رئيس التحرير
عصام كامل

«الكاحول».. حكايات من دفتر «المتهم البريء»

صورة ارشيفيه
صورة ارشيفيه

«الكاحول» مصطلح ربما لا يعرفه الكثيرون لكن ما من أحد إلا وتعامل معه، وإن اختلف المسمى، فالمعنى الحرفي لصاحب لتلك المهنة، هو «البرفان» أو الستار الذي يتعامل من خلاله صاحب المال أو كبير المقاولين لطرح العشرات من الوحدات السكنية والعمارات، ويكون دور الكاحول هو المال الظاهري لتلك الوحدات أمام المستأجرين والملاك من خلال الأوراق للتوقيع عليها، والمخالصات الحكومية.


وبالتالي فالكاحول المتحمل القانوني لجميع المخالفات أو الإجراءات التي تقع على تلك الوحدات، ويأتي من خلفه رجل المال المالك الفعلي، ليتولى مسئولية الدفع بمحامين وفريق دفاع حال حدوث أي خطأ قانوني على «الكاحول».

ذلك الكاحول لم يقع الاختيار عليه بشكل عشوائي لكن هناك شروطا وضوابطا يضعها صاحب المال قيد حساباته، إلى جانب الضمانات اللازمة حال تمليك الأول كل شيء وهو ما يعرف في سوق العمل بـ«ورق الضد».

من تلك الشروط وأهمها أن يكون الكاحول صاحب حاجة إلى المال ومستعد لتحمل جميع المخالفات القانونية وعقوبتها وإن وصلت للحبس أو الغرامة، فإن كان السجن يتحمله الكاحول مقابل مبلغ مالي أو نسبة يدفعها له صاحب المال، وإن كانت الغرامة يتولى دفعها مباشرة صاحب المال.

الأمر كله عبارة عن أوراق متبادلة ومستندات مختلطة، ولا يعلم أحد من الجاني ومن المجني عليه، إنها قضية "الكاحول" ذلك المواطن البسيط الذي تنتقل إليها ملكية المجمعات السكنية التي يمتلكها رجال المال بشكل صوري، ويصبح هو المسئول عن جميع الأوراق الخاصة بها والقضايا التي تخصها، مقابل مبلغ معين ونسبة على كل عقار، ليتفادى رجال الأعمال المشكلات والأزمات والوقوف في المحاكم.

زوجة كاحول سجين
صاحب تلك المهنة تظهر أينما وجدت التجمعات السكنية والمباني الحديثة، غير مرتبط وجوده بوجه قبلي أو بحري، ففي أقاصي الصعيد على سبيل المثال بمحافظة المنيا، تقول "م. أ. ع"، 33 عاما، ربة منزل، ولديها من الأبناء 4 "أكبرهم مصطفى في المرحلة الإعدادية، وأصغرهم "تغريد" ذات الـ3 سنوات: ألقي القبض على زوجي "مصطفى.أ. ر"، البالغ من العمر 40 عاما، عام "2015" بتهمة النصب والاحتيال ومخالفة رخص البناء والبناء على أراض تابعة لأملاك الدولة بمركز العدوى، شمالي المحافظة.

وتابعت قبل ذلك كان زوجي يعمل في مجال المعمار، مع ارتفاع الأسعار الملاحظ بشكل مستمر، لم يستطع "مصطفى"، أن يرفض عرضا جاء به صديق بإحدى قرى مركز"المنيا"، على أن يتولى بناء برج من بدايته حتى نهايتة ويقوم بـ"جميع الإجراءات لإقامة البناء بدءا من استخراج التصاريح اللازمة، ورخصة البناء ومرورا بمباشرة عمليات البناء والتواصل مع الحي والمحافظة والتعاقد مع الراغبين في استئجار أو تملك الوحدات، على أن يتقاضى 7000 جنيه على كل وحدة خاصة بالبرج السكني المكون من 10 أدوار، كل دور يضم شقتين، أي فور انتهاء ذلك البرج وبيعه نتحصل على 140 ألف جنيه، ونحن في ذلك الوقت لم نكن نتحصل على 140 جنيها في شقتنا الإيجار.

وبعد إلحاح من الصديق اقتنع زوجي بالفكرة وتوجها إلى "هـ -س- أ"، صاحب رأس المال وحصل على 10.000 جنيه ليبدأ في البناء وإنهاء الأوراق داخل المجالس المحلية والمرافق.

وبالفعل قبل الانتهاء من البرج أعلن "ه - س - أ"، صاحب رأس المال عن بيع وتملك الشقق السكنية، وكان "مصطفى" يقوم بالإمضاء على العقود، وصاحب المال هو من يقوم باستلام مبالغ الوحدة السكنية حتى إنه تم بيع شقق الدور العاشر قبل اكتمال الدور الثالث.

وذات يوم فوجئنا بهروب "هـ - س - أ"، بالمال ولم يبق لدى رجال الأمن سوى مصطفى لتوقيعه على جميع الأوراق.

مسجل خطر
ومن جانبه قال "محمد سيد"، رئيس مدينة المنيا: إن أصحاب رأس المال الذين يقومون ببناء العمائر السكنية معروفون لدى الجميع، تجده جالسا يتابع أعمال البناء، لكن في تحرير عقود البيع والشراء والمرافق في المجالس المحلية تجد شخصا آخر، يعرف بـ"الكاحول"، صعب الوصول إليه لأنه عادة يكون من خارج المحافظة أو مركز آخر، شخصا غير مألوف لدى الجميع، يتم استدراجه عن طريق ظروفه المادية الصعبة، وكثيرا ما يكون صاحب سجل إجرامي، هؤلاء الأشخاص لم يمثل لهم السجن أي عائق، بل ويحصل على وعود من صاحب المال أنه قادر على إخراجه وتعويضه ماديًا.

الكاحول الهارب
ومن الجنوب لأقصى الشمال في محافظة الإسكندرية يقول ربيع محمد، حارس عقار بمنطقة العجمي غرب الإسكندرية: كان لي صديق أتى معي من الصعيد منذ سنوات وبعد فترة أرسل لزوجته وأبنائه، وبعد فترة تكالبت عليه الظروف الاقتصادية وزاد عليه المرض إلى أن عرض عليه أحد المقاولين أن يعمل "كاحول" لديه وأفهمه أن قضايا المباني والغرامات تأتي بعد سنوات طويلة وستكون على قريته بالصعيد.

وأضاف، بعد مشاورات والحاجة والمرض قبل العرض وكان أول مبلغ 10 آلاف جنيه مقابل التوقيع على أوراق خاصة بأرض وبرج سكني وتوكيل عام للمحامي للتصرف في القضايا وتوكيل آخر للمقاول بالبيع والشراء، وفي إحدى الأيام فوجئ بصدور عدة أحكام ضده وحذره المقاول وهرب لبلدته وبالفعل كانت قوة من تنفيذ الأحكام قد توجهت لبلدته، فمكث في بلد أهل زوجته فترة إلى أن توقف البحث عنه، وعلمت من أحد معارفنا أنه عاد مرة أخرى للإسكندرية واستخدمه نفس المقاول في مكان آخر بمبلغ 15 ألف جنيه، لكننا لا نعلم عنه شيئا ولا نعلم حقيقة استمرار عمله كـ«كاحول» في الإسكندرية أم أنه توجه لمحافظة أخرى هربًا من المطاردات الأمنية.

بداية الظهور
حاول خبراء القانون توضيح ملابسات القضية وكيف ينظر القانون لها، حيث يقول "رفعت عبد الحميد" أستاذ العلوم الجنائية، إن الكاحول ظهر خلال فترة حكم الخديو إسماعيل وموجود حتى الآن وما زال يتربع على سقف صفقات العقارات في الكثير من المحافظات، مشيرا إلى أن الكاحول شخص طبيعي ليس أميا أو جاهلا يتحمل الأحكام المدنية والمالك الأصلي يتحمل العقوبات المالية فقط.

وأشار أستاذ العلوم الجنائية أن الخطورة الأساسية التي لا يعلمها الكثير أنه بوفاة الكحول تؤول كل الأملاك لورثته طبقا لأحكام المواريث، مؤكدا على أن الكاحول ما زال يتربع على عرش الفساد وجميع أجهزة المحليات تعلم شخصيته لكنها تتعامل بالمستندات، أما التمويل العقاري لا تسمح بالتعامل مع الكاحول وتطلب أصل الورق، فالقروض لا تقدم للمشتري الجديد.

الموقف القانوني
وأكد "عبد الحميد"  أن الكاحول خطر على العامة ومؤسسات الدولة، لخلق مالك مواز غير مشروع ليس له مركز قانوني، حيث يعد مركزه القانوني مفتعل، كما أنه يضر بالمالك كما ذكرت ويضر بنفسه، فهو متهم أمام المحاكم بتهمة الغش وتزوير مستندات وانتحال شخصية مالك، وتلك الجرائم عقوبتها تصل للسجن 10 سنوات، موضحا المالك يحصل على ورقة الضد من الكحول مقابل من 10 آلاف : 20 ألف جنيه كبداية تعاقد، وله على كل عقار أو أرض نسبه معينة.

ضحية مجتمع
وعلى الجانب الآخر، يقول "سعيد صادق" أستاذ علم الاجتماع إن اللجوء إلى وسيط كالكاحول أكبر دليل على أن هناك أمرا غير شرعي يدبر كمحاولة على سبيل المثال الهروب من الضرائب، مؤكدا أن الكاحول يعتبر مجنيا عليه، ضحية للفقر الذي يعيش فيها، ليس لديه أمل في الحياة، مبرره الوحيد في ذلك "كده خسران كده خسران نحاول تجربة هذا الطريق يمكن اكسب".

ونوه "أستاذ علم الاجتماع" أن الكاحول يعلم جيدا أن هناك شيئا خطأ يدبر، لكن يحاول إغفال ذلك، تحت مبرر أنه مجرد وسيلة، ويأمل في تحقيق غايته، بالرغبة في الحياة ولو ربع معيشة هؤلاء أصحاب الأموال، لافتا إلى أن صاحب الأملاك يعتبر جانيا والكاحول ضحية مجتمع.
الجريدة الرسمية