رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

«عزوز» فقط يولول


يتعرض (عزوز) أفندي إلى بطش من نوع خاص من (بعضشي)، بلطجي الحارة، الذي يفرض سطوته على الجميع بالبذاءة والبلطجة أحيانا، والقوة المنفلتة أحيانا كثيرة، وأيضا بالسكر والعهر الذي ينسيه دوما كل ما يحيط به إلا حقه المكتسب في البطش بالآخرين.. (عزوز) أفندي في رائعة المسرح المصري (سيدتي الجميلة) المقتبسة من (بيجماليون) لربنارد شو الكاتب الإنجليزي، شخصية مصرية خالصة لم توجد في النص الأصلي، ومع ذلك تعد ملمحا أساسيا في العمل، وربما من حياتنا على مر الأجيال في المحروسة أم كل حاجة!


(عزوز) أفندي، رجل ذو ملامح جسمانية موحية وملهمة لمن يرى ويسمع ثم يعي.. نحيل قصير، ضعيف البنية والنظر، محدود الرؤية، يحمل قدرا ضئيلا من التعليم فهو موظف في مؤسسة حكومية يرأسها باشكاتب بيروقراطي ينكل به مثلما يفعل (بعضشي) معه!

هو إذن ملطشة الجميع، لكنه يحرص على البقاء في دائرة الفقر المعقول وفقدان الكرامة المعتاد.. لا يهمه في حياته سوى شيئين اثنين فقط، أولهما الذهاب للعمل الحكومي المنهك، الذي لا يمنحه سوى القليل للبقاء في حارة قذرة يحكمها بلطجي سكير عفن، وثانيهما إرضاء هذا السكير حتى يتركه يذهب لعمله في موعده..

مشكلة عم (عزوز) تتراوح بين السماح له بالتمدد المعقول بين الفقر والبؤس والقهر، لكن حتى هذا معرض للضياع بسبب (بعضشي) ومن معه والذين لا يرتون أبدا من دماء ولحم من يقع تحت أيديهم!

غاية المنى عنده ليس الهروب من الحارة والنجاة من بطش بعضشي أو حتى مقاومته.. لا.. أبدا، كل ذلك لا يهم، فنظهره الضعيف وبصيرته الأضعف ونفسه الراضية بالدنية عظمت له سلم (بعضشي) المتهالك وكأنه درج الحياة ومنبر صعوده للعلا!

مجرد سلم يهبط به درجات من أعلى سطوح منزل البلطجي إلى عالم الحارة، ومنه ينطلق سويعات قليلة لعمله قليل الفائدة، ثم يعود مرة أخرى لملاقاة جلاده، الذي باع سلم المنزل الخشبي واشترى به خمرا رديئا ليزداد سكرا واحتفاءً وسط من يهللون له من صبيانه الأنذال القذرين، الذين دوما يعظمون دوره في الحياة كبطل لا مثيل له وحامي حمى الحارة!

يرفض (بعضشي) منح (عزوز) السلم إلا بعد دفع الإيجار الذي يتضح لنا أن الأخير قد دفعه مقدما ولمدة ستة أشهر، وعندما ينتفض قليلا لمواجهته بتلك الحقيقة، يثور السكير القذر (بعضشي) ويهدده برفع قضية رد شرف مقابل إهانته!

يرضخ (عزوز) الضعيف لقدره المحتوم أمام جبروت (بعضشي) ويكف عن مقاومته ولو حتى بالتلفظ أو التذكير بحقه في الدخول والخروج من عتبة منزله، الذي حوله البلطجي الفاجر لسجن صغير على مقدار حجمه الضئيل.. فيولول مثل النساء المكلومات في فقد عزيز لديهن، ثم لا يجد له ملجأً ولا سلوان إلا الدعاء على (بعضشي).. منك لله يا بعضشي..

ربنا يهدك زي ما هديت السلم لم لم لم.. يرتوي (عزوز) من الدعاء ويستأنس كثيرا بصدى كلماته البسيطة الخارجة من صوت ضعيف مقهور ويتخيل ذلك انتصارا على جلاده ويدخل لينام في زنزانة يدفع إيجارها!
fotuheng@gmail.com

Advertisements
الجريدة الرسمية