رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الفتوى الشرعية ومسارات التجديد


تعقد الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم برئاسة الأستاذ الدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية مؤتمرها الثالث على التوالي في الفترة من السادس عشر إلى الثامن عشر من شهر أكتوبر من العام الجاري، وهو المؤتمر الذي يأتي تباعًا لما سبقه من مؤتمرات ناقشت حدود الفتاوى الشرعية وبينت مسارها للتعبير عن أهميتها ودورها في حياة الناس..


وإذا كانت المؤتمرات السابقة قد ناقشت قضايا مهمة كالتركيز على فقه الأقليات وتناول دور الفتوى في استقرار المجتمعات، وهي قضايا ذات شأن في واقعنا المعاصر ولها حيثيات كبيرة في المجال الشرعي المرتبط بالفتوى، إلا أنَّ هذا المؤتمر الذي تعقده الأمانة العامة هذا العامة يعد شاملًا لكثير من القضايا التي تتصل بحياة الناس وواقعهم وما فيه من مستجدات لا بدَّ أن تتكيَّف مع حدود الشرع الحنيف، ولذلك جاء عنوانه: «التجديد في الفتوى بين النظرية والتطبيق».. وهو عنوان يعبِّر عن مضامين عديدة يحتويها، وأفكار كثيرة يتناولها تختلط بواقع الناس ولا ينفك الناس عنها.

ولا شك أن قضية التجديد في الفتوى خاصة في زماننا هذا ترتبط بها أمور عدة تجعلنا نناقشها داخل المؤتمر الذي تعقده الأمانة العامة، لكن أول ما يناقشه المؤتمر على رأس تلك الأمور التعرض لذلك المصطلح الفضفاض الذي نسمعه دائما في محافل متعددة ألا وهو مصطلح التحديد، ومن هذا المنطلق دعا المؤتمر في بدايته إلى الوقوف على ماهية وحقيقة هذا التجديد وخاصة فيما يتعلق بمجال الفتوى الشرعية، وتأتي تلك الأولوية في الحديث عن ماهية التجديد في الفتوى كي يوضح المؤتمر من بداية انعقاده مفهوم التجديد في إطار الفتوى الشرعية، وعلى أساس هذا البيان ينطلق المؤتمر ويكون لدى من يتابعه معرفة بما يدور حوله من أفكار وقضايا.

ثم يأتي بعد بيان ماهية التجديد في الفتوى الشرعية ما يترتب عليه من بيان المعايير المعتبرة فيمَن يتصدر لفتوى الشرعية، وهذا أيضا يعرض له المؤتمر؛ لأن معرفة المعايير والوقوف على الإحاطة بها يعد توطئة للكلام في جوانب التجديد في إطار الفتوى بشكل عام، ولأنه أيضا لا يمكن أن يَقْوَى على محاولة التجديد في الفتوى الشرعية إلا من تحققت فيه المعايير التي على أساسها يتم التصدر للفتوى..

وإذا انعدمت تلك المعايير فيمن يتصدرون للفتاوى الشرعية فإنه لا يُستطاعُ تناول أي جديد في قضايا الإفتاء لانعدام أهلية النظر في ذلك الأمر، ومن هنا يبين المؤتمر أهمية المؤسسات أو أهمية العمل المؤسسي في صدور الفتاوى الشرعية، فهي القادرة على النظر في قضايا التجديد في الأمور الشرعية بشكل عام لأن معايير الفتوى الشرعية التي اعتبرها العلماء متحققة ومجموعة في تلك المؤسسات..

وخاصة ذلك المعيار الذي يهتم بمراعاة الزمان والمكان والأحوال والأشخاص والأعراف، ومن هنا فإن مؤسسة كدار الإفتاء المصرية أو مجمع البحوث الإسلامي أو مجمع الفقه الإسلامي الدولي أو غيرها من المؤسسات التي تُعنَى بشأن الإفتاء في أنحاء العالم، مثل تلك المؤسسات تكون قادرة بالفعل على النظر في التجديد في الفتاوى الشرعية.

أيضًا فإن من أولويات القضايا المطروحة للمناقشة في مؤتمر التجديد في الفتوى قضايا حقوق الإنسان، فالإنسان بنيان الله، والاهتمام بقضايا حقوقه من أجلِّ ما يمكن أن تهتم به المؤسسات وتناقشه المؤتمرات والمحافل الدولية، ومن هذا المنطلق يناقش مؤتمر التجديد في الفتوى هذا العام تلك القضية..

فيتناول الأطر العامة للفتوى وتعلقها بالجاليات المسلمة في الخارج أو ما يسمى بفقه الأقليات والنظر في محاولة تجديد الفتوى المتعلقة بها، وهذا من أهم ما يمكن تناوله في وقتنا الحالي، وكذلك يتناول المؤتمر تعلق الإفتاء بحق الإنسان في التعليم والمعرفة، والاهتمام بشأن الأسرة المسلمة ومعرفة المستجدات التي تَعرِضُ لها..

وبناء الفتوى على أساس تلك المستجدات من أهم الأمور التي يتناولها المؤتمر أيضًا، ولا ينسى المؤتمر والقائمون عليه من العلماء الأجلاء أهم حق من حقوق الإنسان ألا وهو حقه في الاعتقاد والتعبير عن آرائه وحريته وتعلق الفتوى بتلك الحرية، كما أن المؤتمر يناقش في إطار التجديد في الفتوى قضايا المرأة، وهي التي تعد محور قضايا حقوق الإنسان التي ينبغي الاهتمام بها؛ نظرًا لما تتعرض له المرأة لكثير من الانتهاكات التي تسلب آدميتها خاصة في تلك الأوقات التي تمر بها بعض البلدان باضطرابات كبيرة؛ ولذلك وجب التنبيه على قضايا حقوق الإنسان وتعلقها بأصول الإفتاء في مؤتمر الأمانة العامة هذا العام.

يدخل معنا ضمن مستجدات الأمور التي يناقشها مؤتمر التجديد في الفتوى والتي لها تعلق كبير بالفتوى الشرعية، القضايا التي تتعلق بالمستجدات الطبية التي تظهر في عالمنا اليوم تبعًا للتطور العلمي الهائل في تلك الأمور، ولابد مع هذا التطور من بيان القواعد العامة للإفتاء فيها، فإننا في تلك الأيام يقع على مسامعنا قضايا لم تكن موجودة من قبل كاختيار نوع الجنين والاستنساخ والتلقيح الاصطناعي الداخلي وزراعة الأعضاء وغير ذلك من أمور تستدعي قبل القيام بها تحصيل فتاوى شرعية تتعلق بها..

خاصة وأنها مرتبطة بحياة الإنسان وموته، وهنا ينبغي إدراك مفهوم الحياة والموت ومدى تعلقه بالإفتاء، وهذا أيضا ما يتناوله مؤتمر التجديد في الفتوى، بجانب تعلق الفتوى بقضايا الهندسة الوراثية وما تشتمل عليه من أمور يترتب عليها الإفتاء؛ كفحص الجينات ونقلها إلى الخلايا وغيرها من مواضيع تتعلق بالهندسة الوراثية لا بد من مناقشتها ومعرفة مدى ارتباطها بالفتوى.

كما أن مؤتمر تجديد الفتوى يناقش قضايا الاقتصاد والمستجدات التي تحدث فيها ومدى تعلق الفتوى بتلك المستجدات، فحياة الناس المالية تتنوع كل يوم ويستجد فيها أمور لم تكن موجودة من قبل؛ كالأمور المتعلقة بالبورصة والتسويق الشبكي وما يحدث في سوق الأوراق المالية ومدى تعلق الضوابط الشرعية بتلك الأمور والتي ينتج عنها أسئلة تطرح على المفتين وتتطلب الإجابة عنها نظرة تجديدية في شأنها وائتلافًا بين الموروث فيها وما يعرض من نوازل جديدة.

ولا شك أن كل تلك القضايا تحدث داخل الدول التي يعيش فيها الناس، ويحيون في أمانها وتطمئن إليها نفوسه ومعاشهم، وعلى أساس ذلك لابد أن يفهم معنى الدولة في المفهوم المعاصر وتُوضَّح علاقته بالفتوى، وهو ما يطرحه مؤتمر الأمانة العامة هذا العام، فالدولة بشكل عام كيان لابد أن نضعه نصب أعيينا من أجل سلامته، وهذه السلامة تقتضي بيان قواعد الإفتاء في الأمور العامة المتعلقة بشئون الدولة، حتى لا يكون شأن الفتوى في أمور الدول عرضة لتناول المتطرفين له، وهو أمر يحدث بالفِعلِ ويحاول المؤتمر أن يعرض ويحلله تحليلا نقديا يصل من خلاله إلى هدم أفكاره، ومن هنا ندرك أن الإفتاء له دور كبير في استقرار الدولة وشيوع الأمن فيها، وإذا شاع الأمن في الدول من خلال الفتوى الشرعية الصحيحة فإن شيوع الأمن وتصحيح العلاقات الدولية سيتحقق أيضًا.

كل هذه الأمور وغيرها من قضايا يناقشها مؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم هذا العام، وهي محاولة منه للنظر في التجديد في قضايا الشأن الديني والدنيوي التي تتعلق بالفتوى، فإن ما يستجد في حياة الناس غالبا ما يتم السؤال عنه في الشريعة الإسلامية، وعلى القائمين على أمور الشريعة أن يبينوا وجه الصواب في تلك الأمور كلها.
Advertisements
الجريدة الرسمية