رئيس التحرير
عصام كامل

حسين حنفي يكتب: أوردها سعد وسعد غير مشتمل!

حسين حنفي
حسين حنفي

يؤرخ الأحداث والوقائع رجال صدق، يروون التاريخ بصدق وأمانة، فلا يزيدون ولا ينقصون ولا يغيرون الأمور عن وجهها، وينبغي للناقل عنهم أن يكون كذلك، فالتاريخ أمانة الأمم، والمؤرخ حامل تلك الأمانة، فإما أن يكون عادلا أمينا أو مدلسا كذابا، وعلينا أن ننظر عمن نأخذ التاريخ، ومن الذي روى تلك الوقائع، وعمن رواها، وهل هو أمين أم كاذب مدلس؟!


وقد ساءني كثيرا ما قرأت في «عبقرية الصديق» للعقاد، إذ يقول: «وقد نلمس هذه الجوانب المتقابلة من مزاج الصاحبين في كل مسألة ذهبا فيها مذهبين ونزعا فيه إلى رأيين مختلفين، ومن ذلك مسألة الردة، ومسألة خالد بن الوليد، ومسألة الأعطية والنوافل للمؤلفة قلوبهم، ولغيرهم من عامة المسلمين، في كل مسألة من هذه المسائل كان كل من الصاحبين عند طبعه ومزاجه» اهـ «عبقرية الصديق (1/84)».

فكرر في أقل من سطرين كلمة «مزاج» مسندة إلى الصحابي مرتين، وهل الصحابي إذا حكم في مسألة يحكم فيها حسب مزاجه! أم بالاجتهاد؟ والاجتهاد لا يأتي إلا بمعرفة وثيقة بالكتاب والسنة.

وهذه المسألة ذكرتني بأثر رواه الجاحظ في رسائله، ولا أعرف من أين أتي به، ولكن على كل حال قد أتى به، إذ يقول: «وكان معاوية يأتي بالجارية فيجردها من ثيابها بحضرة جلسائه، ويضع........ على ركبها، ثم يقول إنه متاع لو وجد متاعا! ثم يقول لصعصعة بن صوحان: خذها لبعض ولدك، فإنها لا تحل ليزيد بعد أن فعلت بها ما فعلت!!» اهـ [رسائل الجاحظ (2/93)].
أمثل هذا الكلام يصح أن يقال؟! لابد للمرء أن ينكر هذا الكلام إنكارا شديدا، قبل أن يبحث حتى في رواية الأثر وفي أي كتاب هو، لأن الأصل في اعتقاد المسلم عدول الصحابي.

وقد أوردت هذين المثالين على سبيل التمثيل لا الحصر، ولقائل أن يقول: هذا أديب وليس مؤرخا، قلت: نعم، ومن صميم الأدب معرفة التاريخ، ومعرفة غثه من سمينه، وصحيحه من ضعيفه، تلك المسألة التي أوردها «أبو فهر» في كتابه «أباطيل وأسمار»، إذ يقول: «إنه لأمر مفروغ منه، أمر ارتباط الآداب بتاريخ الأمة، وعاداتها، وأخلاقها، ودياناتها... فلا يستطيع دارس أن يقول للناس: إنها ليست من صميم اختصاصي، فإذا قالها فذلك إيذان منه بأنه فقد التمييز، وجهل أساس كل منهج، واستحق أن يطرح الناس ما يقوله» اهـ (1/21).

ولا تظنن أن الرجل ممن يقولون ما لا يفعلون، فقد طبق هذا الكلام في نفس الكتاب، عندما أورد لويس عوض خبرا عن أبي العلاء المعري، فأراد أن ينقده، إذ يقول: «حتى إذا جاء القفطي (568- 646 هـ) انفرد وحده برواية الخبر بلا إسناد إلى أحد، وفيه علل قادحة في صدقه سأبينها فيما بعد هذه المقالة» اهـ (1/31) فتأمل!

فإن كان هَم الأديب أن يروي قصة جميلة محبوكة، فيجعلك تبكي تارة وتضحك أخرى وتغضب برهة، ولا يهمه إن كانت هذه الرواية صحيحة أم مكذوبة، فعليه أن يخلع رداء الأدب، فهو يفسد حيث أراد الإصلاح، ومما يزيد البلة طينا، أن تؤخذ هذه القصص فتُمثل في الأفلام والمسلسلات، ويتخذها الناس مرجعا، فيُشوَّه التاريخ وتقلب الحقائق، ويذهب الحق إلى غير أهله، فما هكذا توُرد الإبل!
Advertisements
الجريدة الرسمية