديد الحقيقي في تطبيق الإسلام، بل وإجهاضه واستبداله بمشروعين يخدمان الاستعمار وأهدافه ضد دولنا العربية والإسلامية، ألا وهما: مشروع التطرّف والإرهاب.. ومشروع سلخ الهوية الدينية والوطنية وتسميم الأمن الفكري لدى الشباب العربي، خاصة المصري!

وكل مشروع يُخَدِّم على الآخر؛ لأن الإفراط والتشدد يعطي مبررًا للبعض الجنوح إلى الإلحاد والعداء للدين والانفلات عن القيم، والعكس!

فتغذية هذين المشروعين تخديم على المشروع السياسي الاستعماري المستهدف لدولنا وإسقاطها في براثن الفوضى الخلاقة.

هذا المشروعان ممولان من قبل الماسونية وأجهزتها وعملائها، ولا أدل على ذلك من توفير الدعم الهائل اللوجيستي منه والإعلامي لعناصر عربية يقومون بالدعوة إلى هذين المشروعين عبر فضائيات ووسائل إعلامية ممولة!!

قضية الميراث لن تكون القضية الأخيرة في هذه المعارك، ضمن مخطط الشيطان الماسوني لزلزلة عواطف الناس وثقتهم بدينهم، أو مؤسستهم الدينية (الأزهر الشريف) لإجهاض مشروع الأزهر التنويري، والثقة الكبيرة التي استعادها في آسيا وأوروبا وكل بقاع العالم!
والفرق بين التنوير الحقيقي والتنوير المزور هو نفس الفارق بين حجج سيدنا إبراهيم، عليه السلام، وسذاجة النمروذ بن كنعان في حوارهما حول وجود الله تبارك وتعالى منذ أكثر من أربعة آلاف عام.

فلقد واجه سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء، (وإليه تنتسب الديانات الإبراهيمية كما يسميها البعض ويقصدون بها الإسلام والمسيحية واليهودية)، عُبّاد الأصنام والكواكب ودعا إلى التوحيد لتطهير الروح والقلب والعقل والنفس من رجس الوثنية، وأيضًا الاندماج في الحياة بخلق الدين الحق والموازنة بين أداء حقوق الله وحقوق النفس وحقوق الآخرين ونشر الفضيلة، (وهذا هو التنوير الديني).

يذكر القرآن الكريم جانبًا من الحوار الذي دار بين سيدنا إبراهيم والنمروذ بن كنعان حول وجود الله، تبارك وتعالى، ليكتشف القارئ الفرق الكبير بين التنوير دون إفراط أو تفريط وبين الآراء والادعاءات الساذجة!! فقد ادعى النمروذ أنه يحي ويميت!! أتى باثنين من المحكوم عليهم بالإعدام عفا عن أحدهما وقتل الآخر!! واعتبر ذلك قدرةً على الإحياء والإماتة!!!

قال تعالى: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" (258) البقرة.

أحكام الميراث في الشريعة الإسلامية أحكام عظيمة شرعها ربنا تبارك وتعالى وفق المساواة وليس وفق التسوية!!
والمساواة تعني أن يُعطى كل فرد حسب الحاجة أو الضرورة أو المصلحة.. مثال ذلك:
لو أن أحدنا أراد شراء ملابس لأولاده، وكل ولد من أبنائه في حاجة إلى مقاس مختلف عن الآخر، وقد يكون أحدهما في حاجة إلى ملابس أكثر من الآخر لصغر سنه أو ما شابه ذلك!
صورة المساواة هنا شراء الملابس المناسبة لكل طفل لسد حاجته مع وجود التغاير في المقاسات والكمية!

صورة التسوية هنا يعني تجاهل الأب للاحتياجات المختلفة للأبناء، والتسوية بينهم في المقاسات والكمية، وبالتالي سيتضرر طرف من الأطراف حتمًا؛ لعدم مراعاة ظروف كل طرف!!

وفلسفة الميراث في الإسلام لا تعتمد على التفريق بين الذكورة والأنوثة!! ولا تعتمد على التسوية!! بل تعتمد المساواة وفق ما ذكرته في المثال السابق:
فعشرات المسائل في الميراث.. تأخذ المرأة حقًا أكبر من حق الرجل!!
ولا تأخذ المراة نصف الرجل إلا في مسألتين فقط، وجود الأبناء والبنات!! ووجود الإخوة والأخوات.. وسبب ذلك أن الإسلام يفرض على الرجل النفقة على الزوجة، حتى إن كانت ذات مال!! بينما المرأة تستحق الميراث، ولا شأن لزوجها به، فالحاجة والتكليف في هاتين المسألتين أعطى للمرأة نصف الرجل، وهذا هو عين المساواة!!
وهناك مسائل كثيرة تأخذ المرأة أكثر من الرجل أو مساوية له، وهذا معلوم للجميع!! 

والملاحظ أيضًا أن الميراث في الإسلام يعطي للأجيال الصاعدة (حديثة العمر) أكبر من الأجيال الكبيرة في العمر، فالابن يأخذ أكثر من الأب، والابنة إذا انفردت تأخذ النصف، بينما يأخذ الأب السدس!! وهكذا.

إن ترويج أكذوبة أن الرجل يأخذ ضعف المرأة في الميراث على الإطلاق مقتطعين الآية الكريمة: "للذكر مثل حظ الأنثيين" من سياقها!! أكذوبة مقصودة للتشنيع على الإسلام، ومن يقول إن هذا كلام نظرية مؤامراة!! أقول له: إن المؤامرات تحولت من السرية إلى العلنية وإنكارها دفن للرأس في الرمال.

ليس صحيحا أن الميراث في الإسلام يتجاهل المساواة بل هو قائم على المساواة، إنما تجاهل التسوية بين الأطراف لأن احتياجات الورثة مختلفة.

إن خبثاء الحروب الفكرية أطلقوا كلمة المساواة في الميراث وأرادوا التسوية، ووضعوا لنا الإطار الفكري والاصطلاحي حتى نقع في فخاخهم، ونحول القضية إلى قضية دفاع عن الإسلام، ويظهر الإسلام أمام العالم أنه ضد المساواة!! وبالتالي يسوقون آراء صبيانهم الساذجة سذاجة حجة النمروذ بن كنعان في مواجهة سيدنا إبراهيم عليه السلام، ويشوهون التنوير الحقيقي ويلصقون به تهمة الجمود والتطرف. 

هذه قراءتي لهذا الموضوع الذي لن يكون الأخير ضمن حروب الماسونية الفكرية ضدنا، ووعينا بخططهم يحتم علينا الحكمة والحذر في التعاطي مع مثل هذه الأزمات.
Advertisements
الجريدة الرسمية