رئيس التحرير
عصام كامل

حكاية أقدم عائلة احترفت صناعة أقفاص وأسرة الجريد في قنا (فيديو وصور)

فيتو

في إحدى الحواري الضيقة بشوارع مدينة قوص، التابعة لجنوب محافظة قنا، تفترش أسرة مكونة من الأب والأم "طاعنين في السن"، الأرض، ويظهر على وجهيهما قسوة الزمن، وتجلس بجوارهما ابنتيهما عيناهما تحلقان في السماء أملا في غد أفضل، احترفوا صناعة الأقفاص بالجريد لتشكل مصدر رزقهم الأساسي في الحياة.


بداية الطريق تتواجد السيدة عمرها ناهز الـ60 عاما، مرتدية الرداء الصعيدي المعروف بين النساء وتجلس بجوار الزوج الطاعن في السن ويكبرها بعشر سنوات، ومهمتها تركيب أقفاص الفراخ وسدة حظائر الحيوانات، رافضة على استحياء أن تقترب من وجهها عدسة الكاميرا ليس هروبًا من العمل كما ذكرت بل عيبًا وحرصًا على العادات والتقاليد التي ترفض ظهور المرأة.

وفاء زوجة
"أنتِ عارفة يابنتي إحنا صعايدة، وعيب علينا نتكلم في التليفزيون والصحافة".. بتلك الكلمات بدأت "أم الشيخ عبادي" حديثها معنا، وقالت: "تعلمت تلك هذه المهنة على يدي زوجي، وتعلمت أعمل الأقفاص بكافة مشتملاتها وسراير الجريد وتعلمت ايضًا صناعة سدة حظائر الحيوانات وأقفاص الفراخ".

وتابعت: "على مدار ما يقرب من 30 عامًا وأعمل مع زوجي وابنتي ونساعده في العمل، فالمرأة الصعيدية معروفة بقوتها وصلابتها وتحملها المسئولية وأنها تقف يدًا بيد مع الرجل، وهذا ليس عيبًا بل فخر لها، وأبنائي منهم من تعلم المهنة ومنهم من كمل تعليمه وتخرج من الجامعات وأصبحوا في وظائف حكومية حاليًا، وهم لا يرفضون عملنا فالعمل بشرف وجد لا يعيب الأهل بل يزيدهم علوًا بين الناس".

أسرار المهنة
وعلى مقربة من الزوجة يجلس زوجها الشيخ محمد عبادي أقدم قفاص بقوص، والذي يعمل بالمهنة منذ ما يقرب من 50 عامًا تقريبًا، والذي استرجع شريط حياته على مدار السنوات السابقة كما لو كان هذا الأمر بالأمس ليروي تفاصيل وأسرار مهنته التي أفنى عمره فيها.

وقال: "الجريد كان في الماضي بملاليم وأصبح اليوم بجنيهات والأسعار كل يوم تزداد في حين أن الإقبال أصبح ضئيلا على المنتج"، مشيرا إلى أن الأقفاص وسدة حظيرة الحيوانات هي من أكثر المنتجات طلبًا في القرى.

وتابع: "100 جريدة كانت منذ سنوات بـــ15 جنيهًا أصبحت اليوم 130 جنيهًا، والقفص كان بـ4 جنيهات ونصف أصبح حاليًا بــ25 جنيهًا، فالأسعار في زيادة رهيبة في السنوات الأخيرة".

نجفة القلب
وتجولنا داخل حارة العبادي حيث تتواجد فتاة عشرينية أطلق عليها والدها الشيخ العبادي "نجفة القلب" ترتدي الإيشارب والرداء الصعيدي وبيدها جوانتي صوف رغم ارتفاع درجة الحرارة والتواجد بالشارع في الشمس، وبسؤالنا عن سر الجوانتي في الصيف قالت: "بيحميني من الشوك الناعم في الجريد أثناء الدق".

وتابعت نجفة حديثها: "العمل مع والدي وأسرتي في هذه المهنة كان باختياري، وأحس بمتعة بالرغم من صعوبتها في البداية إلا أنها أصبحت بالنسبة لي عادية".

وعن طبيعة عملها قالت: "بقوم بتخريم ودق الجريد وتنعيمه حتى يصل إلى مرحلة التركيب التي تقوم بها والدتي".

سرير للعرائس
ويلتقط حسن عبادي، أطراف الحديث ليسرد جانبا آخر في الصنعة، وقال إن الجريد كان ولا يزال يصنع منه الأسرة، وفي الماضي كان يخصص للعرائس ولا يتم يتم الزواج إلا بعد شرائه، لكن حاليا اقتصر استخدامه على سدة لحظيرة المواشي، لافتًا إلى أن الصناعة تنهار بسبب الصناعات الحديثة.
الجريدة الرسمية