رئيس التحرير
عصام كامل

حكاية قرية الخان الأحمر بفلسطين.. أبناء الشعب ينتفضون لوقف هدمها

فيتو

في الخامس من سبتمبر الحالي رفضت المحكمة الإسرائيلية العليا الطلب الذي قدمه أبناء "لجنة مقاومة الجدار والاستيطان" الفلسطينية، لتعدل الحكومة الإسرائيلية عن قرارها بشأن هدم قرية "الخان الأحمر"، الواقعة شمالي القدس المحتلة، ضمن 46 قرية بدوية أخرى تمتد على 1000 كم، أي نحو 20% من مساحة الضفة الغربية، وضمها إلى مشروع استيطاني توسعي يحمل اسم A1.


وكعادتها ضربت سلطات الاحتلال بالالتماس الفلسطيني عرض الحائط، وعقدت العزم على تسوية القرية بالأرض، وتهجير سكانها الذين يفوق عددهم 200 مواطن، زحفت الجرافات داخل القرية وتمددت لتحيط مداخلها الرئيسية، واصطف الجنود أصحاب البدلة الزرقاء بعرض القرية، فضلا عن طائرات الاستطلاع التي تمشط سماء الخان ليل نهار تحسبا لأي محاولة من أبناء القرية لإعادة بناء ما تم هدمه من منازل وخيام.


الصرخة الفلسطينية سرعان ما دوت في محيط القرية معلنة حالة الاستنفار منذ الخامس من سبتمبر وحتى هذه اللحظة، فُتحت الأبواب الموصدة بفعل القوى الاستعمارية، التحمت أجساد أبناء رام الله مع أبناء بلدة القدس القديمة وقرية بلعين وقرى الضفة الأخرى.

ونُصبت الخيام في وسط الخان، وعلى مرأى من جنود الاحتلال الذين حاولوا مرارا فض هذه الاعتصامات، لكن كل محاولة فاشلة كانت تلحق بأختها.

"تم تنظيم حملة شبابية مقدسية – فلسطينية، تضم كافة متطوعي دولة فلسطين ليكونوا متواجدين خلال الـ 24 ساعة في حالة الهجوم على القرية؛ لنكون موجودين هناك ومستعدين للدفاع عن أبناء القرية البدو"، كلمات جاءت على لسان نضال جون جوزيف 25 عاما ابن بلدة القدس القديمة الذي حضر إلى قرية الخان الأحمر منذ عدة أسابيع؛ للدفاع عن حق إخوته في البقاء بقريتهم، وإجهاض محاولة الاحتلال في تقسيم الضفة الغربية إلى جناحين شمالي وجنوبي.



البداية كانت عقب عيد الفطر المبارك، وبالتزامن مع انطلاق فعاليات مونديال روسيا 2018، كانت بداية أول تجمع مناصر لأبناء قرية الخان من البدو، بتنسيق "عبد الله أبو رحمة" الناشط بهيئة مقاومة الجدار والاستيطان، وهو أيضا منسق حملة "أنقذوا الخان الأحمر" التي انطلقت في 14 يونيو الماضي، منذ أن أطلقت حكومة الاحتلال شارة البدء في تأسيس المشروع الاستيطاني، "وقتها قررنا عرض مباريات المونديال داخل القرية، وأحضرنا شاشة كبيرة في مدرسة القرية المبنية بالكاوتشوك، رسالة منا للعالم المنشغل بالمونديال بأن هناك قرية في القرن الـ 21 مهددة بالهدم، وأن الاحتلال كان يقول للأهالي "أنتم وحدكم ولن يساعدكم أحد كون القرية بعيدة عن التجمعات السكنية والمدن والقرى الأخرى، والأفضل أن تستسلموا، ولكنهم شعروا بأنهم ليسوا وحدهم وجميعنا معهم؛ ما دفعهم لرفض العروض التي يطرحها عليهم الاحتلال"، هكذا تحدث عبد الله.

وكلما انقضى أسبوع من شهر سبتمبر الجاري تتزايد أعداد المعتصمين والمتضامنين مع قرية الخان الأحمر شرقي القدس المحتلة، امتلأت الخيام عن آخرها بكافة أطياف الشعب الفلسطيني، نفضوا عن ثوبهم غبار الخلافات السياسية، واتحدوا لهدف واحد وهو منع هدم القرية التي تعد الخيط الأرق والأصغر الذي يربط أبناء الضفة ببعضهم، وتريد قوات الاحتلال تمزيقه وشق طريق لها يصل بين مدينة القدس وما يجاورها، تمهيدا لإعلانها عاصمة لدولة الاحتلال.

أبناء القدس كان لهم رأي آخر، وضعوا جثثهم في كفة أمام هدم القرى، استحضروا جسد وكلمات ابن وطنهم الراحل "محمود درويش" حينما قال: "خذوا حصتكم من دمنا.. وارحلوا".

"شُحذت الهمم وانضم إلينا المئات أقسمنا ألا نترك الخيام طوال الـ 24 ساعة مهما حدث، كلما حضرت جرافات للهدم، وقفنا قوفها وتصدينا لها، حتى أن قوات الاحتلال وزعت جنودها عند مداخل الخيام لإرهابنا وحصارنا داخلها، لكننا قاومنا وخرجنا لمنع وقوع الكارثة، لكن هدموا منزلين في التجمعات البدوية، وحاصروا مداخل خيمة الاعتصام، وأحاطتها جنود الاحتلال حتى لا نستطيع الخروج ومنع هدم المنزل، وراحوا المنزلين وأصبح أصحابهم بلا مأوى، وبيناموا عند بعض" يقول نضال.


منذ نحو أسبوعين وفي الساعات الأخيرة من الليل، شرع المعتصمون من أبناء فلسطين بالتعاون مع البدو سكان القرية في بناء قرية تبعد أمتار قليلة عن الخان تحمل اسم "الوادي الأحمر"، "كان هدفنا تسليط الضوء على وجود قرية ستهدم وأرسلنا رسالة للاحتلال إننا لن نقبل هذه القرارات، وأننا سنبني مهما هددوا وضربوا واعتقلوا الأعداد منا"، لكن في غضون أيام قليلة اكتشفها الاحتلال ودمرها تماما، ولم يبق لها أثرا، "بعدها حاولوا هدم المدرسة الوحيدة بالقرية، والتي يرتادها العشرات من أطفال القرية، لذلك كانت نقطة انطلاقنا منها، هم أرادوا تدمير أكثر نقطة ارتكازية بالقرية، ياللي بنعرف منذ أعوام إنهم يريدون تدميرها، لكنهم لم يستطيعوا هدم المدرسة ما دفعهم لحصارنا، وإعلان المنطقة كثكنة عسكرية ممنوع السير أو البناء عليها"، يتحدث نضال جوزيف.


طبيعة بدو الخان الأحمر النائية التي تبعد عشرات الكيلومترات عن المدن المقدسية والفلسطينية، باعدت بين ثقافة وعادات أبناء القرية والزوار الجدد من المتضامنين والمعتصمين، "سكان الخان استقبلونا بالترحيب رغم أنهم متقوقعون، وعاداتهم تختلف عن عادات المجتمع الفلسطيني ككل، ولهم عاداتهم الخاصة ما بيدخلوا عندهم أغراب، لكن نحن كان هدفنا إنسانيا لدعمهم وتقويتهم، فسرعان ما اندمجوا معنا ورحبوا بوجودنا، بل رفضوا العروض التي سبق أن قدمتها لهم الحكومة الإسرائيلية لترك أراضيهم"، يؤكد نضال.



أحمد أبو رحمة 45 سنة، أحد سكان قرية بلعين برام الله، خُصصت لها مهام تنظيم الحضور وتوزيع الوجبات وإعداد القهوة وجمع المصلين كل جمعة لأداء الصلاة في جماعة، "كون المنطقة صحراوية ودرجة الحرارة بها مرتفعة نتبادل الأدوار، ونوزعها لتحديد من سيحضر الطعام اليوم، ومن سيوزع القهوة على الحضور، العدد بيكون فوق الـ200 شخص، ورغم الظروف الصعب والطبيعة الصحراوية وتكاثر الحشرات إلا إننا باقون هنا حتى يرحلوا بجرافاتهم ومعداتهم ومخططاتهم".

أيام قليلة وربما ساعات تفصلهم عن اللحظة المنتظرة رغم كل المحاولات، أمهلتهم قوات الاحتلال مدة أسبوع: "قالوا أمامكم أسبوع، وستهدمون أنتم البيوت عنوة بأيديكم".
الجريدة الرسمية