رئيس التحرير
عصام كامل

حسـن زايد يكتب: إعـلاميو آخر الزمان

حسـن زايد
حسـن زايد

أنا لست متخصصًا في مجال الإعلام، ولا أزعم أنني قد قرأت في مجاله على نحو يؤهلني للكلام فيه. ولست بصدد تقييم من يعملون في هذا المجال، سواء من المتخصصين أو المقتحمين المجال دون تخصص، لعدم امتلاكي ناصية مقاييس التقييم وأدواته ومناهجه. وكلامي هنا لا يتعدى كونه انطباعات قد تصادف المجال، وقد لا تصادفه.


والإعلام ليس لوغاريتمًا، أو معادلة كيميائية، بمعني أنه علم يمكن فهمه واستصحابه نظريًا وتطبيقيًا، دون الرجوع إلى جداول اللوغاريتمات أو الجداول الكيميائية.. فالإعلام لغة: الإبلاغ والإفادة. وهو نقل معلومة ما لشخص ما، وتأكيد درايته بهذه المعلومة. والتعريف الإصطلاحي لا يبتعد كثيرًا عن التعريف اللغوي، حيث يُعرف اصطلاحًا بأنه إحدي الوسائل التي تتولي نشر الأخبار، وإيصال المعلومات للأفراد / الجمهور، ويتم ذلك من خلال وسائل تقنية تسمى وسائل الإعلام، عن طريق شخص يتولى النشر أو النقل أو الإيصال في الإذاعة أو التليفزيون أو الصحافة، ويطلق عليه إعلامي.

ومع تفجر الثورة التليفزيونية، كوسيلة مرئية، ضمن مجموعة من الوسائل، تطورت وظائف الإعلام، فإلى جانب تمثيل الرأي العام، فإنه يسعى إلى تكوينه، والتأثير فيه، وتوجيهه، إلى جانب نقده، والرقابة عليه، فضلًا عن ترفيهه وتسليته وتثقيفه.

وربما تصادف بحكم الواقع المعولم، أن شهدت التقنيات تقدمًا غير مسبوق، من حيث الهندسة الصوتية، والإضاءة، والديكورات المعدة لاستديوهات البث، وكاميرات النقل، وتوزيعها، وأوضاعها، وزواياها. كل ذلك شهد تقدمًا غير مسبوق، وإن كانت الأوضاع في الدول النامية متأخرة، بضع خطوات في هذا المجال، بحكم فروق التوقيت في نقل التكنولوجيا.

وإلى جانب النواحي التقنية، هناك عناصر بشرية تقف وراء هذه التقنيات، لا يظهر أمامنا منها سوى المذيع، وهو الوجه الرئيسي على الشاشة، وهو ناقل الرسالة الإعلامية الخاصة بسياسة معينة، لطبقة اجتماعية معينة، والمذيع الناجح هو الذي يعمل على تطوير نفسه، وتنمية مهاراته، وصقل مواهبه.

والمذيع الناجح يتمتع بثقافة عالية، ذات مقام رفيع، ومخزون معلوماتي عالي المستوى، لأنه يعرض لبرامج مختلفة، كما أنه يتعامل مع شخصيات مختلفة، وثقافته تمنحه القدرة على الانخراط مع كل العقول.

والمذيع الناجح يتمتع باللباقة، والأخلاق الرفيعة التي تجعله يتعامل بلطف وتواضع، وهما البوابة الواسعة التي يدخل منها إلى قلوب الجماهير، فضلا عن التمتع بالشفافية والمصداقية.

أما تنمية القدرات الصوتية، وضبط مخارج الحروف، وضبط الأحبال الصوتية على طبقة الصوت المناسبة، بحيث يصبح الصوت واضحاُ وثابتًا، فكل ذلك يتأتى بالتدريب، والمواظبة عليه.

تلك هي مواصفات المذيع الناجح من وجهة نظري، فلو نظرت، ليس تقييمًا، كمتلقٍ للرسالة الإعلامية إلى حال بعض المذيعين، فهم لم يتعدوا حال إعلاميي آخر الزمان.. وآخر الزمان الإعلامي هو زمان اللا إعلام، حيث ضحالة الثقافة، وتهافت الفكر، وتفاهة الشخصية، فضلًا عن تدني الأداء المهني، وفقًا للمعايير المتعارف عليها، كشيوع الأخطاء اللغوية، تطبيقًا للقاعدة الذهبية التي مفادها: "سَكِّن تسلم". بخلاف عدم القدرة على ضبط مخارج الألفاظ، أو الحفاظ على طبقة الصوت المناسبة.

أما الجانب الأخلاقي فحدث ولا حرج.. ويتبدى ذلك في البرامج الحوارية، حيث لا يحسن الإعداد انتقاء الضيوف، ولا يحسن المذيع التفاعل معهم، وقد يتحول الحوار إلى مشاجرة، وصراخ، وسب وقذف، وتشابك بالأيدي، والتصدي لموضوعات تنتمي للجهل والخرافة والشعوذة والسحر.

ولدينا مشكلة المذيع صاحب الذات المتورمة، وتتبدى أنويته في التعالي على ضيفه، حتى ولو كان هذا الضيف من المتخصصين في مجال الحوار موضوع الفقرة أو الحلقة. وهذا المذيع يهيمن عليه تصور وهمي بأن السؤال الذي يطرحه أكثر أهمية وسخونة وفاعلية من إجابة الضيف. ومن هنا تجده لا يصبر على ضيفه بزعم ضيق الوقت، ثم يدخل معه حلبة المصارعة، من مقاطعة، وملاحقة، والقفز من سؤال إلى سؤال، في محاولة بائسة؛ لإثبات جهل الضيف، واستقطاب المشاهد إلى جانبه.

وللأسف هناك من يدفع الضيف إلى الانسحاب، أو يقوم بطرده، على نحو غير كريم، ولا يليق.

Advertisements
الجريدة الرسمية