رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

يحدث الآن


إنه بالفعل يحدث الآن معرض الكتاب المجاني.. حدث غير مسبوق في قاعة "الجريك كامبس" بالجامعة الأمريكية، الآن الفنان سعدني السلموني بمجهوده الخاص، وأفكاره السباقة يقيم احتفالية تشبه العزف السيمفوني، إنه معرض الكتاب ولكن ليس بشكله المتعارف عليه، فهو ليس معرضا بيعيا، هو شكل من أشكال تكريم الكتاب، وإعادة إحياء فكرة تداوله، ومحاولة جادة لاسترداد طقس القراءة داخل الحلبة. 


تجربة كاملة تمس عالم الكتاب بكل تفاصيله، عرض مجموعة من الكتب المتنوعة، وتقديم كتاب مجاني لكل زائر للمعرض، معرض لأغلفة الكتب كفن نوعي يمس دراما الكتاب بشكل متفرد، وجود مجموعة من دور النشر المساهمين في تقديم الكتب المجانية للقراء، معرض الأغلفة أنشأ حالة من المصالحة في العلاقة بين القارئ ودور النشر.

التلامس الفني الوجداني مع أغلفة الكتب، هو عودة للرقص داخل الحلبة من منظوري الخاص للوحة التشكيلية الدرامية، فغلاف الكتاب أحد أهم اللوحات النوعية المنطلقة من عالم فكري وجداني، يتماهى فيه عازفان لمقطوعة إنسانية على آلة من وتر واحد، غلاف الكتاب يبقى في ذاكرة الوجدان، وهو الباعث الأول للمتلقي على استكشاف هذا العالم الساكن وراءه، أو طرده بعيدا عنه.

غلاف الكتاب أيضا هو تحدٍ للتشكيلي في امتلاكه أدوات التعبير عن المنظومة الإنسانية للحياة، بعيدا عن أفكاره الشخصية التي يعطيها البطولة في أعماله للتعبير والطرح، كم من الأغلفة ظل ساكنا في ذاكرة الوجدان والعقل، يحمل مذاقات لأرواح عبرت داخل النفس ونبضت فيها.

إن أهمية هذا الحدث متعددة الأوجه، من أهم ما طرحت هو تحدي أسعار الكتب التي أصبحت خارج المنظومة الواقعية لقدرة الفرد، واسترداد القراءة كفعل حقيقي في حياتنا اليومية، لأنه بالفعل أصبح قضية صعبة نتيجة متغيرات إيقاع الحياة الجديدة، المحملة بأداءت أخرى غير ذات صلة بتنمية الوعي أو زيادة الإدراكات.

فاحتلال السوشيال ميديا للوقت الأكبر من يوم الفرد، لسهولتها وتواجدها بشكل إلزامي سطح نوعية المعارف والمعلومات التي تصل للأشخاص، واستبدل القراءة بنوع من المعارف هو للاستهلاك والتسلية المسطحة العقيمة، الضعيفة الجدوى رخيصة الثمن، لا تحتاج إلى مجهود للوصول إليها، بها إمكانية صناعة صورة زائفة للفرد عن ذاته تحدث له إشباع نفسي.

كانت أهمية الكتاب على مر العصور وما زالت، فالكتاب هو الموثق لكل العلوم البشرية والإبداعات الإنسانية، هو الكيان الملموس الخاص بك وغير المتصل بسواك، وهو متصل دوما، يحمل نوعيات متعددة من الفن سواء كان الغلاف أو الخطوط المكتوب بها الكتاب، نوعية الورق وملامس الأوراق اللون الذي يميزه.

اصفراره وعلاقته الزمنية بك، فهو كائن يمر بالقدم معك، كلها أدوات تواصل حقيقية تخصك أنت، ملموسة، صاحبة كيان، الكتاب له أهمية معرفية كبيرة وخاصة، فهو يعطيك فرصة اختيار نوع المعرفة، التي ستتصل به ولا يطرح عليك بدائل، ربما تصنع طاقتك.

الرجوع للقراءة الورقية أمر له جانب كبير من الأهمية في توجيه طاقات الأفراد، ومصداقية ما يقدم، وأيضا قيمة وجود المعلومات، في طرح منفصل عن عوالم اللهو والتسلية، تحفظ له خصوصيته، وتؤكد اختياره بعيدا عن صندوق الإنترنت، الذي يرميك طوال الوقت بعناوين وأطروحات بعيدة عن هدفك في القراءة، وملايين الاختيارات التي تشتت وتبعث على العزوف عن القراءة.

شكرا للمسؤولين في قاعة "جريك كامبس" عن التجربة الرائعة، وشكرا للفنان السباق "سعدني السلموني" صاحب المبادرة، وأتمنى أن نتصل بالكتاب أكثر، ونسعى لمرافقته من جديد، وإعادته إلى سياق حياتنا.
Advertisements
الجريدة الرسمية