رئيس التحرير
عصام كامل

هل تخرج الرياض اقوي بعد أزمة خاشقجي؟


المملكة العربية ليست في حاجة لمن يدافع عنها مجاملة أو استرضاء لها، فلديها إعلام قوي داخليا وخارجيا، ولديها لوبي سعودي قوي في الولايات المتحدة، بل نحن هنا لكي نحلل ما حدث منذ اندلاع أزمة خاشقجي ونستشرف مآلات الأزمة..


إن ثمانية عشر يوما كانت كفيلة في تغير المزاج الدولي نحو المملكة العربية السعودية.. الرياض صاحبة الاقتصاد القوى، ومن دول الـ20 الكبار، وصاحبة العلاقات التاريخية مع واشنطن، وأكبر مصدر للنفط في العالم، كل هذا تحول بين ليلة وضحاها بسبب قضية الصحفي جمال خاشقجي، خاصة بعد أن اعترفت المملكة العربية السعودية بأن عددا من أعضاء الأجهزة الأمنية تورط في قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي..

وكان لافتا أن تتعهد المملكة بتحقيق الشفافية والعدالة في التحقيقات الجارية مع من تورط في عملية القنصلية، ولكن وابل الهجوم الذي صوب تجاه الرياض كان من كل حدب وصوب سواء كان خبيثا أو واقعيا بدافع حقوق الإنسان، خاصة وأن اتهام الدول في قتل الصحفيين عملية بشعة وتثير انتفاضة حقوقية واسعة، ولكن في رأيي أن الهجمة الواسعة على الرياض حاليا لا تقارن بأحداث 11 سبتمبر، فلا تمثل 1 بالمائة لما حدث آنذاك، فتحولت صورة المملكة لصورة قاتمة أمام العالم، وكان عليها أن تتحمل إعادة تجميل صورتها مرة أخرى، والتأكيد على مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه..

وأثبتت ذلك كثيرا عبر تأسيس مراكز مكافحة الإرهاب وتسامح الأديان، والتأكيد على أن الإسلام بريء من الإرهاب، وإذا كان ما زال أحد يدعم التنظيمات الإرهابية في السعودية فهي أفراد تكافحهم حكومة الرياض، والتحالف الأمريكي السعودي جنب منطقة الخليج ويلات العمليات الإرهابية، واستطاع الأمير السابق وزير الداخلية السعودي الأسبق تجفيف منابع الإرهاب في السعودية.

أولا : مأزق الرياض: 

إن المملكة العربية السعودية ليست جمهورية موز كما قال عادل الجبير على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، وأيضا الدول تصيب وتخطئ مثل البشر، والرياض أخطأت واعترفت عندما انحرف جهاز أمني نافذ في المملكة وأساء استخدام السلطة، وقرر الإقدام على عملية لم يكلف بها من القيادة العليا للبلاد سواء قائد القوات المسلحة للبلاد أو وزير الدفاع، وهو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وهي قتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية المملكة في إسطنبول، إن ما حدث لانحراف للسلطة في المملكة، يحدث في كثير من الدول مثل انحراف جهاز المخابرات المصري في عهد عبد الناصر، والذي قام الرئيس آنذاك بتقديمه لمحاكمة عادلة..

وهذا أيضا ما تعهدت به المملكة في بيان واضح أمام العالم، وقالت إنها حريصة على محاكمة أحمد العسيري وسعود القحطاني وآخرين تورطوا في قتل خاشقجي، في 4 نوفمبر من العام الماضي كانت حادثة الريتز كارلتون الشهيرة، والتي استضافت عشرات من رجال الأعمال السعوديين اتهموا بالفساد المالي..

وأري أن قضية خاشقجي هي فساد أمني وسياسي أرادت توريط القيادة السعودية بمعلومات مضللة، وكان أبرزها حواره في بلومبرج عندما قال إن خاشقجي دخل وخرج من القنصلية، ويبدو أنها كانت معلومات مغلوطة لإخفاء الجريمة وإحراج الأمير محمد بن سلمان. 

إن ما حدث في الرياض خلال 18 يوما الماضية هو محاولة كبري للضغط على المملكة العربية السعودية وابتزازها إقليميا دوليا، إن المملكة العربية السعودية تعرضت لفخ أو كمين سياسي ودبلوماسي وأمني من خلال عملية خاشقجي وما بعدها..

فخصوم المملكة في الإقليم والمنطقة حاولوا النيل من المملكة العربية السعودية وكرامتها الدولية والإقليمية، كونها قلب العالم العربي والإسلامي، وأيضا التلاعب بمقدرات الشعب السعودي من خلال التلويح بفرض عقوبات دولية عليها، فكان بيان المملكة العربية السعودية خلال الأزمة أنها لن تسمح لأحد كائنا من كان بأن يفرض عليها عقوبات بما فيها الولايات المتحدة، خاصة أن فرض واشنطن عقوبات على الرياض هو بمثابة إطلاق النار على قدميها بالضبط، وكذلك الحال بالنسبة للدول الأوروبية.

ثانيا: الثمن السياسي الذي تدفعه الرياض: 

إن تغير سياسات المملكة العربية السعودية خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وتخلى الرياض عن سياساتها المتحفظة واتباع سياسة انفتاحية، وفتح جبهات عديدة مع الحوثيين اتباع إيران في اليمن والقاعدة وداعش وتنظيم الإخوان المسلمين في آن واحد فتح على المملكة أبواب النار من الدوحة، التي رعت كل هؤلاء في فترة من الفترات، لذلك كانت المقاطعة العربية لقطر ذروة السياسة الخارجية السعودية الجديدة..

وهي مواجهة ممولي الإرهاب والداعم الأول لتنظيمات الإسلام السياسي بمختلف أنواعها، المقاطعة السعودية لقطر حجمت وأضعفت الدور القطري التي لم تعد تملك سوى العويل والبكاء على شاشة قناة الجزيرة، للنيل من العرش السعودي وولي العهد محمد بن سلمان.. لذلك أرادت الانتقام من الرياض، فوجدت ضالتها في أزمة خاشقجي لتفتح ساعات من الهوا لتستضيف كل ما هو حاقد على المملكة العربية السعودية، وبث الأكاذيب والشائعات، واستغلت تسريبات الإعلام التركي لنسج قصص خيالية عن المملكة، هدفها النيل من مكانة العرش السعودي، وإضعاف ثقة المواطن السعودي في قيادته، وهذا مشابه لما حدث في الربيع العربي، فأسلوب التحريض هو المنهج الإعلامي الأول لقناة الجزيرة.

فكان الهدف القطري هو رغبة منها في تحقيق أكبر عملية استفزاز لجارتها الكبري وهي الرياض، متناسية مكانة المملكة الرياض الدولية والإقليمية، ولو افترضنا اليوم أن المملكة فتحت معبر سلوي الحدودي مع قطر ليوم واحد فستصمت كل منابر قطر المحرضة -الجزيرة وأخواتها- للأبد ولن تسئ للمملكة مجددا، أو لو افترضنا أن المقاطعة لم تحدث.. وقتها لدافعت الدوحة عن الرياض وهي صاغرة..

فأزمة خاشقجي الأخيرة أظهرت أن الدوحة تصعد مع الرياض حتى الهاوية، بعد أن قطعت شعرة معاوية للنهاية عندما تتحدث عن مستقبل ولي العهد السعودي ومستقبل الأسرة الحاكمة في المملكة..

هناك جملة شهيرة لجمال خاشقجي كان يرددها دائما إن السعودية كانت أبا وأما للإسلام السياسي في المنطقة، وعندما تبدلت سياستها نحو الإخوان المسلمين الذين صعدوا للحكم عقب الربيع العربي، سعت قطر لإعادة الرياض إلى مربع الإسلام السياسي الذي ابتعدت عنه خلال الثلاث سنوات الماضية، لذلك خرج علينا بيان من تنظيم الإخوان المسلمين المصنف إرهابيا في مصر والسعودية بقيادة إبراهيم منير يسعى للتغزل والتودد للرياض، أملا أن يتبدل موقفها مستقبلا وتتغير رؤيتها المستقبلية نحو الإقليم..

وللمرافقة المثيرة للسخرية أن أغلب وزارات الخارجية حول العالم أصدرت بيانات حول قضية خاشقجي، سواء إدانة للمملكة أو دعما لها ولموقفها الإستراتيجي، وهو محاسبة من ارتكب الجرم، ولكن خارجية الدوحة لم تصدر بيانا مع أو ضد المملكة، واكتفت بساعات البث غير المسبوقة في حرب إعلامية مفتوحة على الرياض، فهذا الوجه الحقيقي لقطر أنها لا تملك سوى قناة الجزيرة للنيل من خصومها السياسيين في المنطقة.

والمذهل أيضا أن طهران غريمة الرياض الأولى في الإقليم المشتبكة معها في أزمات عدة في الإقليم في سوريا واليمن والعراق ولبنان لم يكن لديها ردة فعل تذكر، أو بالأحري لم تستغل الفرصة مثل الدوحة للنيل من الرياض، على الرغم من أن الرياض قوضت الاتفاق النووي من خلال انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي وقع في 2015..

أما تركيا فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان لن يهاجم العرش السعودي لا الملك ولا ولي العهد لأنه سيخسر السعودية إلى الأبد، لأنه سيكون موقف سيحفر في سجل العلاقات التركية-السعودية، ولا يمكن أن يبيع المملكة مقابل تنظيم الإخوان المسلمين وقطر وأنصارهم في العالم العربي..

الرئيس التركي مصلحجي يتحرك نحو مصلحته فقط، ولو تمكن من ابتزاز السعودية كما ابتزها ترامب لفعل أكثر مما يفعله ترامب، فإذا كان ترامب شعبويا قيراط فأردوغان 24 قيراط، أردوغان سيشيد بالأمن والصحافة التركية وسيؤكد ثقته في المملكة في تحقيق العدالة، وسيؤكد أن تركيا لن تقاضي المملكة العربية السعودية وإن فعل ذلك ودخل أجواء الهجوم على العرش السعودي وولي العهد تحديدا سيكون بإس وبتحريض أمريكي أوروبي. أردوغان سينتقي عباراته بغاية الدقة سيلقي خطابا متوازنا.

ثالثا: بداية الخروج من الأزمة

وإن كبوة المملكة قد انتهت.. فالرياض قادرة على تجاوز هذه الأزمة وامتصاصها، كما استوعبت أزمة احتلال العراق للكويت، وأزمة 11 سبتمبر 2001.. وأيضا احتلال العراق والربيع العربي ثم أزمة خاشقجي.. فالأزمة أصبحت وراء ظهر المملكة، وأن منتدي دافوس الصحراء سيقام كما هو بلا اعتذارات في الأغلب..

إن قوام اقتصاد المملكة يعتبر محوريا في الاقتصاد العالمي، ولقاء وزير الخارجية السعودي عادل الجبير مع قناة فوكس نيوز الأمريكية أكبر دليل على بدء الرياض التعافي من هذه الأزمة، التي تأثرت بها في الأيام الماضية خاصة تاكيده أهمية الشفافية والعدالة في إنهاء أزمة خاشقجي.. وإن الرياض رغم تخبط روايتها في البداية بسبب التضليل الذي حدث  اعترفت في النهاية في وقت سريع على عكس الولايات المتحدة التي استغرقت وقتا طويلا لكي تعترف أنها ارتكبت جرائم كبرى في سجن أبو غريب في العراق.. 

وقد كان رد الجبير على المذيع الأمريكي ردا حاسما، وأيضا زيارة وزير الخزانة الأمريكي للرياض ولقاء ولي العهد السعودي وأيضا تصريحات الأمريكي دونالد ترامب وبامبيو وزير الخارجية الأمريكي المتكررة حول الثقة في المملكة ولا يمكن التخلي عنها كلها تدل على انحسارالأزمة.. فاليوم الثلاثاء قد يكون اليوم الأخير في الأزمة التي استمرت منذ بداية الشهر وتبعثرت أوراقها بين الرياض وواشنطن وأنقرة.
الجريدة الرسمية