رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

في ذكرى ميلادها.. محطات الألم والأمل في حياة الشحرورة

فيتو

الصبوحة.. الشحرورة.. ألقاب أطلقت على الجميلة اللبنانية جانيت جرجس فغالي أو صباح -كما اشتهرت في الوطن العربي- كان وجهها حينما أتت إلى القاهرة في بداية حياتها الفنية مشرقًا منيرًا، لذا كان اسمها الفني "صباح" ليكون اسما على مسمى، ولكن وراء هذا النور المشرق تكمن الصدمات والآلام التي مرت بها على مدار عمرها، صدمات كان لها الفضل- بالرغم من صعوبتها- على تكوين شخصية صباح كما كانت وكما نتذكرها دومًا، مشرقة جميلة محبة للحياة.

صدمات أسرية
ولدت صباح في مثل هذا اليوم، 10 نوفمبر من عام 1927، في بلدة بدادون بالقرب من منطقة شحرور القريبة من العاصمة اللبنانية بيروت، كانت منذ أيامها الأولى في الحياة على موعد مع الآلام، فقد كانت الصبوحة هي الثالثة في أسرتها بعد شقيقتيها جولييت ولمياء، وبعد ولادتها وبعدما اكتشفت الأم أنها أنجبت ابنة من جديد، لم تتمكن من مقاومة دموعها، وامتنعت على مدار يومين عن إرضاع المولودة الجديدة، ولم ترجع عن فعلتها وتعدل عن امتناعها عن إرضاعها إلا بعد جهود لإقناعها من قبل عم الصبوحة.


وبعد سنوات، كانت الصبوحة على موعد مع صدمة شديدة في حياتها بالرغم من صغر سنها، حينما فقدت شقيقتها جولييت التي لقيت مصرعها بعيار ناري وهي في العاشرة من عمرها على هامش عراك وقع في البلدة التي تعيش فيها أسرتها، تأثرت صباح بهذا الحادث، ولم تتمكن من الاستمرار في الحياة في قريتها، فألحقها والداها بمدرسة في بيروت العاصمة.


كان والد صباح "قاسيا" ومصدرا من مصادر الألم الذي شعرت بها منذ أن كانت صغيرة، كان يضربها ويبث في نفسها دومًا شعورًا بأنها ساذجة وقبيحة، ووصلت قسوته إلى الحد الذي سبب لها عقدة نفسية دفعتها إلى الزواج أكثر من مرة لتثبت لنفسها أنها امرأة مرغوبة، وعنه تحكي "كان والدي يضربني، ويقول لي من سيتزوجك أنت؟ أنت بشعة".


وبالرغم من قسوة الأب، إلا أن الشحرورة أصرت على تحقيق حلمها بالنجاح في أم الدنيا، فبدأ اسم صباح يزداد لمعانًا وأصبحت نجمة، وأضحت مصر بيتها الأول، وابتعدت بفضل انشغالها بفنها عن لبنان فترات طويلة، وفي إحدى فترات الغياب عن وطنها الأصلى، كانت صباح على موعد مع صدمة جديدة أبشع مما مرت به من قبل، وهي مقتل والدتها، فقد وقعت جريمة مروعة كانت الأم منيرة سمعان ضحيتها، حيث قتلها ابنها "أنطون"، شقيق صباح، بعدما شاهد والدته مع عشيقها، وهرب بعد ارتكاب جريمته إلى إحدى دول أمريكا اللاتينية.

وأكدت صباح أنها لم تعرف بالجريمة إلا بعد شهرين، حينما علمت بالخبر انهارت من الصدمة، وأشارت في إحدى لقاءاتها الإعلامية أنها لا تعرف المكان الذي دُفنت فيه والدتها، وكان يُروي أن دافع خيانة الأم للأب؛ بسبب قيام الأخير بخيانتها وإدمانه للسهر والخمور.


قصص زواج فاشلة مليئة بالدراما والخيانة والصدمات والآلام، إذ لم تكن ناجحة على الإطلاق، وكانت متعددة بشكل لافت وغير معتاد على مجتمعها أو زمنها، كانت تؤكد في تصريحات صحفية أن سر زيجاتها المتعددة يرجع إلى احترامها لمكانتها كمطربة معروفة، ولأنها لم تكن تسمح لنفسها بإقامة علاقة محرمة مع أحد عشاقها، وكانت تشترط الزواج كإطار شرعي لأي علاقة غرامية، وبالرغم من التجارب المتعددة إلا أنها كانت ترى أنها لم تكن محبوبة من أي من أزواجها، مؤكدة: "أحببتهم جميعًا، لكنهم اعتبروني مدام بنك".



كان زواجها الأول من "نجيب الشماس" تمامًا كالجحيم بالنسبة لها، فقد كانت في التاسعة عشرة من عمرها، وكان الزوج في عمر والدها ،ولم يختلف كثيرًا في قسوته عليها، كانا يعيشان في طرابلس بلبنان، وكان يمنعها من السفر إلى القاهرة، ويتحكم في مكاسبها، ويفرض عليها القيود، وطلبت منه الطلاق حينما رفض سفرها لتصوير فيلم "سيبوني أحب"، ومنعها من رؤية ابنها "صباح" الذي أنجبته منه، وبفضل علاقاتها النافذة مع عدد من المسؤولين اللبنانيين تمكنت من الضغط عليه للسماح برؤية ابنها لساعات.


أما الزوج الثاني، فكان أميرا عربيا، ولكن الزواج لم يستمر سوى شهر؛ بسبب ضغط عائلة الأمير عليه، ورفضهم لزواجه من فنانة، أما زوجها الثالث فقد كان من والد ابنتها هويدا أنور منسي، عازف الكمان الأشهر، ولم يكن أيضًا زواجًا ناجحًا كسابقه، فقد كان أنور- كما يُشاع عنه- مقامرًا ومهملًا لبيته، وكانت يضرب الصبوحة حينما ترفض إعطاءه المال اللازم للمقامرة، أما الزوج الرابع المذيع أحمد فراج، فكانت عقليته أبعد ما تكون عن عقلية الصبوحة، فرفضت الإنجاب منه، ورفضت تحكماته وشكه في تصرفاتها، وطلباته بتغيير أسلوب حياتها بالكامل، وتم الطلاق بعد زواج دام ثلاثة سنوات، أما الزيجة الخامسة فكانت من "الجان" رشدى أباظة، ولكن لم تدم طويلًا، بعدما تأكدت الصبوحة أن سامية جمال لازالت على ذمته، ولأنه كما أكدت هي "شره في تناول الخمور"، والزيجة السادسة كانت من النائب جو حمود، ولم تستمر هي الأخرى بالرغم من أن صباح أحبته، وقد ظل هو الأوفى والأكثر مراعاة لها في أزماتها حتى بعد الطلاق، ليأتي من بعده زواج قصير من الفنان يوسف شعبان.


وبالرغم من الزيجات الفاشلة، إلا أن الصبوحة لم تتوقف عن الاستمرار في الزواج، فكانت على موعد مع الزوج الثامن الفنان اللبناني وسيم طبارة، ولكنها زيجة انتهت أيضًا بالطلاق، ويرجع البعض سبب انتهاء هذه الزيجة إلى خيانة وسيم لها، وأنها جسدت ما مرت به في فيلم "ليلة بكى فيها القمر"، أما زوجها التاسع والأخير فقد كان الفنان فادي لبنان، الراقص بالفرقة اللبنانية للفنون الشعبية، الذي كان يصغرها بأكثر من عشرين عاما، والذي استمر معها 17 عامًا.


هويدا

وبالرغم من حياتها العاطفية غير المستقرة كانت صباح دومًا تحاول أن تواجه الفشل، وكانت تصر على ألا يقتل بداخلها حبها للحياة، وألا يقتل ضحكتها التي حافظت عليها سنوات طوال، فكانت تمامًا كما وصفها إلياس رحبانى في قصيدة كتبها لها خصيصًا "مناضلة وحيدة مدى سنين طويلة.. تخفى آلامها وراء ضحكة تبعث الفرح للآخرين"، ناضلت وحدها من أجل إخفاء آلامها، ونشرت الفرح بالرغم من الأوجاع، ولكن كانت هناك نقطة ضعف أثرت عليها طوال حياتها، وهي ابنتها " حبيبة أمها"، التي تغنت لها بـ "أكلك منين يا بطة"، و" قمورتى الحلوة"، هويدا.


هويدا هي ابنة الصبوحة من زوجها عازف الكمان الأشهر أنور منسي، والتي أطلقت عليها الاسم هذا تيمنًا بنجاح أغنية هويدا هويدالك، كانت علاقة الصبوحة بهويدا طوال حياتها متوترة لأسباب عدة، بداية من زواج الابنة وهي صغيرة بدون علم الأم، انتهاءً بإدمانها للمخدرات، وبالرغم من هذا إلا أن صباح لم تقصر يومًا في تقديم أفضل العلاج إلى ابنتها، ولكن الابنة كانت تهرب من المستشفى، وتعود إلى التعاطى، فكانت مصدرًا دائما لـ"وجع" قلب الأم.


آخر العمر

وقضت صباح التي ملأت الدنيا بهجة وفرحة بفنها آخر سنوات حياتها وحيدة في فندق بمنطقة الحازمية قرب بيروت، بعدما باعت منزلها، وبالرغم من هذا ظلت تقاوم الموت حتى آخر لحظة في حياتها الصاخبة، عاشت حتى آخر لحظة في عمرها عاشقة للأناقة والجمال والمرح والحب والدلال، لم تندم يومًا على ما مرت به مهما بدا غريبًا للعالم أجمع.


توفيت الصبوحة وهي في السابعة والثمانين من عمرها في 26 نوفمبر عام 2014، رحلت وحيدة بعد هجرة ابنها الدكتور صباح، وابتعاد ابنتها هويدا عنها، ودعها الناس في جنازة كانت مفعمة بالغناء والرقص في ظل غياب "حبيبة أمها"، بعد وصيتها بألا يحزن عليها أحدًا، فقد أوصت الشحرورة قبل رحيلها قائلة: "ارتدوا الأبيض وافرحوا عند رحيلي.. جلبت الفرح إلى هذا العالم، كما جلب هو لي أيضًا الكثير من السعادة.. لا أريد أن يكون موتي مصدر حزن للناس، أريد أن يملأ الفرح قلوبهم دائمًا".






Advertisements
الجريدة الرسمية