رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

«صُنع في سجون طرة».. محقق «فيتو» يقضي 6 ساعات «خلف الأسوار» بين ورش النجارة ومعرض الأثاث وملعب الكرة و«المطبخ».. مزارع للثروة الحيوانية والداجنة ومصانع للأثاث و

فيتو

أسوار عالية.. حراسة طوال الـ24 ساعة، في الخارج عالم، وخلف الأسوار عالم آخر، البعض يظنه أنه عالم «الجريمة والمجرمين»، فالصورة الذهنية الشعبية عن السجون لا تزال «قاتمة».. غير أن متابعة ما يحدث حاليًا تكشف أن الصورة أصبحت بـ«الألوان»، وأن سنوات العقوبة من الممكن أن تتحول لـ«أيام مكسب».


هنا منطقة سجون طرة، يقبع خلف جدران أسواره، 7 سجون فرعية يحوي الآلاف من السجناء في جميع الجرائم (قتل – سرقة – مخدرات – أسلحة – تجمهر – مشاجرات – اغتصاب.. وغيرها).

اللون الأزرق يقابلك أينما وليت وجهك.. لون ملابس السجن.. غير أن الذين يرتدونه لا يقفون كسالى أو متذمرين أو غاضبين، لكنهم منهمكون في أعمالهم، ما بين النجارة والطبخ ولعب الكرة أيضا.. فالسجن أصبح خلال الأعوام القليلة الماضية «مكانا للإنتاج والإصلاح والتهذيب والمكسب أيضا».

وفي الصباح الباكر يستيقظ الجميع، ويتوجهون إلى المطعم يتناولون الإفطار.. دقائق وتبدأ التمارين الرياضية «فترة التريض»، ويعقبها كل يتجه إلى عمله، فالجميع يعمل داخل منطقة سجون طرة، المزارعون في الأراضي، والحرفيون في المصانع الأثاث والحديد، والطهاة في الكافتيريا، والحالمون باستكمال الدراسة في مكتبات السجن، والفرق الرياضية بالملاعب، والوعظ في الندوات التثقيفية للنزلاء... هذه حقيقة وليس فيلما يتم تصويره.. محقق «فيتو» تجول في أرجاء المكان على مدار 6 ساعات يتابع الجميع عن كثب.

البداية كانت من داخل مصنع «الكونتر» للأثاث (blockboards factor).. المصنع عبارة عن «هنجر» كبير بداخله كميات من الأخشاب، وعدد من الآلات التي تستخدم في تقطيع وتشكيل الأخشاب، ويعمل به نحو 25 سجينا من محترفي مهنة النجارة.
وعن طبيعة العمل في المصنع، قال إيهاب عادل في نهاية العقد الرابع: تورطت في قضية مخدرات وحكم عليّا بالسجن 10 سنوات بالإسكندرية، وقتها ظننت أن حياتي انتهت فكنت أعمل في هذا التجارة لجمع الأموال والزواج سريعا، إلا أن حظي العاثر كان سببا في القبض عليها والزج بي بالسجن لقضاء عقوبتي، بعد فترة علمت بوجود المصنع الأثاث فقررت تعلم الحرفة، وبمرور الأيام أتقنت المهنة وأصبح هدفي في الحياة قضاء عقوبتي والخروج من السجن وفتح ورشة للأثاث الخشبي لأكسب قوت يومي بالحلال والبعد عن الحرام، وأمضي في حياتي على الخير والبعد عن طريق الشيطان.

وأضاف: «حالتي النفسية تحسنت داخل السجن المزرعة، وأحصل على راتب شهري يكفيني ويتم إيداعه في أمانات السجون وفي بعض الأحيان أرسل أموالا لأسرتي بالإسكندرية تساعدهم في أحوالهم المعيشية، وقضيت 9 سنوات وقريبا سأخرج في العفو الرئاسي وربنا يخلينا الرئيس عبد الفتاح السيسي».

أما عن تفاصيل العمل في المصنع، فأكد السجين «عادل» أنه لا يختلف عن أي مصنع بالخارج، وينتج جميع أنواع الأثاث، مثل: الكراسي والمكاتب والمكتبات، وغرف النوم الكاملة، والسفرة والأنتريهات والصالونات، كما يصنعون «فرش العروسة» كاملا وجميعها مصنوعة من أجود الخامات وبإتقان شديد، وفي نفس الوقت تمتاز بانخفاض أسعارها مقارنة بالأسعار في معارض خارج السجن.
وأضاف: نحصل على الخامات من الخارج من خلال طلب نقدمه إلى مأمور السجن موضح به أنواع الأخشاب وكمياتها ومستلزمات التصنيع الأخرى، وبعد الانتهاء من تصنيع الأثاث يتم تسويقه من خلال معارض السجون، أو بيعه لمعارض خارجية.. أما الراتب الشهري يختلف كل مرة فنحن نعمل بالإنتاج ونسبة من الأرباح 5%.

محقق «فيتو» ترك «السجين النجار» واستكمل جولته منطلقًا إلى معرض منتجات السجون، الذي يضم السجينات، وقد انهمكت كل منهن في عرض المصنوعات اليدوية من تصنيع مصنع ملابس التريكو التابع للقطاع.

بداية قالت «نجلاء. ج»، أنفذ حكم بالسجن 15 سنة في قضية «قتل عمد»، وقضيت 7 سنوات بالشرقية، رافضة الإفصاح عن كواليس القضية لما لها تأثير سيئ على حالتها النفسية، مضيفه لدي ولد 19 سنة طالب، وفتاة 16 سنة في المراحل التعليمية المختلفة، يأتون لزيارة كل فترة للاطمئنان.

أما عن عملها، قالت: «تعلمت الحرفة داخل السجن، وأنقل حاليا خبراتنا للسجينات الجدد في تصنع الأباجورات، أو إعداد حامل لساعات الحائط، وتطريز المفارش، والحفر والرسم على الزجاج، والحفر على الخشب، وصناعة المخدات والمراتب ومفارش الأنتريهات وغيرها.. ومنهن من يعملن في صناعة جميع المفارش الخاصة بغرف النوم التي ينتجها معرض الأثاث».

في السياق.. قال «عبير. م»: «أعمل في مصنع الملابس بسجن النساء، منذ أكثر من 3 سنوات بعدما تمت إدانتي بحكم 20 سنة في قضية تحريض على القتل ولدين ولدين 19، و26 سنة، قضيت 12 سنة في السجن».

وأضافت: الأيام قاسية بين جدران السجن، لكنني قررت أن استكمل دراستي الجامعية، حيث حصلت على بكالوريوس تجارة بجامعة القاهرة، وعملت دراسات عليا في المحاسبة وقريبًا سأحصل على درجة الدكتوراه.

وتابعت: «قطاع السجون لا يدخر جهدًا في توفير المراجع والكتب، فضلا عن السماح بالوجود في مكتبه السجن، وبعد الانتهاء فترة المذاكرة وميا أتوجه إلى المصنع أبدأ عملي بغزل الأقمشة والتطريز تمهيدًا لبيع المنتجات في المنافذ السجون والمعارض الخارجية ونحصل على راتب شهري، وأتمنى أن أخرج قريبًا من السجن للعودة إلى حياتي الطبيعية، وأقضي باقي عمري وسط أبنائي، وأتمنى أن يشملني العفو الرئاسي».

وعلى بُعد خطوات كان يقف سجين بملابسه الزرقاء يقترب من عقده الخامس وملامح الهموم والتجاعيد تملأ وجه، اقترب المحقق وسأله، فأجاب أنه يدعى «مؤنس.أ» حكم عليه بالسجن 14 سنة في قضية «هتك عرض» بمركز السنطة بمحافظة الغربية، مؤكدًا أنه لم يرتكب هذه الواقعة، لكن خلافات مع جيرانه دفعتهم لتلفيق له التهمة انتقامنا منه– على حد قوله.

وواصل حديثه: «قضيت 7 سنوات من عقوبتي ولدي 3 أبناء، اثنان أطباء والثالث في الثانوية العامة، وأما طبيعة عملي، فقد كنت أمتلك ورشة نجارة في مركز السنطة، وعندما دخلت السجن انضمت للعمل بمصنع الأثاث لكسب قوتي يومي وتكوين مبلغ مالي من عملي بالسجن».

وتابع: فيما يتعلق بالأسعار فالسفرة بـ6 آلاف جنيه، 3 ترابيزات متداخلة يصل سعرها إلى 1250 جنيها، كرسي هزاز 1500 جنيه، غرفة نوم اقتصادية 10 آلاف و234 جنيها، و1315 جنيها جزامة أخشاب طبيعية متكاملة، و680 جنيها حصان أطفال "صناعة يدوية "، 1600 جنيه سرير عرض 100 سم، و1185 طرابيزة بجناحين، 4 آلاف و285 جنيها سعر مطبخ قطعتين، كرسي سلم 220 جنيها، وفي مطبخ 130 سم، سعره يبلغ 2630 جنيها، وسرير عرض 150 سم، يبلغ سعره 2200 جنيه، و650 جنيها سعر الشواية بالأسياخ.

ناصر إبراهيم.. التقط طرف الحديث من زميله، وأضاف: «السجن إصلاح وتهذيب وعمل وإنتاج.. الكل هنا بيشتغل، ويكسب فلوس كويسة"، وموضحًا أنه يرسل أموالا لأسرته للإنفاق عليها».

وأوضح أنه مقيم بمنطقة حلوان يعمل محاسبا، وحكم عليه بالسجن المؤبد في قضية قتل عمد، خلال مشاجرة بالمنطقة التي يقطن بها دفعته لقتل جاره، وبعد دخوله السجن، التحق بالعمل بمصنع الحديد التابع للقطاع السجون، مشيرًا أنه قضى 14 سنة من عقوبته ويعمل بالمصنع منذ 12 سنة، وينتظر قريبا للخروج في عفو الرئيس عبد الفتاح السيسي، وسيخرج من السجن ليفتتح ورشة نجارة.

غادر «المحقق» المكان متجهًا ناحية «ملعب السجن»، كان مجموعة من الأشخاص يلعبون في أجواء من الحماسة، ومن بين صفوف لاعبين أحدهم أفريقي لاعب سابق بأحد الأندية المصرية الشهيرة والآخر برازيلي محكوم عليهما في قضيتي مخدرات «اتجار»، أكدا أنهما يتلقيان رعاية صحية جيدة في السجن والسماح بممارسة الأنشطة الرياضية والتدريب المستمر للعودة كلًا منا للانضمام إلى صفوف فريق بلاده.

رائحة الطعام دفعت محقق «فيتو» للبحث عن مصدرها، ليكتشف أنها قادمة من ناحية «مطبخ السجن» الذي يضم 5 طهاة يعدون طعام الغداء لنزلاء السجن، ويرتدون الملابس الصحية أحدهما يعد الأرز وآخر على اللحوم وآخر يجهز الخضار وآخر يجهز الطماطم.

«سيد.ع» أحد طهاة مطبخ السجن، أكد أن العمل في المطبخ يسير وفقا لنظم واللوائح السجن فهناك أيام يتم إعداد اللحوم، وآخر الدواجن حسب أيام الأسبوع وفقا للجدول، فوجبة الإفطار تضم (رغيف خبز – حلاوة طحينية – فول)، الغداء (أرز – خضار – لحوم وتستبدل في الأيام بالفراخ أو البط – فاكهة – خبز)، أما وجبة العشاء (خبز – جبنة – فول وبعض الأيام تستبدل بالعدس).

وأضاف: يمكن الاستعاضة عن صنف الحلاوة الطحينية بصنف بسكويت عجوة، ويمكن صرف قطعتي جبن مطبوخ أو 40 جرام جبن كامل الدسم أو شريحة جبن رومي 20 جراما، وبالتبادل مع 50 جراما من جبن أبيض نصف دسم.

وأشار يمكن الاستعاضة عن صنف اللحوم بالفراخ أو البط كل 150 جرام لحم = 250 جرام فراخ أو بط، وفي حالة عدم توفر اللحوم بالأسواق يصرف كبديل في الوجبة «4» بيضات لكل مسجون و75 جرام بقول.

وذكر أنه في المناسبات الوطنية والأعياد الدينية تصرف الوجبات مضاعفة، والأمر ذاته بالنسبة للفاكهة، مشيرًا أن أجود الأطعمة يتم تقديمها للنزلاء، ويتم الفحص الدوري من قبل لجان مختصة عن الأطعمة المقدمة للسجناء للتأكد من مطابقتها للمعايير.

غادر المحقق المطبخ، وشاهد في طريقه مجموعة من السجناء يقفون في صف واحد على أبواب سيارة مجهزة طبيا كتب على لافتاتها «وحدة الفحص الجماعي وحدة مكافحة أمراض الدرن»، وطبيب ينظم السجناء لتوقيع الكشف الطبي.

في السياق ذاته.. قال اللواء خالد فوزي مساعد وزير الداخلية لقطاع الإعلام والعلاقات: شهدت السجون تطويرا في أوجه الرعاية الاجتماعية والثقافية والدينية والتعليمية والرياضية؛ لمساعدة النزلاء خلف القضبان على شغل أوقاتهم بما يعود عليهم وعلى مجتمعهم بالنفع، ونطبق إجراءاتِ الطب الوقائي، وتوفير طبيب أو أكثر بكل سجن، كما تم إنشاء مستشفيات مدعمة بالأجهزة المتطورة والتعاقد مع الاستشاريين من أساتذة كليات الطب في جميع التخصصات.

وأكمل: يجري تجهيز عنابر لذوي الاحتياجات الخاصة لهم، وتتوافر فيها وسائل الإتاحة، فضلا عن توفير أطراف صناعية وبرامج علاجية وتأهيلية لمساعدتهم، وامتدت مظلة الرعاية النزلاء لتشمل أسرهم بهدف حمايتها، وتقديم أوجه الدعم لها حتى خروج عائلها من محبسه، والسعر لتوفير فرص عمل للمفرج عنهم عبر تدريبهم على حرفة داخل السجون قبل خروجهم، والتنسيق مع منظمات المجتمع المدني لمساندة في برامج تأهيل المفرج عنهم.


"نقلا عن العدد الورقي..."
Advertisements
الجريدة الرسمية