رئيس التحرير
عصام كامل

«يا قطن مين يشتريك».. الحكومة تركت الفلاح فريسة لـ «طمع التجار».. وتحذيرات من الامتناع عن زراعته الموسم المقبل.. «زراعة كفر الشيخ»: «مفيش فلوس ومستنيين الفرج»..

فيتو

«الحكومة تتخبط.. التجار يستغلون الوضع القائم.. والفلاح يتكبد الخسائر منفردًا».. من هنا يمكن الحديث عن أزمة القطن التي بدأت تلقى بظلالها على غالبية المحافظات التي تزرع «الذهب الأبيض»، فوسط إجراءات متخبطة وقرارات متضاربة تتخذها الحكومة، ممثلة في وزارة الزراعة، وجد التجار الفرصة سانحة أمامهم لحصد مزيد من الأرباح، بعدما وضعوا الفلاح في خانة «القبول بالسعر المعروض أو انتظار فرج الحكومة الذين لن يأتِ».


محافظة كفر الشيخ.. واحدة من المحافظات التي تعاني «تخبط الزراعة»، حيث يواجه الفلاحون مشكلة عدم قبول الجمعيات الزراعية بالمحافظة لمحصول القطن من المزارعين لعدم وجود أموال، بالإضافة لانخفاض سعر القطن مقارنة بتكاليف زراعته، واستغلال التجار لحاجة الفلاحين للمال وبخسهم لسعر المحصول نتيجة لانعدام الرؤية بين الحكومة والفلاح.

8 آلاف جنيه
بداية، قال محمد محمود راشد، فلاح من قرية «روينة»: «فدان القطن يتم تأجيره من وزارة الزراعة بـ8 آلاف جنيه بخلاف المبيدات والأنفار الذين يقومون بالجني، وأنواع بذرة القطن تتنوع ما بين 86 و92 و94 و45 جيزة وهو الأعلى والأكثر جودة، ونعاني قلة صنف 92 في إنتاجه من القطن، وإنتاجية الفدان تصل إلى 7 قناطير، وللأسف السعر الذي وضعته الدولة خراب لبيوت الفلاحين، والأدهى أن الجمعيات الزراعية هي الأخرى ترفض استلام القطن، معللة ذلك أنه لم تصل إليها أية تعليمات بهذا الأمر».

وتابع: «كنا بنزرع القطن بقلب جامد، حيث كان سعر القنطار العام قبل الماضي يصل إلى 3 آلاف و750 جنيها، أما العام الماضي انخفض السعر إلى 3 آلاف و350 جنيهًا، والموسم الحالي فوجئنا كمزارعين أن الحكومة خسفت بمحصول القطن الأرض، حيث سعرت القنطار بألفي و700 جنيه، وعلمنا من مديرية الزراعة أن القنطار لن يتجاوز سعره ألفين و400 جنيه، وإن حدث هذا الأمر سيكون خرابا لبيوتنا كلنا ولن نزرع القطن مرة أخرى لأننا لم نغطِ تكلفة زراعته».

الأسمدة
في السياق نفسه، قال محمد سمير، فلاح: «الأسمدة ضرورية لزراعة القطن، وقد ارتفع سعرها مؤخرًا بشكل كبير، إلى جانب الزيادة في أسعار يوميات الأنفار، وإذا لم تقف الحكومة بجوار الفلاح المصري ومحصول القطن الذي يعتبر من المحاصيل القومية للدولة فلن تجدوا فلاحا يزرع قطن العام المقبل، وما يحدث ليس له معنى إلا أن وزارة الزراعة تقضي على محصول القطن المصري طويل التيلة ليصعد محصول قطن أمريكا قصير التيلة».

في حين قال على السيد، عامل باليومية: «زراعة القطن تتراجع عاما عن الآخر، ولا بد أن تهتم الدولة بتلك الزراعة المهمة لكي يعود القطن المصري، لوضعه مثل زمان، وزراعة القطن تعتمد عليها الكثير من الأيدي العاملة ويوجد الكثير من البيوت المفتوحة من وراء تلك الزراعة، ويوجد معنا نساء أنفار يعملون معنا منذ السابعة صباحا حتى الرابعة عصرا، لأنهم في أشد الحاجة للمال من أجل أبنائهم».

دور الحكومة
أما إبراهيم عبد الواحد، مهندس زراعي بمعهد بحوث القطن بكفر الشيخ، قال: «لست راضيا عن زراعة القطن في مصر حاليا، والفلاح بيموت بالبطيء، وأين دور الحكومة في النهوض بالزراعة وتحديدا بالقطن؟ فهل يعقل أن يقوم المزارع بتسليم القطن للجمعيات الزراعية بسعر 2400 وهو ما يقل عن التكلفة الأساسية لزراعة الفدان التي تصل إلى 10 آلاف جنيه للفدان، حيث إن الرشة الواحدة من مبيد «منع انسلاخ» يتجاوز سعرها مائة جنيه بعد أن ثمنها 5 جنيهات فقط، ويوجد مبيدات آخر سعر العبوة الواحدة منها يصل إلى 350 جنيها والفدان يحتاج إلى 6 عبوات، هذا بخلاف عملية جني القطن المكلفة للغاية، حيث تبلغ تكلفة النفر الواحد 70 جنيها يوميا، فماذا يفعل الفلاح؟ ولصالح من يتم القضاء على الفلاح المصري وزراعة إستراتيجية مهمة مثل زراعة القطن وتراجعها بهذا الشكل المخيف؟!».

في السياق.. قال فكري محمود عامل بمعهد بحوث القطن: «التجار استغلوا تخبط الحكومة في تحديد سعر القطن وعدم وجود.. رؤية واضحة، وقاموا بشراء القطن من الفلاح بسعر ألفي و300 جنيه بمعني أن أبخسوا سعر القطن، والفلاح مضطر يبيع التاجر لأنه يحتاج لأموال من أجل الإنفاق اليومي على جني القطن وإعطاء يوميات للأنفار، وللعلم الفلاح سينفر من زراعة القطن لأنه مبقاش عارف يصرف على زراعة القطن ولا على ولاده؟».

أما عبد السلام عزت، صاحب شركة استثمارية في محصول القطن، قال: كنت أعيش في إحدى دول الخليج على مدار سنوات طويلة وقمت بمشاركة مجموعة من زملائي وأسسنا شركة تقوم على تأجير أراضٍ زراعية من وزارة الزراعة وزراعتها بمحصول القطن وبيع القطن للمصانع أو استخدامه في عملية تصنيع الملابس، وزراعة القطن يقوم عليها الكثير والكثير من العاملين والمستفيدين من تلك الزراعة، ولا نريد من الدولة أي استثناءات، لكننا فقط نريد الاهتمام الحقيقي بالقطن ووضع سعر مناسب له يأتي بحق تكلفته علينا كشركات وعلى المزارعين، لكن ما يحدث وكما قال المزارعون "خراب بيوت بالمستعجل" ويضر بالجميع والدولة في المقام الأول، ولا بد من التدخل العاجل للرئيس عبد الفتاح السيسي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في الزراعة المصرية بشكل عام خاصة القطن المصري.

الفرج
«مفيش فلوس ومستنيين الفرج».. الرد الذي التزم به المهندس عبد الرافع عبد العظيم، وكيل وزارة الزراعة بكفر الشيخ، على أزمة وقف شراء القطن من الفلاحين، لافتا إلى أن محصول القطن على مستوى المحافظة بلغ 700 ألف قنطار، وأنه تم شراء 170 ألف قنطار فقط من الفلاحين، ولم يتم شراء بقية المحصول بسبب عدم وجود أموال في الجمعيات الزراعية.

وأضاف: المشكلة تكمن في الشركة القابضة لتجارة الأقطان التابعة لوزارة قطاع الأعمال التي تقوم كل عام بشراء القطن من الفلاحين عبر الجمعيات الزراعية من أجل تصديره للخارج، إلا أنها قد أعلنت عدم قدرتها شراء معظم محصول القطن لهذا العام لعدم وجود أموال لديها، وأنهم حاليا في انتظار الحل في هذه الأزمة، مناشدا الفلاحين بالانتظار وعدم الذهاب للتجار.

من جهته، أكد باحث متخصص في القطن بمركز البحوث الزراعية بسخا، تحفظ على ذكر اسمه، أن «الفلاح أصبح في مأساة بعدما رفضت الحكومة شراء محصوله من القطن، وتركته فريسة سهلة للتجار الذين استغلوا الأزمة أحسن استغلال، وقاموا بشراء قنطار القطن من الفلاحين بسعر بخس للغاية يكاد لا يغطي تكاليف زراعته بسعر 2300 جنيه للقنطار، وهو ما يشكل خسارة فادحة للفلاحين، مقارنة بالسعر الذي حددته الحكومة 2700 جنيه للقنطار، وهو السعر المنخفض في الأساس»، لافتا أن محصول القطن قد ارتفع العام الحالي إلى 320 ألف فدان مقارنة بالعام الماضي 250 ألف فدان، وذلك بفضل تحديد الحكومة مساحات لزراعة الأرز توفيرا للمياه، فتوجه الفلاحون لزراعة القطن.

وأشار الباحث إلى أن ما فعلته الحكومة مع الفلاحين يكتب شهادة وفاة للقطن المصري، نظرا لنية الفلاحين العزوف عن زراعة القطن مستقبلا، نظرا لما تعرضوا له من خداع حكومي ورفض الجمعيات الزراعية شراء القطن بحجة أنهم لم تأتِ إليهم تعليمات بالشراء ما تسبب في وجود أزمة ثقة بين الفلاحين ووزارة الزراعة، مطالبا الحكومة بتعويض الفلاحين في أسرع وقت والوفاء بوعدهم له بالشراء لكي يقوموا بزراعته العام المقبل.

"نقلا عن العدد الورقي..."...
الجريدة الرسمية