رئيس التحرير
عصام كامل

تفاصيل الرحلة الأخيرة لأوراق الإعدام قبل «لقاء عشماوي».. هيئة معاونة للمفتي من 3 مستشارين بمحكمة الاستئناف تتولى مراجعة الأوراق وإبداء الرأي القانوني.. والدار تنظر 300 قضية سنويًا

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

>> «لأن يخطئ الإمام في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة» القاعدة الرئيسية لإبداء الرأي.. تعليمات صارمة بعدم طباعة أي ورقة من القضية


«حكمت المحكمة حضوريا بإحالة أوراق المتهمين إلى مفتى الديار المصرية».. البعض يتعامل مع الجملة السابقة تلك، وكأنها الخطوة الأخيرة تجاه «الموت»، فالقاضي صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في القضية، يمكن له– حسب الأوراق المعروضة أمامه- أن ينهي الأمر، لكنه ملتزم بإحالة أوراق القضية إلى مفتي الديار المصرية، لقول «الرأي الشرعي».

داخل دار الإفتاء المصرية.. هناك خصوصية يتم التعامل بها مع ملفات «أحكام الإعدام»، وفي غالبية الأوقات لا يتم تداولها علانية، وتتعامل معها الدار كونها«سري للغاية».

ما الذي يحدث بعد أن ينطق القاضي بجملة «الإحالة إلى عشماوي»؟.. سؤال بالقطع تبادر إلى أذهان الغالبية التي سمعت الجملة الشهيرة تلك، والإجابة كانت في دار الإفتاء، التي اتضح أنها تُخضع أوراق القضايا المُحالة إليها لأربع مراحل قبل أن ترسل الرأي النهائي.

مصدر داخل «دار الإفتاء» أكد أن قانون الإجراءات الجنائية نص على أن المحكمة إذا أقرت بإجماع أعضائها تنفيذ حكم الإعدام في حق المتهم، عليها قبل النطق بالحكم أخذ الرأى الشرعى لمفتي الجمهورية، مشيرًا إلى أنه في هذه الحالة تتم إحالة القضية إلى دار الإفتاء، ولا بد أن يضم الملف كل الأوراق الخاصة بالقضية بدءا من محضر الشرطة، مرورًا بتحقيقات النيابة، وصولًا إلى الرأي النهائي الذي توصلت إليه هيئة المحكمة بإجماع الآراء، وتابع: أوراق قضية الإعدام بعد تسليمها لدار الإفتاء تمر بأربع مراحل داخل الدار وهي مرحلة «الإحالة، الدراسة والتأصيل الشرعي، التكييف الشرعي والقانوني، والتأمين من التسلم إلى التسليم».

وفيما يخص المرحلة الأولى قال المصدر: من المهام المنوطة بدار الإفتاء المصرية إصدار الفتوى في قضايا الإعدام، حيث تحيل محاكم الجنايات وجوبًا إلى مفتى الجمهورية القضايا التي ترى بالإجماع، وبعد غلق باب المرافعة وبعد المداولة إنزال عقوبة الإعدام بمقترفيها، وذلك قبل النطق بالحكم، تنفيذا للمادة «381/2» من قانون الإجراءات الجنائية، وبمقتضى هذه المادة توقف تطبيق العقوبات المقررة في الشريعة الإسلامية في «الحدود والتعازير»، كما توقف تطبيق قواعد الإثبات في فقه هذه الشريعة عند النظر في الجرائم بوجه عام ؛ وذلك لما تقرر في الشريعة من درء الحدود بالشبهات.

وأضاف: أما فيما يخص مرحلة الدراسة والتأصيل الشرعي، فهي تعنى بفحص المفتي القضية المحالة إليه من محكمة الجنايات، ويدرس الأوراق منذ بدايتها، فإذا وجد فيها دليلا شرعيا ينتهي حتما ودون شك بالمتهم إلى الإعدام وفقا للشريعة الإسلامية يفتي به، أما إذا خرج ما تحمله الأوراق عن هذا النطاق، كان الإعمال للحديث الوارد مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم وموقوفا عن عائشة وعمر بن الخطاب وابن مسعود وعلي رضي الله تعالى عنه، والذي صار قاعدة فقهية في قضايا الجنايات لدى فقهاء المسلمين «لأن يخطئ الإمام في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة»؛ بمعنى أنه في حالة عدم موافقة تلك الأدلة لشروط الإعدام فإنه يتم الإفتاء بعدم وجوب الإعدام، وذلك لأن القرآن حرم قتل النفس بغير حق، فوجب التحقيق من واقع الجريمة وتكييفها وقيام الدليل الشرعي على اقتراف المتهم إياها حتى يقتص منه.

وفيما يتعلق بالضوابط والقواعد التي تحتكم إليها الدار في إصدار رأيها فيما يتعلق بـ«أحكام الإعدام»، قال المصدر: تلتزم دار الإفتاء بعرض الواقعة والأدلة حسبما تحمل أوراق الجناية على الأدلة الشرعية ومعاييرها الموضوعية المقررة في الفقه الإسلامي، وتكييف الواقعة ذاتها وتوصيفها أنها قتل عمد إذا تحققت فيها الأوصاف التي انتهى الفقه الإسلامي إلى تقريرها لهذا النوع من الجرائم.

ثم تأتى بعد ذلك مرحلة التكييف الشرعي والقانوني، والحديث لا يزال للمصدر ذاته، حيث تعاون المفتي في هذه المرحلة هيئة مكونة من ثلاثة من المستشارين من رؤساء محاكم الاستئناف، مهمتهم دراسة ملف القضية، لبيان ما إذا كان الجرم الذي اقترفه المتهم يستوجب إنزال عقوبة القصاص حدًا أو تعذيرًا أو قصاصا أو لا، وأنه نظرًا لخطورة ملف قضية الإعدام فإن المستشارين المعاونين لفضيلة المفتي يدرسون ملف القضية دون نسخ أي ورقة من أوراق القضية بأي طريقة من طرق النسخ، ويجب أن تراجع القضية ويكتب التقرير الخاص بالقضية داخل مقر دار الإفتاء، ولا يخرج أي تقرير أو أي ورقة خاصة بالقضية خارج مقر الدار، نظرا للسرية التامة المحيطة بالقضية.

وأردف: ثم بعد ذلك يعرض المستشارون القضية على المفتي، لإبداء الرأي النهائي من دار الإفتاء فيها، لتأتي المرحلة الأخيرة وهي التأمين في التسلم والتسليم داخل دار الإفتاء المصرية، ويظل ملف القضية والتقرير النهائي المعتمد من المفتي بدار الإفتاء، حتى يأتي مندوب المحكمة في الوقت المحدد له سلفا، ومعه خطاب من المستشار رئيس المحكمة، مدون به اسم المندوب، لاستلام ملف القضية والتقرير المعتمد من المفتي بعد التأكد من شخصيته، وذلك بعد التوقيع في الدفتر الخاص باستلام القضايا أمام الموظف المختص، وكل ذلك يتم في سرية تامة.

وحول عدد القضايا التي تتم إحالتها إلى دار الإفتاء سنويًا، قال المصدر: يعرض على المفتي كل عام في المتوسط 300 قضية إعدام سنويًا، بواقع 25 قضية شهريًا تقريبًا، وهناك ما يعادل 95% من الحالات التي يتوافق فيها رأى المفتى مع رأي المحكمة من القضايا المحالة له، وفى حالة عدم الموافقة مع رأي المحكمة فإن الدار تبدي رأيها مع تفويض هيئة المحكمة في اتخاذ القرار النهائي بشأن المتهمين، لأن هيئة المحكمة هي التي ترى المتهمين وتحاورهم بشكل مباشر وتطلع على تعبيراتهم أثناء الحديث، فالمفتي لا يرى الشخص المحكوم عليه، لكن تتم دراسة القضية من واقع الأوراق المقدمة إليه من المحكمة منذ بدايتها، فإذا وجد فيها دليلا شرعيا ينتهي حتما ودون شك بالمتهم إلى الإعدام وفقا للشريعة الإسلامية أفتي بهذا الذي قامت عليه الأدلة.

وواصل: رأي المفتي في قضايا الإعدام استشاري، حيث تحيل محاكم الجنايات وجوبا إلى فضيلة المفتي القضايا التي ترى بالإجماع وبعد إقفال باب المرافعة وبعد المداولة إنزال عقوبة الإعدام بمقترفيها، وذلك قبل النطق بالحكم، تنفيذا للمادة (381/2) من قانون الإجراءات الجنائية.

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية