رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

هل كان محمدٌ نبيًا؟


لم تكن ذكرى المولد النبوى هي التي دفعتنى لكتابة هذا المقال عن النبى محمد، ولكن للحق سطوته وتأثيره على النفوس الباحثة عنه لذاته، وعن الصدق لقيمته، وعن العدل لحاجتنا جميعا له.


يقول المفكر المصري العظيم الراحل الدكتور نظمى لوقا في كتابه شديد التميز والإبداع والصدق والموضوعية، محمد الرسول والرسالة:

(من يغلق عقله وضميره دون الحق، يضير عقله وضميره ولا يضير الحق. من يغلق عينيه دون النور يضير عينيه ولا يضير النور. فالنور منيفة للرائي لا للمصباح، والحق منفعة وإحسان إلى المهتدي به لا إلى الهادي إليه. وما من آفة تهدر العقول البشرية كما يهدرها التعصب الذميم الذي يفرض على أذهان أصحابه وسراؤهم ما هو أسوأ من العمى لذي البصر، ومن الصمم لذي السمع، لأن الأعمى يبقى بعد فقد البصر إنسانا، والأصم يبقى بعد فقد السمع إنسانا أما من اختلت موازين عقله أو موازين وجدانه، حتى ما يميز الخبيث من الطيب، فذلك ليس بإنسان، بالمعنى المقصود من كلمة إنسان).

كثيرون من غير المسلمين تحدثوا عن النبى العربى "محمد بن عبد الله" بكثير من الإعجاب ربما لسمات شخصية مبهرة أو إنسانية رائعة، أو تقديرا لجهاد حقيقى واصرار معجز أسس لدولة مترامية الأطراف تخرج من غياهب صحراء قاحلة يعانى أغلب أهلها من فقر مدقع ولكنهم معه وبعده ووفقا لهداه سادوا العالم في سنوات قليلة!

ربما يُعجبون به لعبقريته ويعتبرون ما جاء به فكر إنسانى تقدمى سباق وراقى وشديد التميز، استطاع فرضه على كثير من البشر في سنوات قليلة!

لكن قليلين للغاية هم من تحدثوا بإنصاف وعقلانية ومنطق عن محمد كنبى مرسل من السماء، ورسول مكلف من قبل الخالق بتوصيل آخر الرسالات السماوية، ومن ضمن هؤلاء الكاتبة والمفكرة الإنجليزية المعاصرة "كارين أرم سترونج" أستاذ علم الأديان المقارن، والذي سبقها في ذلك المفكر المصرى المسيحى النشأة الدكتور الأديب والروائى والشاعر "نظمى لوقا".

وفى هذا المقال سنتحدث عن السؤال الذي طرحه العلامة "نظمى لوقا" وأجاب عنه بكل منطق وموضوعية، متبعا منهجا علميا وفكريا يتصف بكثير من العقلانية والتجرد والبعد عن التعصب المذهبى أو الطائفى.. السؤال هو: هل كان محمدا نبيا مرسلا من السماء أم مجرد رجل حرب وقائد محنك عظيم ادعى زورا وبهتانا أنه مكلف من رب الكون بنقل آخر الرسالات السماوية للأرض؟

يقول "نظمى لوقا" إن تكذيب نبوة محمد مجرد حقد إنسانى ومجافاة واضحة للحق، بل واستحباب للعمى على النور وللكذب على الصدق، ومن يفعل ذلك لا يخسر إلا نفسه بينما لم يخسر محمدُ النبى وأتباعه أي شيء للأسباب التالية:

* إن كان كل نبى أتى ذكره في الكتب المقدسة كالعهد القديم والعهد الجديد وقبلهما الزابور وصحف إبراهيم، لم يره أهل زماننا ولا حتى أهل الأزمنة التالية له، بل يتم تداول سيرهم فقط من خلال النقل الشفهى المتواتر من عصور غابرة، أو من خلال الصحف التي تناقلها أتباعه، وادعوا أنها كانت منزلة عليه دون دليلا ماديا ملموسا يقر بنبوته أو رسالته.. إذا كان الأمر كذلك لما يقر الجميع بكل الأنبياء والرسل وهم كثر بينما يستبعدون محمدا وحده دون وجه حق!..

إن لم يكن محمد نبيا فالباقون كذلك معرضون للتشكيك والإنكار.. ويمكننا بكل يسر أن نقول إن ذكرهم مجرد أساطير الأولين حيث لم نعاصرها ولم نرها ولا نرى أي أثر ملموس لها في حياتنا اليومية.

* إن كان كل نبى سابق على محمد قد أتى بمعجزة، فإن تلك المعجزة مهما بلغت من عظمة وإبهار وإعجاز لأهل زمانها، فإنها اندثرت ولم تبق حتى يومنا هذا ولا يستطيع أحد إثبات صحتها أو حتى مجرد وقوعها في حياة هذا النبى.. إذن التشكيك في نبوة محمد ورسالته ليس في صالح من يشكك فيها، ولا في صالح دينه الذي لا يستند لمعجزة قائمة أو مستمرة مع الزمن!

أما محمد النبى العربى الكريم فإن معجزته باقية بقاء الدهر، وهى آيات القرآن الكريم والتي لا تدعوا إلا لكل خير ومساواة وعدل بين البشر كلهم دون لون محدد أو جنس معين أو حتى إيمان بالله، ولا تنهى إلا عن كل شر وبأس وجور ظلم، هذا فضلا عن معجزتها البلاغية وتنبئها بكثير مما حدث في العالم بعد وفاة صاحب الرسالة بقرون طويلة وأزمان بعيدة !

* ثالثا وهذا هو الأهم، كانت رسالة محمد وما زالت الرسالة الحاضنة لكل الشرائع والملل والنحل والأديان السابقة، فإنها لم تقص نبيا واحدا مما تم ذكره في الكتب السماوية السابقة عليه، على العكس فإنها تبجلهم وتجعل الإيمان بهم شرطا أساسيا لاكتمال الإيمان به وبالإسلام..

لكنها فقط أكدت على وحدانية الخالق وعدم وجود شريك له، وهذا أمر لو تعلمون عظيم، فهو يتسق مع الكون الواسع الكبير العظيم والذي يسير وفقا لنظام دقيق لا يستطيع بشرا أن يتداخل معه، فكيف لله جل وعلى أن يشرك في ملكوته أحد.. إذا كان هذا هو جوهر رسالة محمد وهى بكل تأكيد قيمة سامية مضيئة هادية صادقة خيرة، فلم التشكيك في صاحبها وادعاء أنه كاذب أو ناقل أو مدع؟! 

لو كان محمد كذلك ما سمح لنفسه أن يلام في القرآن الكريم وأن يعاتبه ربه أكثر من مرة في أكثر من سورة في القرآن، ولا أكد على أنه مجرد بشر يتوفاه الله، بل إنه يخاطبه بأنه ميت وأنهم ميتون ! (للحديث بقية بإذن الله)
fotuheng@gmail.com
Advertisements
الجريدة الرسمية