رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

ميكانيكي عاشق لـ«الساحرة المستديرة».. الكابتن بركات من اللعب لـ «الأهلي» إلى إصلاح الدراجات النارية

فيتو

"في الدقيقة 38 من عمر اللقاء بين الفريقين، أحرز اللاعب بركات حامد الهدف الأول لفريقه القيادة العامة".. كلمات افتتاحية لأحد تقارير باب الرياضة بعدد ديسمبر 1983 لصحيفة "العرب" القطرية"، يمسك بها الستيني "بركات" بعناية فائقة حتى لا تتهشم الورقة الصفراء، وتذوب الكلمات التي بالكاد يلتقطها القارئ من على مسافة قريبة، تعقب ذلك نظرة حنين ذات إيقاع هادئ نحو عشرات الصور التي يحتضنها "ألبوم" ذهبي اللون يحمل في طياته "ذكريات عُمر بحاله" تركها الرجل خلفه ليقبع هناك في ورشته الكائنة بشارع المواردي في حي السيدة زينب بالقاهرة: "أنا من الثمانينيات لحد النهار ده انقطعت صلتي بالكرة تماما، كل صلتي بيها أصبحت حبة الصور دي والأخبار اللي اتكتبت عني، كل وقتي الآن أصبح في ورشة الميكانيكا بتاعت أبويا لتصليح الموتوسيكلات".



حينما أوشك بركات على إنهاء المرحلة التعليمية الابتدائية، تشرب من الأخت الكبرى "حسنة" شغفها بكرة القدم واللعب بالكرة الشراب في منطقتهما بالمنيرة، دأب كل يوم بعد الانتهاء من اليوم الدراسي على اصطحاب اخته للعب في الشارع مع الأطفال، حتى أصبحا حينذاك أشهر لاعبي كرة القدم من الأطفال في حي السيدة زينب.

التحقت حينها الأخت التي تكبره بعامين بالنادي الأهلي، ولعبت في فريق الفتيات، قبل أن يتم حله في سبعينيات القرن الماضي لتترك الأخت الملعب برمته وتتفرغ لمدرستها ثم الزوج والأولاد.

 حل بركات أو "الكابتن" كما كان يحلو لأبناء المنطقة تسميته محلها، وأصبح هو محط أنظار الجميع، لم يترك ساحة للعب الكرة إلا وكان أول المشاركين في المباراة: "كان ليا ترقيصاتي وحركاتي الخاصة للكرة وكنت بلعب برجليا الاتنين".


في عام 1970 بلغ بركات حينها التاسعة عشر من عمره، كان قد تعلم منذ طفولته كيفية إصلاح الأعطال التي تصيب الدراجات النارية أيا كان حجم تأثيرها على فاعلية المركبة، "شربت الكار من أبويا كان فاتح الورشة دي من بداية الخمسينات قبل ما أتولد وقبلها كان سباك، إحنا عيلة صنايعية ورياضيين في نفس الوقت، والدي كان مصارع وأخد بطولة مصر في سن 30 سنة، ومن مؤسسي اتحاد المصارعين المصريين".
يشير بركات ضاحكا إلى ملابسه الرياضية التي يحضر بها عادة إلى ورشته، يسترجع ذكريات ثلاثين عاما من تتبع أثر كرة القدم وعشقه لها، الذي دفعه إلى الالتحاق بعشرات الأندية والفرق المصرية بحثا عن فرصة، مسيرة طويلة من السير هنا وهناك، بداية من النادي الأهلي الذي لعب في صفوفه شهرين فقط، ثم ما لبث والده أن أخرجه منه للتفرغ للعمل في الورشة، "أبويا كان كل ما يشوفني بالعب كرة في الشارع كان بيدق على رجلي بالمرزبة علشان أبطل لعب كرة، كان خايف أفضل في الشارع وما ليش حرفة ولا حتى لاعب معترف به".


بعد فشل خطوة الالتحاق بالنادي الأهلي، أقنع الوالد بطل المصارعة وميكانيكي الدراجات النارية، أن يلتحق بنادي السكة الحديد، ويلعب ضمن فريق الأشبال:"لعبت في نادي السكة الحديد سنة 1978، وقعدت سنتين وصعدت للدرجة الأولى، وقتها السادات اتقتل ووقفوا الدوري كله، وتزامن ده مع دخولي الجيش فراحت فرصة التعيين في نادي السكة".

ابتسم الحظ مرة أخرى لبركات وقت التحاقه بالجيش، فقد استطاع أن يجمع بين الخدمة العسكرية، ومزاولة رياضته المفضلة، "رجعت النادي الأهلي فترة قصيرة مع أمين عرابي مدرب كبير حاليا في النادي، ثم تعرضت لمضايقات من مدربي الأهلي وتركت النادي بلا رجعة".


لم يجد بركات أمامه سوى العودة مرة أخرى لنادي السكة الحديد، أو الالتحاق بأحد أندية كبرى الشركات المصرية، حتى يتسنى له التعيين به فور إنهاء الخدمة العسكرية، "لعبت في شركات القاهرة للأدوية والمقطورات التابع للسكة الحديد، وكنت في الجيش على أساس لما أخلص أتعين، لكن في الفترة دي كنت ثابت في نادي السكة الحديد، واتنقلت لغزل دمياط لقيت الفرصة فيه أفضل، وفور إنهاء الخدمة كنت رسميا في غزل دمياط حتى جاءت سفرية دولة قطر".


عام 1981 عرض عليه أحد زبائن والده في الورشة فرصة عمل خمس سنوات في دولة قطر، ضمن فريق "صنايعية" مصري مكون من 12 فردا، للعب في أندية الدولة الخليجية، مع منحهم فرصة العمل في ورش قيد التأسيس داخل الدولة، وافق بركات على هذه الفرصة، واعتبرها صفحة جديدة يمكن فتحها بعد خيبات متكررة وسوء حظ غريب يحاصره:، "قعدت سبع سنين هناك، بقيت اشتغل هناك في مهنتي، ولعبت كرة كمان، يجي دوري ألعب، دورة رمضانية أكون أول الملتحقين، لعبت كل الماتشات اللي دخلتها قطر مع كل الدول العربية خلال السبع سنين اللي قضيتها هناك. لعبت 6 شهور في نادي النهضة القطري".


نحو 78 مباراة شهدتها أروقة نوادي القيادة العامة والسد والنهضة القطريين، كانت للعم بركات بصمته الخاصة بها، عادة ما كان يحرز على الأقل هدفا في كل مباراة، لاعب أندية عربية ودولية، حتى إنه أصبح محط اهتمام أحد أشقاء الأمير القطري حمد بن خليفة، ويدعى محمد، حينها كان بركات ضمن فريق الصنايعية المعنيين بإصلاح مركبات طاقم الحراسة الملكي، عرض عليه محمد أن يشاركه في إحدى المباريات، "وقتها كان محمد بن خليفة في سني، وبيلعب معانا والتحق بنادي النهضة معانا، وكان حمد بيجي من وقت للتاني يتفرج علينا ويشجعنا" يتحدث بركات.

لم تسر الحياة على تلك الوتيرة طويلا، سرعان ما تقلبت الأجواء السياسية في قطر، ولوح الكثيرون بانقلاب محتمل من قبل ولي العهد حمد بن خليفة على والده وتقلده منصب حاكم الدولة، "لقينا قرارات مفاجئة بالاستقالات الجماعية وكله لازم يرجع بلاده، كان عقدي خلص وجددته 3 سنوات، لكن بعد سنتين حصل الانقلاب ورجعونا مصر".


في القاهرة مرة أخرى يتجول بركات بين شركات الأدوية والمقطورات والبنوك بحثا عن فرصة للالتحاق بأحد أندية تلك المؤسسات:"مكنتش سبت كار أبويا كان دايما هو الركن الأساسي في حياتي، لأني مكملتش تعليمي وكنت بلف دايما وارجع له تاني".

في سن الثلاثين كان المقام قد استقر به في القاهرة، تزوج من شقيقة أحد رفاقه، عاد مرة ثانية لنادي السكة الحديد، لكن هذه المرة كمدرب للأشبال لكنه تعرض لمضايقات عدة وصلت إلى حد السخرية في كثير من الأحيان، "كانت أي فرصة تيجي في لمح البصر تروح لغيري، وحجتهم دائما غني لسه راجع من قطر، ومعايا فلوس، وعندي ورشة أبويا وليه أزاحمهم في ملعبهم؟!".

لم يجد بركات حينها إلا تلك الورشة محدودة المساحة ورائحة الزيت العالقة في جدرانها الأربعة، وهب ما تبقى من عمره لها، أكثر من 12 ساعة يقضيها هناك يجدد دماء ماضِ مفعم بالتفاصيل التي لا تُنسى.
Advertisements
الجريدة الرسمية