رئيس التحرير
عصام كامل

أهمية تنظيم استخدامات الأراضي على منظومة التنقل بالمدن الجديدة


شهدت مصر توجها محمودا لإنشاء وتطوير مدن ومجتمعات عمرانية جديدة، للخروج من الوادي الضيق واستيعاب الزيادة السكانية، وإيجاد محفزات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولا شك أن منظومة النقل تلعب دورا أساسيا من حيث أنها تؤثر وتتأثر بالنمو الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بتلك المدن.


ويعد الهدف الرئيسي من منظومة النقل هو إتاحة حركة الناس والبضائع بطريقة وافية وآمنة وعادلة، وذات كفاءة مع الحد من الحوادث والملوثات البيئية واستهلاك الطاقة، وذلك كله للوصول إلى تنمية اقتصادية واجتماعية وبيئية مستدامة، ومن المتعارف عليه أن عدد وأنماط رحلات الأفراد، وتوزيعها على وسائل التنقل المختلفة تعتمد على نوعية وكثافة استخدامات الأراضي وتوزيعها الجغرافي.

ويمكن التأثير على عدد ونمط الرحلات الناتجة من استخدامات الأراضي، من خلال مجموعة من الآليات (السياسات والإجراءات والتدابير) الهادفة لترشيد/ تنظيم الطلب على التنقل، وتندرج هذه الآليات تحت ما يعرف باستراتيجية إدارة وتنظيم استخدامات الأراضي Land Use Management. 

ونستعرض في هذا المقال أبرز آليات استراتيجية إدارة وتنظيم استخدامات الأراضي، والهادفة لإيجاد تأثير إيجابي على منظومة التنقل بالمدن الجديدة في مصر، ومن أهمها أن يتم تطوير المدن بحيث يوجد مراكز حضرية متعددة ومتكاملة ومتنوعة في أنشطة استخدامات الأراضي، مما يقلل من الحاجة للانتقال من مركز إلى آخر.

كما تتضمن الآليات إدارة نمو المدن بتحديد حدودها، حيث لا يسمح بأي نمو حضري خارج هذه الحدود مع المحافظة على التدرج والهيكل الوظيفي لشبكة الطرق، كذلك يجب التأكيد على أهمية التزام المطورين بإجراء دراسات التأثيرات المرورية لاستخدامات الأراضي الخاصة بمشروعاتهم، مع إلزامهم بإيجاد الحلول المرورية، وحلول التنقل لأي تأثيرات سلبية وتحملهم لتكاليف تلك الحلول.

كما يجب عدم السماح بأية ارتفاعات زائدة في استخدامات الأراضي الحالية، مع التقليل من عدد مداخل ومخارج المناطق السكنية على الطرق الشريانية، للحد من إعاقة انسيابية الحركة المرورية بالطرق الشريانية، مع عدم السماح أيضا بحركة مركبات نقل البضائع أثناء فترات الذروة داخل المدن الجديدة، ويجب أن يتم التخطيط لاستخدامات الأراضي بالمدن الجديدة، لتضمن مناطق سكنية وإدارية وتجارية متاخمة، مع تشجيع السكان على استخدام التسهيلات المحلية بمناطقهم السكنية مثل المتاجر/ المخابز/ البقالات، والتقليل من الانتقال لمناطق أخرى لاستيفاء هذه المتطلبات.

كما تتضمن تشجيع إنشاء التجمعات التجارية على حدود المدن، مع نقل مواقع تجارة الجملة خارج المدن، وربطها بخطوط نقل جماعي متميزة.

كذلك يلزم التوجه لتشجيع دمج عدد من الرحلات في رحلة واحدة بدلًا من تعدد الرحلات المنفردة، فيما يعرف بمفهوم تواصل الرحلات Trip Chaining، حيث يتم توفير العديد من المتطلبات اليومية (التسهيلات المصرفية - محال البقالة - سداد الفواتير- إصلاح الاحذية - تنظيف الملابس - شراء الجرائد والمجلات إلخ..)، التي يمكن تحقيقها في رحلة واحدة، سواء كان في محطات بداية أو نهاية الرحلات.

كما يجب العمل على ارتفاع كثافة استخدامات الأراضي وتنوعها، لتكون بالقرب من تسهيلات وسائل النقل الجماعي، وحول مسارات تلك الوسائل فيما يعرف بالـ Transit Oriented Development، مع وضع محطات ومواقف وسائل النقل الجماعي في مواقع متميزة، لسهولة التعرف عليها والوصول إليها في الأحياء والمناطق والتجمعات التي تخدمها.

كذلك يتم التركيز على تصميم محطات ومواقف وسائل النقل الجماعي بشكل جذاب وآمن، لتصبح مركزًا حيويًا لأهالي المنطقة، مع إيجاد بيئة متميزة محيطة بمحطات/ مواقف النقل الجماعي، لتكون مشجعة لاستخدام النقل الجماعي، ولتشمل تأمين وإضاءة مناطق الانتظار لوسائل النقل الجماعي، ونقاط النزول والصعود للركاب ونقاط التغيير بين وسائل النقل التكاملية.

وبالنسبة لتسهيلات النقل الجماعي، فيلزم أن تكون على مسافات سير على الأقدام تتراوح بين 400 إلى 800 متر، وأن تكون مسارات المشاة من وإلى محطات ونقاط النقل الجماعي مباشرة، وواضحة ومريحة وتتميز بالاستمرارية والأمان.

كما يجب تشجيع أنماط استخدامات الأراضي الداعمة لاستخدام الدراجات، والسير على الأقدام، من خلال إيجاد مسارات للمشاة على طول استخدامات الأراضي، التي تتيح الاحتياجات الضرورية مع وجود تنوع في استخدامات الأراضي داخل المباني المطلة على مسارات المشاة، لاجتذاب وزيادة أحجام حركة المشاة المستخدمة لهذه الأنشطة.

كما تتضمن تطوير بيئة محببة وأكثر أمانًا للمشاة، من خلال أنشطة موجهة لهم بالطابق الأرضي للمباني الواقعة على مسارات المشاة، مع التأكيد على إيجاد استمرارية بصرية في مواد ومكونات واجهات المباني، لتقديم مستوى مريح من التنوع البصري للمشاة، وفي حالة المباني المرتفعة و/أو الشوارع الضيقة يلزم أن ترتد المباني عن الشوارع بمسافة كافية، لإعطاء إحساس للمشاة بالمساحة المفتوحة.

ومن الآليات المتبعة أيضا هو وضع مناطق انتظار السيارات خلف أو بجانب المباني المطلة على مسارات المشاة، مما يساعد على تقليل التأثيرات البصرية السلبية، والتعارض مع تحركات أحجام الحركة المرورية للمشاة، كما يوصى بأن تحتوي مسارات ومواقع انتظار الدراجات الهوائية على التسهيلات الكافية، التي تشجع الناس على استخدام هذه الوسيلة، مع العمل على إيجاد مساحات فارغة بين الأبنية تتوافر بها تسهيلات للدراجات الهوائية.
(المصادر أبحاث منشورة للدكتور خالد عباس ومشروع APS بالجامعة الأمريكية)
kaabbas13@yahoo.com
الجريدة الرسمية