رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

«ASORY».. قصة نجاح «بيت أزياء» مصري طرق أبواب العالمية (فيديو وصور)

فيتو

سنوات العمر تمضي سريعًا.. واحدة تلو الأخرى تعاقبت على الفتاة اليافعة في مدرستها بصحبة زميلاتها طوال مراحل التعليم المختلفة.. لحظة الافتراق قد حانت بعد ما يزيد على عقد من الزمن.. فقطار مدرسة «القلب المقدس» بمصر الجديدة وصل محطته الأخيرة.. بات لزامًا على فتيات استقللنه طوال 13 عاما أن يغادرنه إلى وجهات مختلفة.. دموع الطالبات تغلف المشهد حزنا على نهاية حقبة عِشنَها بتفاصيلها كافة– السعيدة منها والموجعة - بصحبة بعضهن.. تعاهدن على الوِصال وعدم جعل «عِشرتهن» مجرد ذكريات.. وكان الاتفاق بينهن أن يكون «حفل التخرج» ميعادا لبدء الوفاء بهذا العهد.




قلق يتزايد مع قرب ميعاد «Le Prom» - كما يُعرف في أوساط خريجي المدارس الفرنسية - وسؤال واحد يتردد على ألسنة الفتيات: «هلبس إيه؟؟.. مينفعش أبقى وحشة اليوم ده بالذات».. في الوقت الذي كانت فيه «رنا يسري» منهمكة في وضع الرتوش الأخيرة على فستانها الذي صممته ونفذته بيديها بثقة وثبات لتحضر به الحفل وتُبهر جميع زميلاتها.. فكان ذلك الحفل في صيف 2006 نقطة تحول في حياة الطالبة –آنذاك- إيذانا بميلاد مملكة «أسوري».



لم تكن حياة رنا نمطية كمثيلاتها من الطالبات في كلية الهندسة، فرغم التحاقها بقسم «هندسة البناء والإنشاءات» فرع «إدارة المشاريع»، ظل حلمها القديم ساكنا بداخلها متحينًا الفرصة ليخرج إلى النور: «من وانا عندي 12 سنة كنت بحب أرسم كل فساتيني بتخيل أي حاجة قدامي وأترجمها في رسمة، ممكن أشوف شباك أو تمثال وأرسمه لا إرادي كتصميم فستان، صممت بنفسي فستان حفل التخرج بتاعي، الموضوع كبر جوايا عشان جدتي كانت بتفصل لبسها كنت دايما بروح معاها وبشوف كل الخطوات وبفصل فساتيني معاها».



تسترجع رنا الذكريات وتعود بها إلى ما بعد تخرجها من الثانوية العامة، فأوضحت أنها لم تفكر مرتين للالتحاق بكلية الهندسة، فهو المجال الذي تحبه ويتماشى مع شخصيتها، شارحة: « لما اتخرجت مكنش فيه في مصر لسه أكاديميات أو كليات ليها علاقة بالموضة والأزياء، من هنا اخترت هندسة وأقدر أقول إنها ساعدتني في شغلي وأي نجاح وصلت ليه النهارده.. اتعلمت أساسيات الإدارة والتسويق وازاي أقدر أدير مشروع ويبقى عندي منهجية في التفكير والبحث والإدارة والاهتمام بالتفاصيل الدقيقة، أقدر أقول إن بالرغم إن معايا النهاردة في "أسوري" بنات شطار جدا وخريجين أكاديميات فاشون، إلا أن جزءًا كبيرًا من نجاحنا السبب فيه اللي اتعلمته في كلية الهندسة».



«الناس فاكرة إن شغلنا سهل ولذيذ.. بسمع تعليقات ناس كتير بتقولي: الله بتعملوا فساتين.. شغلنا ملوش أي علاقة بالبساطة اللي الناس فاكراها نهائي.. الفساتين بالنسبالي أنا وفريقي في الآخر عبارة عن عمل فني بنتعب فيه.. إنت بتشوف الفستان في صورته النهائية.. إحنا قبلها بنكون عانينا بمجهود وسهر وتغيير تصميم وقماش وقصص يطول شرحها».. تقولها مؤسسة «أسوري» ضاحكة وهي توضح كيف تقدم منتجا متقنا يقف وراء تنفيذه عدة أشخاص طوال أيام - وربما أسابيع -.



توقفت المصممة الشابة عن الكلام للحظات، مُستأذنة لمراجعة بعض التصميمات الخاصة بـ«نور» أصغر متدربة في «أسوري» حيث أتمت فقط ربيعها الثاني عشر.. تساؤلات عدة ثارت داخل عقل محرر «فيتو» في تلك اللحظات أثناء تأمل المكان الأنيق الذي وطأته قدماه: كيف لشابة في العشرينيات أن تصل لهذا القدر من النجاح في مجال صناعة الأزياء؟ من أين بدأت وكيف؟ من ساهم في وصولها لتلك المكانة؟ ماذا تطمح لتحقيقه؟؟.. قطع حبل تلك الأفكار صوت رنا مبتسمة: « يالا نكمل؟.. هقولك بقى أنا بدأت كل ده ازاي».



«ديسمبر 2016 كانت بداية "أسوري" لوحدي.. نعمة صاحبتي انضمت ليا أول 2017.. قبلها اشتغلت فترة مع ناس صحابي في brand تاني صغير كنوع من التجربة.. ابتدينا في مكتب صغير كل واحدة كانت بتخلص شغلها ونيجي نقعد نشتغل بايدينا واحنا قاعدين على الأرض.. مكنش لسه عندنا أي حاجة في الهاوس غير مكتب والبلاط».. تقول رنا ضاحكة عن بداياتها، موضحة أنها بعد ذلك بفترة ارتأت ضرورة التوسع فقررت النقل لمكان آخر أكبر ليلائم توسعات مشروعها، وتُتابع: «نقلنا فعلا مكان تاني.. كنت باخد دبلومة للفاشون مع المصمم العالمي "Marc Jacobs"، وابعت لنعمة تطبق اللي انا باخده وتنفذه في تصميمات عشان نمرن نفسنا ازاي نحسن جودة منتجنا.. الموضوع مكنش مفروش بالورد زي ما أي حد من بره هيشوف كده».



مصممة الأزياء الشابة أوضحت أن أكثر ما أسعدها وشعرت معه بتحقيقها خطوات ثابتة على طريق نجاح حلمها، هو ترسيخ مبدأ «التعلم والتطوير» والذي أصبح منهجا وضعته لفريق عملها – على حد وصفها -، مشيرة إلى أن الرغبة في التعلم والنهم المتواصل للتطور والتحسن ومواكبة كل ما هو جديد في عالم الأزياء والموضة بالخارج أصبح سمة أساسية في فريق عمل «أسوري».. وتُضيف: « فكرة انك تشوف الناس اللي شغالين معاك حاسة انهم جزء من المكان وعندهم حماس انهم يتعلموا ويطوروا من مهاراتهم عشان يفيدوا نفسهم ويفيدوا المكان بتوصلك شعور الانتماء اللي كان هدفي من أول يوم وانا ببدأ "أسوري".. الفريق بتاعي كله بنات وستات في العشرينيات والثلاثينيات بنستثمر فيهم وفي تعليمهم كويس جدا مش بنبخل على حد بمعلومة أو خبرة.. إحنا آخر فساتين عاملينها من أسلاك الكهرباء والنحاس.. لما تشوف ناس عندنا بقت تشرح لغيرها ازاي تشتغل وناس كانوا معانا ومشيوا وبدءوا في أماكن تانية وبقى عندهم خبرات من اللي اتعلموه في أسوري.. أعتقد ده من وجهة نظري أعظم نجاح».
«أنا نفسي مريت بالتجربة دي لما سافرت لبنان أتدرب في بيت أزياء طوني ورد».. تروي رنا لـ«فيتو» عن تفاصيل تدريبها واكتسابها الكثير من الخبرات التي أسهمت في صقل موهبتها في مجال صناعة الأزياء: «هناك في لبنان مش بيبخلوا خالص عشان تتعلم.. ده كان بيشجعني إني مفوتش حاجة مش فاهماها كنت بفضل أسأل في كل تفصيلة.. حتى لما رجعت مصر وابتديت اطبق اللي اتعلمته في شغلي.. لما كان فيه حاجة بتقف قدامي كنت ببعتلهم وبكلمهم وكانوا بيتعاونوا معايا جدا.. مستر "طوني ورد" المصمم العالمي اتعلمت منه كتير واستفدت وكان دايما بيشجعني».



لمعة في أعين مصممة الأزياء ارتسمت معها ابتسامة خفيفة علت شفتيها، بدت واضحة لمحرر «فيتو» فور نطقها باسم مصمم الأزياء اللبناني الشهير، وبسؤالها عن السبب، أجابت ضاحكة: «طوني ورد ليا معاه موقف طريف جدا.. لما جيت اقدم في "Arab Fashion Week" في الرياض كان أول مرة يتعمل هناك بعد الانفتاح الثقافي اللي بيقوده الأمير محمد بن سلمان.. فكان عليه تركيز واهتمام عالمي ورغبة من المنظمين في تواجد أكبر مصممي الأزياء في العالم».



مؤسِسة «أسوري» أوضحت أن «أسبوع الموضة العربي» بالرياض أقيم في أبريل 2018، تحت رعاية الأميرة نورة بنت فيصل آل سعود، الرئيس الشرفي لمجلس الأزياء العربي، بمشاركة مجموعة من أشهر مصممي الأزياء في العالم، أبرزهم الإيطالي روبرتو كافالي، والفرنسي جون بول جوتييه، واللبنانيين باسيل سودا وطوني ورد، إضافة إلى مجموعة من المصممين السعوديين والعرب.



تتابع: «في عروض الأزياء عادة بيسيبوا آخر يوم لأكبر مصممين اللي هو مسك الختام يعني.. أنا طلبت من المنظمين إني أعرض المجموعة بتاعتي في آخر يوم وطبعا موافقوش.. أنا مسكتش وسافرت جبت كل الخامات اللي بنشتغل بيها وفيديوهات بتبين احنا شغالين ازاي وفريق العمل بتاعي وقعدت معاهم وقلت ده شغلي وانا شايفة إني أستحق وفعلا بعتوا كل ده للحكام في لندن وميلان ودبي وبيروت وخدت الموافقة.. يومها بقى قبل العرض شافني "طوني ورد" وضحك وقالي بتعملي ايه هنا واندهش لما حكيتله القصة كلها وبعدها شجعني وقالي برافو كملي أنا فخور بيكي.. كلامه ده اداني طاقة إيجابية بشكل لا تتخيله».



عن فكرة «اللوجو» الذي يرمز لبيت الأزياء الخاص بها، تحدثت صاحبة «أسوري» موضحة كيف تم تنفيذه بعد أن استوحت تصميمه من الحضارة الآشورية القديمة الممتدة جذورها منذ آلاف السنين، واعتمدت على دمج نجمتين ترمزان لبوابة حضارة آشور وآلهة الجمال والحب «أشتار».



وتُكمل رنا: «من هنا جت فكرة اللوجو اننا نمزج بين حاجتين فيهم جرأة وبساطة وكلاسيك في نفس الوقت كترجمة لهويتنا واللي بنقدمه وننفذه في الهاوس بتاعنا.. وحرف الـ O اللي جواه نقطة في كلمة ASORY بيرمز للشمس اللي بتشع ثقافة بتمنى انها تعمل ثورة ونقلة في صناعة الأزياء حول العالم».


تؤمن "رنا" بأن من أهم ما يجب أن يميز مصممي الأزياء التواضع والبساطة، فهي ترى أن المصمم بالأساس «فنان» يعمل بإحساسه وإبداعه قبل عقله، لا يهمه ما يراه أو يعتقده الغير، قد يستمع لآرائهم من قبيل ثقافة الاختلاف، ولكنه في النهاية يفعل ما يُمليه عليه قلبه قبل عقله، وتروي: «أنا أعرف أطفال وشباب كتير عندهم "متلازمة داون" صحاب أخويا الصغير عمر منهم بنت اسمها سلمى بطلة سباحة عندها 23 سنة.. كانت دايما نفسها تلبس فستان زي أي بنت في سنها.. أنا قلت لنفسي سلمى هتلبس الفستان وهتبقى أحلى بنت في الدنيا.. وفعلا اشتغلنا على ده في الهاوس وبعد ما خلصناه لبسته وعملنا فوتو سيشن وفيديو اتكلمت فيه وقالت: النهارده حاسة إني بقيت ملكة.. كانت هتطير من الفرحة بجد.. إنك تكون سبب أن الفرح يدخل قلب إنسان شايف نفسه مختلف أو الناس بتبصله على أنه ناقص ده من أكتر الحاجات اللي بفتخر بيها في حياتي».



دائما ما كانت الأسرة عاملا رئيسيًا في نجاح وإبداع أي من أبنائها، فالبيئة الصحية التي يوفرها الأب والأم بالمنزل وتشجيع طموحات وأحلام أبنائهم والعمل على تهيئة الظروف لتحقيقها، هي اللبنة الأولى في بناء صلب متراص يستطيع مواجهة الصعاب وتخطيها، قد يهتز أو يختل قليلا ولكنه أبدا لا يسقط.. هكذا تصف "رنا" دور أسرتها في دعمها وتشجيعها لتحقيق حلمها رغم تحفظهم في بداية الأمر، فتستفيض: «في الأول طبعا كانوا ممانعين وشايفين إني بسيب شغل كويس كنت فيه عشان حاجة مش مضمون نتايجها.. مع الوقت ولما شافوا إصراري وتركيزي بجد عشان أنجح.. بدأوا تدريجي يساعدوني ويقفوا جنبي.. طبعا موضوع السفر مكانش سهل أقنعهم بيه خالص وعملت عشانه معارك».



يلتقط أحمد شقيق رنا الذي يصغرها بعامين طرف الحديث، هو رائد أعمال يدير مصنعا لتصنيع وطباعة علب الكارتون والبلاستيك: «رنا من صغرها بتحلم إنها تبقى أحسن مصممة أزياء في العالم وتعمل فاشون هاوس.. أنا من الأول خالص شجعتها بس كان فيه دايما قلق لأن ده هيبقى مشروع حياتها فكان الخوف انها تفشل أو متوصلش لهدفها ويأثر على حياتها كلها بالسلب بعد كده.. لما شفنا إصرارها الرهيب وخطواتها السريعة في وقت قصير من كورسات وتدريب وحضور عروض أزياء وابتدت تسمع وتتعرف.. ابتدينا وقتها بقى نتكيف مع الوضع وندعمها بكل الصور.. أنا مثلا من ناحيتي كنت بطبع لها كل شغلها من شنط لورق والدعاوي اللي باسمها.. كل واحد في العيلة بيدعم رنا بطريقته».



وتعليقا على ما ذكرته شقيقته عن المعارك التي خاضتها لتقنع الأسرة بالسماح لها بالسفر، انفجر أحمد في الضحك، مضيفا: «فعلا في الأول كان الموضوع ده مش مطروح للنقاش أصلا.. بعد كده حبة حبة لما الموضوع كبر وتحديدا في أول مسابقة دخلتها “La Mode A Beyrouth Cairo 2017” وكسبت المركز الأول.. وقتها عرفنا أنها فعلا قد المسئولية وده خلى والدي ووالدتي اقتنعوا بضرورة إنها لازم تكمل حلمها.. وابتدت بقى تسافر لبيروت ودبي وتشارك في عروض ووالدتي أوقات كانت بتسافر معاها.. ربنا يكرمها وتقدر تكمل وتوصل لحلمها وتشرف بلدها وترفع اسم مصر عالي وسط كبار مصممي الأزياء في العالم».




«إيه سقف طموحك يا رنا؟؟».. سؤال أخير وجهه محرر "فيتو" لمصممة الأزياء الصاعدة في سماء الشهرة.. وأجابت: بص أنا بشوف إن اللي بيحط لنفسه سقف مش طَموح أصلا.. أنا حدودي السما باتساعها وامتدادها وبقول لكل شاب مصري حاول واجتهد ورا حلمك ومتيأسش احنا ممكن نغير ولينا في محمد صلاح قُدوة ومثل.. نفسي أغير خريطة صناعة الأزياء في العالم.. الحمد لله حققت خطوة على الطريق ده وبقى معايا عضوية في مجلس دبي للتصميم والأزياء (DDFC).. قدوتي هو المصمم المبدع اليكسندر ماكويين وبفرح لما ناس تشبه شغلي بيه.. هدفي أن اسم "ASORY" يوصل للعالمية ويبقى في يوم من الأيام ولو بعد 50 سنة بيتذكر زي بيوت الأزياء العريقة “Chanel” و"Dior".. يمكن ده السبب الرئيسي اللي خلاني مسميش البراند على اسمي.. أنا دايما بقول: "أسوري" امبراطوريتي هتعيش النهاردة وبكره وعلى طول.. لو النهارده رنا يسري موجودة أكيد قدام هيبقى فيه غيري.. بس اللي هيفضل للأبد اسم «ASORY».
Advertisements
الجريدة الرسمية