رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

السعودية تتجه لمزيد من ضبط الإنفاق رغم طموح رؤيتها

فيتو

تستدين السعودية مبالغ على دفعات وكان آخر القروض التي حصلت عليها لصالح صندوق الاستثمارات العامة السيادي مبلغا بقيمة 11 مليار دولار قدّمه تحالف بنكي أمريكي بريطاني عالمي.

ووفقا لوكالة الصحافة الفرنسية استدانت السعودية منذ تراجع أسعار النفط عام 2014 نحو 100 مليار دولار لتمويل جزء من العجز الناتج عن ذلك في موازنتها والذي زاد عن 260 مليار دولار خلال السنوات الأربع الماضية. ويثير لجوء الصندوق السعودي إلى القروض الخارجية منذ بداية قيامه بأنشطته التساؤلات، لاسيما وأن قيمة أصوله المالية الحالية تقدر بنحو 230 مليار دولار قسم كبير منها على شكل أسهم وسندات. ومعروف أن تسييل مثال هذه الأصول ليس بالأمر الصعب. وفي الوقت الذي يذهب فيه البعض إلى الاعتقاد بوجود ما يمنع الصندوق من القيام بذلك، وبهذا السياق تقول مصادر الصندوق، إن القرض خطوة أولى للمساهمة في تمويل خططه وبرامجه الطموحة للسنوات القادمة.

من أين المال اللازم للصندوق السيادي؟
يأتي لجوء الصندوق إلى الاقتراض من الخارج بعد تأجيل طرح جزء من عملاق النفط السعودي شركة "أرامكو" للبيع في البورصة بهدف تحصيل 100 مليار دولار لتمويل عملية التحوّل الاقتصادي ضمن "رؤية السعودية 2030" بإشراف الصندوق الذي يترأسه ولي العهد الشاب الأمير محمد بن سلمان. وينبغي على الصندوق توفير 400 مليار دولار بحلول 2020 لتمويل مشاريع الرؤية التي ينبغي بموجبها تحرير الاقتصاد السعودي من التبعية للنفط بحلول نهاية العقد القادم.

وإذا كانت الأصول المالية الحالية للصندوق لاتكفي لتوفير المبلغ المطلوب، فمن أين له بالمبالغ الأخرى خلال العامين القادمين؟ وكيف سيتمكن من تمويل مشاريع الرؤية الطموحة التي ينبغي أن يحشد لها نحو 2000 مليار دولار حتى عام 2030؟ وفي مقدمة هذه المشاريع يأتي مشروع المنطقة الاقتصادية الضخمة "نيوم" شمال غرب البلاد بتكاليف تصل إلى 500 مليار دولار.

أموال هائلة
كانت الحسابات السعودية تأخذ بعين الاعتبار إيرادات بيع جزء من شركة أرامكو المملوكة للدولة. غير أن تأجيل طرح الأسهم للبيع عبر بورصة نيويورك على الأرجح أخرج هذا المبلغ من الحسبان إلى أجل غير مسمى.

إلى جانب إخراج أموال تخصيص "أرامكو" من الحسبان ينبغي أيضا حسب المعطيات المتوفرة حتى الساعة وعدم المراهنة كثيرا على الاحتياطات المالية السعودية للمساهمة في تحقيق مشاريع الرؤية. ويعود السبب في ذلك إلى توقيع الرئيس ترامب مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ووالده الملك سلمان بن عبد العزيز خلال زيارته للمملكة في مايو/ 2017 على صفقة أسطورية تزيد قيمتها على 450 مليار دولار. وتشكل مبيعات الأسلحة وتكاليف صيانتها وخدمتها القسم الأكبر من الصفقة. أما القسم المتبقي فجله استثمارات سعودية في الولايات المتحدة. ومما يعنيه ذلك أن الصفقة ستلتهم تقريبا مجمل الاحتياطات السعودية المقدرة حاليا بحدود 500 مليار دولار.

"رؤية 2030" والواقع
على ضوء ذلك لا يبدو أن هناك إمكانية لتنفيذ مشاريع "رؤية السعودية 2030" بالشكل المعلن عنه حتى الآن. وبدلا من ذلك يمكن أن تخرج إلى النور رؤية جديدة مصغّرة أقل حجما بكثير من الرؤية الأصلية. لكن حتى في حال اعتماد رؤية مصغرة فإن تمويل مشاريعها يتطلب مئات مليارات الدولارات حتى نهاية العقد القادم. وبما أن الاحتياطات المتوفرة لا تكفي لذلك، فإن القروض الخارجية والتقشف الحكومي والخصخصة وفرض المزيد من الضرائب على المواطنين ورفع الدعم الخدمات والسلع الأساسية تبقى السبيل الوحيد لتوفير التمويل اللازم.

اقترضت السعودية نحو 100 مليار دولار خلال السنوات الأربع الماضية. وإذا أضيف هذا المبلغ إلى المبالغ السابقة فإن مجمل الديون الخارجية السعودية يصل إلى 205 مليارات دولار حسب نشرة مؤسسة الاستثمار والتجارة الخارجية الألمانية/ GTAI. ويشكل هذا المبلغ أقل من 30 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي الذي يقدر بنحو 750 مليار دولار. وهذه نسبة أقل بكثير من نسبة ديون دول الاتحاد الأوروبي ومعظم دول العالم بالمقارنة مع ناتجها المحلي الإجمالي. غير أن المشكلة بالنسبة للسعودية ليست في حجم الديون الخارجية الحالية، بل في سرعة الإقبال والاعتماد عليها في وقت ما يزال فيه اقتصادها معتمدًا على النفط وتقلبات أسعاره بشكل أساسي.

نهاية حقبة الإعفاء
إن اللجوء إلى الديون الضخمة لتمويل مشاريع البنية التحتية واستثمارات كبيرة أمر مألوف لدى كثير من دول العالم، غير أنه بالنسبة للسعودية الغنية لم يكن واردا من قبل، فعلى العكس من ذلك كانت المملكة حتى عهد قريب تتمتع بفوائض ضخمة تضمن استقرار عملتها وتمويل الخدمات العامة ودعم سلع أساسية بمبالغ كبيرة. وكان جزء من هذه الفوائض يذهب إلى مختلف أنحاء العالم على شكل مساعدات وضمانات وقروض واستثمارات لتحقيق الأرباح وشراء الولاءات وتعزيز النفوذ السياسي من خلال مئات المؤسسات الخيرية والدينية والإعلامية والثقافية والسياسية.

والآن ومع انتهاء الطفرة النفطية السابقة تتحول المملكة إلى الضرائب والرسوم وترفع الدعم عن السلع الأساسية للمرة الأولى في تاريخها. كما أنها تتحول بسرعة من دولة دائنة إلى دولة مدينة يفرض عليها تقليص أو إلغاء تمويل مئات المؤسسات والمنظمات والدول التي كانت تعتمد على مساعداتها. كما أن تراكم الديون وتزايد متطلبات خدمتها سيؤثر على استقرار العملة، ما يعني ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم وتراجع الاستثمارات والقوة الشرائية للمواطنين ومستواهم المعيشي. وتذهب تقديرات مؤسسة الاستثمار والتجارة الخارجية الألمانية إلى أن نسبة التضخم هذه السنة 2018 ستكون بحدود 4 بالمائة أي نحو ضعف مثيلتها عام 2016، وهي نسبة لم تشهدها المملكة من قبل. ومن هنا فإن البلاد تتجه نحو حقبة جديدة تقود من الناحية الاقتصادية على الأقل إلى دولة غير التي نعرفها حتى الساعة.

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


Advertisements
الجريدة الرسمية