رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

«النحاسين» مهنة تلفظ أنفاسها الأخيرة (فيديو)

فيتو

 

الآثار: حملة توعوية لنظافة سبيل النحاسين بشارع المعز (صور)

لا شك أن للثورات التي شهدتها مصر العديد من الإنجازات والتغييرات، ولكن لا يوجد ثورة على مر التاريخ من دون حلول الضعف بفئة من فئات المجتمع، وكان من ضمنهم فئة "النحاسين" الذين تعتمد صنعتهم في الجانب الأول على السياحة التي تأثرت بالتبعية بالأحداث الأخيرة التي مرت على الدولة، بجانب العديد من العوامل التي أثرت بشكل كبير على مثل هذه الحرف، والتي من ضمنها التطور التكنولوجى، وإقبال الناس على الصناعات الأرخص ثمنا والأكثر تطورا، بجانب غزو المنتجات الصينية للأسواق المصرية، مما جعل الإقبال على المنتج اليدوي المصري ضعيفا في الآونة الأخيرة.
 

Advertisements


يضم شارع المعز لدين الله الفاطمى بين جناحيه "درب النحاسين" والذي كان يعج بالمحال والورش التي تصنع النحاس في مصر، ولكن مع الاضطرابات الأخيرة التي حدثت في مثل هذه الحرف، جعل هذه الورش تغلق أبوابها لعدم وجود دخل لأصحابها، وتتحول لمحال "شاورما" و"آيس كريم"، والبعض الآخر من الحرفيين يعرضون ورشهم للبيع.

عند دخولك درب النحاسين، تجد معظم أصحاب الورش المتواجدة بها تتخطى أعمارهم حاجز الستين عاما، جالسين على كراسي عتيقة عابثين الوجه، يندبون على أحوالهم وما وصلوا إليه من تردي بل شبه انعدام لحالة البيع والشراء بمنتجاتهم، يدور في أذهانهم العديد من الأفكار العابثة، والتخطيط لما سوف يحدث في حياتهم العملية.

على أعتاب درب النحاسين، تجد عم حسن عزت، أو كما يدعى بـ"شيخ النحاسين"، نظرا لعمره الذي تخطى السبعين عاما، عمل في هذه المهنة لأكثر من أربعين عاما، توارثها عن أجداده على مدار مائة عام، متحسرا على الوضع الذي وصل إليه سوق النحاس في هذه الفترة، من الإقبال الضعيف على المنتجات، والتي لا يشتريها سوى الزبون المصري المقتدر ماديا، نظرا لتوقف السياحة منذ ثورة 25 يناير.

عم حسن قال: إن المنتج النحاسى ليس متواجدا لدى جميع فئات المجتمع حاليا، كما كان من قبل، مضيفا أن زبونه منذ أربعين عاما كان الفلاح المصري البسيط، فلا يخلو بيت من هذه المنتجات خاصة بيوت عمد القرى الذين كانوا ينزلون خصيصا لدرب النحاسين لشراء كل تجهيزات العرس من النحاس، وفي الوقت الحالي انقلب الأمر رأسا على عقب لارتفاع أسعار النحاس التي وصل سعر الكيلو منه لـ200 جنيه، بعدما كان 60 جنيها منذ أربع سنوات، موضحا أن السبب هو ارتفاع قيمة الدولار نظرا لأن النحاس مادة تستورد من الخارج.

لم يعلِّم عم حسن، أي ابن من أبنائه صناعة النحاس، لما وجده من مستقبل مظلم فيها على الجميع، مفضلا أن يتجهوا للتعليم، والبحث عن عمل يتناسب مع الوقت والعصر الحالي، مؤكدا أنه فور وفاته سوف يباع ذلك المحل الذي توارثته الأجيال وصولا إليه، كما حدث مع أغلب الحرفيين بالحى.

وفي قلب شارع النحاسين، حذر أحمد حسن البائع بمحل للنحاس، من انقراض تلك المهنة بعد عدة سنوات خاصة بعدما خلت الورش من الأيدي العاملة والحرفية، مضيفا أن هذا الأمر يعتمد كليا على الحس الفني الذي يفقده السوق في هذه الفترة، نظرًا لنفور العمال من تلك المهنة لمهن أخرى بعد الثورة، ولم يجدوا سبيلا أمامهم سوى بيع ورشهم وشراء "توك توك" والعمل عليه، أو البحث عن مهن أخرى ليستطيعوا من خلالها مسايرة متطلبات الحياة.

أما عم "حمد" الحرفى البالغ من العمر 60 عاما، والذي ظهرت عليه علامات اليأس والتحطم، من خلال حديثه عن الحال الذي آلت إليه مهنة النحاسين، جالسا أمام الورشة لا يبيع ولا يشترى منذ شهرين كاملين، فقال: "بالرغم من محاولاتي بيع المنتجات التي عندي في المحل بسعر تصنيعها من غير أي مكسب فيها، علشان أفضي المحل تمهيدا لبيعه، ولكن مع ذلك مفيش أي حد بيجي يشتري مني".

وعند سؤالك عن أمهر النحاسين بالدرب ستجد الكثيرون يدلونك على "وليد الجمال" الذي ذاع صيته كحرفى للنحاس والفضة رغم عدم تجاوزه الأربعين عاما من عمره، أكد أن تمسكه بمهنة والده، وعشقه لها جعله حريصا على مواصلة العمل بها، بالرغم من عدم قدرته على الاعتماد عليها وحدها لفتح بيته، رافضا أن يعلمها لابنه الأكبر، عندما طلب منه ذلك، معللا بعبارته التي اعتاد قولها مع إصرار ابنه "لو علمتك يبقى بظلمك معايا".

أربع قصص لحرفيين بدرب النحاسين يجمعهم حبهم للمهنة وواقع واحد لا يبدو مشرقا وكذلك مطالب واحدة ألا وهي فتح معارض بالخارج ليتمكنوا من المنافسة بالمنتجات الوطنية والحرص على تعليم تلك الحرفة للأطفال بالمدارس ليخلقوا داخلهم الحس التراثي، منعا لانقراض تلك الحرفة المصرية.

Advertisements
الجريدة الرسمية