رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

30 % من وحدات الغسيل الكلوي بالمحافظات خارج الخدمة.. ومخاوف من تكرار مأساة «ديرب نجم».. تهالك الأجهزة في الأقصر ونقص الأطباء بالإسكندرية وملوثات القليوبية ترفع أعداد المرضى والتقرير بـ50 جني

حادث ديرب نجم
حادث ديرب نجم

ما بين رغبة وزيرة الصحة والسكان "المُستجدة" الدكتور هالة زايد في تعميم السلام الجمهوري بالمستشفيات فور استوزارها، والواقع الأليم الذي تعيشه المستشفيات الحكومية، تظهر الحقائق المُرة التي يتعامى عنها المسئولون الذين يتحصنون في أبراجهم العالية.


الوزيرة القادمة من مستشفى 57347، بكل ما تحمله من تجاوزات ومخالفات انفردت "فيتو" بنشر تفاصيلها خلال الأشهر الأربعة الماضية، التي تجاهلت الرد عليها، بدا أنها لم تكن مشغولة بتلافي أوجه القصور في المستشفيات التابعة لها، حتى استيقظ المصريون صباح السبت الماضي على وقائع كارثة مأساوية جديدة، أودت بحياة 3 من مرضى الفشل الكلوي، وإصابة آخرين أثناء تلقيهم جلسات غسيل كلوي في مستشفى ديرب نجم بالشرقية، وبحسب التقارير الأولية فإن الوزيرة توعدت المقصرين والمخالفين، في الوقت الذي قامت فيه زميلتها وزيرة التضامن الاجتماعي الدكتورة غادة والي بتوفير تعويضات محدودة، في الوقت الذي تصر الوزيرتان فيه على التعمية على مخالفات مستشفى سرطان الأطفال.

وزيرة الصحة والسكان لم تصرح فيما صرحت به باعتزامها مراجعة مراكز الفشل الكلوي، وغيرها في عموم المستشفيات الحكومية التي تقدم خدماتها للفقراء والمعدمين، لكنها ارتضت سياسة "الترقيع"، في التعامل مع الكوارث والمآسي التي لا يروح ضحيتها سوى الغلابة.. "فيتو" ترصد في السطور التالية أبعادا أخرى للأزمة.

"كعب داير"!
في البداية.. أكد مصدر مسئول بوزارة الصحة والسكان أن أعداد مرضى الفشل الكلوي في تزايد مستمر، خصوصا في المحافظات، وأن معظمهم مهدد بالموت في أية لحظة، وأن عدد ماكينات الغسيل الكلوي في المستشفيات الحكومية والجامعية والمراكز الخاصة يقدر بنحو 17 ألف ماكينة، كل واحدة تخدم 6 مرضى في المتوسط يوميا، وتكلفة صيانة الماكينة تصل إلى 5 آلاف جنيه سنويا، مضيفا أن الحكومة تخصص 25 % من ميزانية العلاج على نفقة الدولة لمرضى الفشل الكلوى، أي نحو 5 مليارات و400 مليون جنيه.

وبدوره التقط الدكتور حسن العزاوي، استشاري أمراض الكلى والمدير السابق لإدارة الكلى بوزارة الصحة والسكان، طرف الحديث منوها إلى أن المستشفيات الخاصة تقبل قرارات نفقة الدولة، لكن لا تعطي المريض حقه، حيث إنه من المفترض أن يحصل على 3 جلسات أسبوعيا، لكن المستشفيات الخاصة لا تنفذ القرار بالكامل، وتقوم بتخفيض عدد الجلسات، مشيرا إلى أن هناك 15 ألف ماكينة في المستشفيات الحكومية والجامعية، وألفين في المراكز الخاصة، بإجمالي 17 ألف ماكينة، تخدم الماكينة الواحدة 6 مرضى يوميا.

وأوضح العزاوي لـ"فيتو" أن الماكينة لا بد أن يتم صيانتها بشكل دوري حتى تعمل بكفاءة، موضحا أن الماكينة طوال فترة الضمان تقوم الشركة المصنعة بإجراء صيانة شهرية لها، على أن يقوم المستشفى عقب انتهاء فترة الضمان، بالتعاقد مع شركة لإجراء الصيانة للماكينات، غير أن بعض الأماكن تتجاهل أعمال الصيانة للتوفير، وتعتمد على الفنيين بالمستشفى لإصلاح أي عطل، وكشف العزاوي، عن أن صيانة الماكينة الواحدة سنويا تصل إلى 5 آلاف جنيه.

موضحا أن وزارة الصحة لا تخصص مبلغا لصيانة وحدات الغسيل الكلوي، بل تقوم مديريات الصحة بتوزيع مبالغ على المستشفيات لأعمال الصيانة، ويشمل هذا المبلغ صيانة كل الوحدات والأجهزة بالمستشفى وليس وحدة الغسيل الكلوي فقط، مؤكدا أن 30% من ماكينات الغسيل الكلوي في مصر تعمل بربع كفاءتها.

وأشار مدير إدارة الكلى بوزارة الصحة إلى أن السمنة وأمراض القلب والضغط، والسكري هم الأسباب الرئيسية للفشل الكلوي، موضحا أن مريض الفشل الكلوي يعاني مجموعة أمراض، لأن اعتلال الكلى يؤدي إلى العديد من المضاعفات، كفشل عضلة القلب وفيروس سي ومخاطر على المخ والأوعية الدموية، لذلك لا بد أن يتم متابعة الحالة الصحية بشكل عام للمريض في مراكز غسيل الكلى، وهو ما لا يحدث سوى في 5% من المراكز، أما 95% منها فيتجاهلون الحالة الصحية للمريض رغم علم الفريق الطبي بأهمية ذلك، حيث من الضروري متابعة المريض قبل الجلسة وبعدها، سواء قياس السكر، أو الضغط، لافتا إلى أنه من الممكن، أن يحدث شلل للمريض إذا قام بغسيل الكلى حال ارتفاع ضغط دمه، وحال هبوط الضغط فمن الممكن أن يدخل المريض في غيبوبة.

إهمال الصيانة
الدكتور حامد عزت، نائب قسم الكلى بمستشفى المنصورة، وأمين صندوق نقابة الأطباء، أوضح لـ«فيتو»، أن إهمال صيانة محطة معالجة المياه بالماكينة قد يؤدي إلى وفاة المرضى، موضحا أن هذه المحطة دورها تعقيم المياه التي تدخل إلى الماكينة ومعالجتها، حيث تقليل نسبة الأملاح فيها "الصوديوم، الكلور، البوتاسيوم"، لافتا إلى أن هذه المياه تدخل الماكينة ليحل بها محلول "باي كارب" الذي يكون عبارة عن بوردة يتم تذويبها في المياه، لتختلط بعد ذلك بدم المريض، ويتم تبادل السموم وتصريفها من جسم المريض.

تهالك أجهزة الأقصر
إلى ذلك.. تجولت "فيتو" في عدد من المستشفيات ببعض المحافظات لترصد معاناة مرضى الفشل بها، وكانت البداية من محافظة الأقصر، التي يعاني المرضى فيها خصوصا في مركز إسنا بسبب تدني حالة وحدة الغسيل الكلوي، الناتج عن تسرب مياه الصرف تارة، وعدم توافر العلاج اللازم تارة أخرى، بالإضافة إلى تهالك أجهزة الغسيل الكلوي، وقلة عددها مقارنة بأعداد المرضى، كما تعاني الوحدة عجزا في الموارد البشرية، المتمثلة في طاقم التمريض.

من جانبه.. قال الشاذلي البحيري، أحد شباب مركز إسنا المدافعين عن حقوق المرضى داخل وحدة الغسيل الكلوى: إن المشكلة الأكبر التي تواجه المرضى في الوقت الحالي قلة عدد التمريض مقارنة بالمرضى، فمن الممكن أن تعمل ممرضة واحدة على 10 مرضى، داخل عنبرين فقط، فضلًا عن كون الأجهزة المستخدمة في الغسيل، قديمة، يرجع تاريخ شرائها إلى عام 1995، والأزمة الثانية هي الصرف الصحي التي باتت ملازمة للمرضى المترددين على الوحدة، حيث إن وحدة الغسيل الكلوي بمستشفى إسنا المركزي، حتى الآن ليس بها صرف صحي، ويستخدم القائمون على الوحدة الطريقة البدائية للصرف، من خلال سيارات "الكسح" الخاصة.

نقص الأطباء والتمريض بالإسكندرية
ومن الأقصر إلى الإسكندرية، حيث يعاني المرضى يوميا نقص الأدوية وارتفاع أسعارها.. يقول سيد كامل -أحد المرضى- إنه مريض الفشل الكلوي منذ عام، ويعاني من تلقي العلاج داخل المستشفى، بسبب ارتفاع أسعار الدواء ونقصه، فيلجأ إلى شراء بعض الأدوية من الخارج بأسعار مضاعفة لا يستطيع تحملها، وأضاف خليل محمد أحد المرضى، أنه يعاني المرض منذ 9 سنوات، وما يزيد معاناته من المرض ما يواجهه من صعوبات في رحلة العلاج، نقص الأدوية اللازمة للعلاج من هذا المرض، التي منها حقن الدم وارتفاع أسعارها التي تصل إلى 350 جنيها، وعدم قدرتنا على تحمل شراء المستورد منها بأسعاره المبالغ فيها.

من جانبها أكدت الدكتورة عبير محمد مسئولة بوحدة الغسيل الكلوي بالمستشفى، أن هناك الكثير من المعاناة التي تشكل أزمة كبرى داخل وحدة الغسيل الكلوي، وهي نقص في الأطباء والعمالة والتمريض، مشيرة إلى أن الوحدة تعمل ببعض الأجهزة القديمة، التي تحتاج دائما بشكل مستمر إلى أعمال صيانة، بسبب تعطلها خلال جلسات العلاج، وهو ما يؤثر على المريض، واللجوء إلى أعمال الصيانة الخارجية، لافتة إلى احتياج الوحدة إلى أجهزة حديثة بدل من المعاناة بسبب التعطل بالأجهزة المتاحة.

تعطل ماكينات قنا
وفي محافظة قنا.. يشكو أهالي مركز أبو تشت من نقص ماكينات الغسيل الكلوي، التي تصل إلى 18 ماكينة، وهو الأمر الذي تسبب في أزمة بالنسبة للمرضى، واضطرت إدارة المستشفى إلى تنظيم 4 شفتات لاستيعاب 130 مريضا مترددا على الوحدة، حيث تعمل الماكينة الواحدة على مدار 16 ساعة في اليوم الواحد، وهذا بالطبع أدى إلى تهالك الماكينات وعدم كفاءتها بالشكل الأمثل..

وقال أحمد سيد محمد، أحد أهالي المركز: إن الماكينات نتيجة الضغط والعمل بشكل مستمر لا تعمل بشكل مثالي، وبينها 4 ماكينات توقفت عن العمل بشكل شبه نهائي، مشيرًا إلى أن المرضى وذويهم يضطرون إلى السفر إلى المراكز الأخرى في بعض الأحيان لإجراء عمليات الغسيل الكلوى بسبب تعطل الماكينات، وأشار سيد محمود على، أحد المضارين، إلى أنه لا يوجد سوى طبيب باطني واحد في الوحدة، يبدأ عمله من الساعة الثامنة صباحًا حتى الساعة 2 ظهرًا، وبعدها يتوقف عن العمل إلا في حالة استدعائه من قبل أهالي المرضي.

ملوثات القليوبية
أما محافظة القليوبية فتعاني تزايد عدد المصابين بالفشل الكلوي بفعل الملوثات المختلفة، خاصة مياه الشرب ومخلفات المصانع وري المحاصيل بمياه الصرف الصحي.. وقال المهندس نور زكريا من أهالي قليوب إنه لاحظ ظاهرة غير حميدة بمستشفى قليوب منذ عامين، حينما أتي لزيارة صديقة بوحدة الغسيل الكلوي ولكنه لم يجد طبيبا، فقط ممرض، وعرف أنه أمر معتاد لديهم، لكن صديقه أصيب بمضاعفات وعجز الممرض عن التعامل مع الحالة، وأنقذوه في اللحظة الأخيرة، وعليه حرر محضر 692 إداري قسم قليوب، مشيرا إلى أن أكثر مشكلة في الأمر هي غياب الأطباء والاعتماد على الممرضين الذين لا يستطيعون العمل مع جميع الحالات.

وأكمل زكريا: أن هناك مشكلة أخرى تتمثل في تعقد إجراءات التصريح للماكينات بالعمل، مشيرا إلى أن من وصفهم بـ"أهالي الخير" رأوا أن حجم مرضى الغسيل الكلوي يتزايد والماكينات معظمها قديمة، فقرروا جمع التبرعات لشرائها، وبعد أن أتموا ذلك بالفعل وضعت الصحة أمامهم العراقيل لترخيصها وتشغيلها لخدمة المرضى.

وأكمل عبد الله السيد أحد أهالي مدينة طوخ أنه يقطع هو وزوجته 12 كيلو مترا يوميا للوصول إلى وحدة الغسيل الكلوي التابعة لمستشفى طوخ، التي تم نقلها إلى قرية العمار، بعد صدور قرار بغلق المستشفى، مشيرا إلى أن الطريق طويل وغير ممهد وقاسٍ عليهم، مطالبا المسئولين بالنظر بعين الرحمة لهم.

من جانبه أوضح الدكتور نبيل قطب مدير مستشفى طوخ المركزي بالقليوبية، أنه تواصل مع المسئولين لنقل وحدة الغسيل الكلوي والموجود بها 15 ماكينة إلى مستشفى حميات طوخ للتخفيف على المواطنين.

أوضح الدكتور إبراهيم راجح مدير مستشفى بنها الجامعي السابق، مستشار وزير التعليم العالي الأسبق، أن أكثر ما لمسه هو معاناة الأطفال المصابين بالفشل الكلوي لعدم وجود سوى 12 ماكينة فقط بالمستشفى الجامعى على مستوى المحافظة، تقدم الخدمة إلى 50 مريضا فقط وتعمل بنظام الدورتين، مما يجعل الأهالي مضطرين لقطع المسافات والكثير من المواصلات، بالإضافة إلى المجهود البدني.

50 جنيها مقابل التقرير بالمنيا
وفى محافظة المنيا يعد مستشفى المنيا الجامعي من أهم وأكبر المستشفيات، حيث تضم وحدات للغسيل الكلوي، وبها 42 جهاز غسيل كلوي، وعلى الرغم من ذلك شهد المستشفى تجمهر عدد كبير من مرضى الغسيل الكلوي بالمحافظة في الآونة الأخيرة، بسبب قائمة الانتظار الموجودة داخل المستشفى، التي أجبرت العديد من أهالي المحافظة على التوجه إلى المحافظات المجاورة لتلقي الخدمة، ناهيك عن فرض رسوم 50 جنيهًا، مقابل الحصول على تقرير جلسات العلاج والأدوية من مستشفى التأمين الصحي، وأن من لم يسدد سوف يحرم من جلسات الشهر، لم تتوقف المعاناة عند هذا الحد، بل أصبح المريض هو المسئول عن أشعة" بي سي أر والإيكو" خارج المستشفى، وعلى نفقته الخاصة، في ظل أوضاع اقتصادية متدنية.

"نقلا عن العدد الورقي.."
Advertisements
الجريدة الرسمية