رئيس التحرير
عصام كامل

في ذكراها الـ77.. «فيتو» تزور قبر ومنازل مي زيادة ملهمة الشعراء (صور)

فيتو

ما رد فعلك إذا عدت يومًا إلى منزلك فوجدت جيرانك لا يعرفونك، حتى المنزل نفسه ؟.. من المؤكد أن الأمر في غاية الصعوبة، فهذا نفسه المنزل الذي عشت فيه ذكرياتك، والجيران نفسهم الذين شاركوك أفراحك وأحزانك.. فكيف يلفظون ذكراك من مخيلتهم مهما طال الزمن!


الأمر في غاية الصعوبة لو لم تكن معتادا على نكران القوم حولك لذكراك وسيرتك، ولو أن الأمر تكرر أكثر من مرة لن يعود غريبًا.

الأديبة الراحلة مي زيادة اعتادت التعايش مع هذا الألم، اعتادت نكران الناس لسيرتها ونسيان أقرب الأشخاص لها، اعتادت على بعدهم المفاجئ وقربهم المزيف، فلم يعد الأمر يمثل فارقًا لها.

وتمر اليوم الذكرى السابعة والسبعين لوفاة تلك الأديبة التي نبغت في الشعر والأدب والموسيقى، وتحولت سيرتها إلى علكة يلوكها الناس بأفواههم عندما اتهمتها عائلتها بالجنون للحجر عليها وعلى أموالها.


"فيتو" كانت هناك للكشف عن الأماكن والمنازل التي عاشت فيها مي زيادة بالقاهرة، لنبدأ من مقابر الطائفة المارونية في مار جرجس، حيث دفنت مي عام ١٩٤١ هناك، في مقبرة تحوطها الخضرة وحديقة صغيرة.. ولكن لم يبق الحال كما هو عليه، فعندما وصل محرر "فيتو" إلى المقابر اصطحبنا الحارس إلى مدفن الراحلة، ليشير بيديه إلى زاوية في الحائط مكتوبا عليها "الأديبة النابغة مي زيادة"، وعندما استفسرنا عن مكان القبر الأصلي، قال: "تم نقل رفاتها من القبر الأصلي إلى هنا، لأنه كان يحتل مكانا كبيرا داخل المقابر، وهو ما اضطر حراس المقبرة السابقين لنقله حتى يتسع المكان لأشخاص آخرين، ولكن هذا حدث قبل أن أتولى حراسة المقابر هنا".


ما تذكره جميع كتب السيرة الذاتية التي تناولت مي زيادة، تؤكد أن هناك شاهدا لقبرها كتب عليه مقتطفا من مؤلفاتها، ولكن الشاهد لم يعد موجودا ولا يعرف مكانه أحد.


وزارت فيتو المنازل التي عاشت فيها مي زيادة، حيث عاشت في ثلاثة منازل وهم: رقم 14 بشارع مظلوم بباب اللوق بالقاهرة، وهو المنزل الذي كان مقرًا لصالون مي زيادة حيث ندوة الثلاثاء التي أسستها عام 1913 وكان يزورها فيه كبار أدباء عصرها أمثال طه حسين، عباس العقاد، هدى شعراوي، توفيق الحكيم.

وعندما زرنا المنزل وجدنا أن الشارع تحول إلى شارع عبد السلام عارف وأصبح فيما بعد شارع البستان الشهير في وسط القاهرة، ولكن لم يتعرف أي شخص من رواد الشارع إلى ماهية اسم مي زيادة من الأساس، ولا يدركون أنها عاشت هنا ذات يوم.

ثم انتقلت مي فيما بعد مع أسرتها سنة 1914 إلى منزل رقم 28 شارع المغربي بوسط القاهرة، والذي أصبح حاليًا شارع عدلي المعروف بشارع المعبد اليهودي في وسط البلد، ولم يكن هذا المنزل أفضل حالا، ولم يتعرف أي شخص من رواد الشارع على مي ولم يذكر أكبر سكان الشارع اسمها.


وبقيت مي زيادة في هذا المنزل حتى سنة 1927، لتنتقل فيما بعد إلى شارع علوى «بجوار بورصة الأوراق المالية بوسط القاهرة»، بالعقار رقم ١، ولكن العقار حاليا تم هدمه ويستخدمه سكان المنطقة كجراح لسياراتهم.. وهو المنزل الذي اكتئبت فيه مي زيادة لفترة قبل انتقالها إلى لبنان، واستطاع فيه أحد أفراد عائلتها أخذ توقيعها على عقد تنازل له عن كل ممتلكاتها دون علمها.

وبعد خروج مي من مستشفى "العصفورية -المجانين" في العاصمة اللبنانية بيروت، عادت إلى القاهرة لتجد أن منزلها تم الاستيلاء عليه وعلى كل إرثها وممتلكاتها، لتنتقل إلى منزل في شارع أبو السباع بوسط القاهرة في العقار رقم 16، الذي سمي بعد ذلك صبرى أبو علم.

وهو المنزل الذي شهد أيامها الأخيرة ووحدتها قبل الوفاة، ليتبين فيما بعد أن حارس العقار انتبه لعدم خروج مي من شرفة المنزل لمدة ثلاثة أيام متتالية، ولم تلتقط منه الصحف اليومية ولم تفتح باب منزلها، ما اضطره إلى الاتصال بالمحامي الخاص بها، وعندما وصل للعقار بصحبة زوجته، اضطروا لكسر باب المنزل، ليجدوها ممدده على فراشها فاقدة للوعي، ليتم نقلها إلى مستشفى المعادي حيث لفظت أنفاسها الأخيرة، وتودع فيها العالم الذي تعمد نسيانها في حياتها واتهامها بالجنون، ونسى منازلها وقبرها بعد مماتها.


الجريدة الرسمية