رئيس التحرير
عصام كامل

محمد فودة يكتب: نزول الملائكة على بعض البشر

محمد فودة
محمد فودة

استوقفني قول المولى عز وجل: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ" الآية ٣٠ من سورة فصلت، وتوقفت أكثر عند قول الحق «تتنزل» محدِّثا إلى نفسي بعدما تملكتني الدهشة "ايه ده.. هو ممكن الملائكة تتنزل على البشر؟ طب إزاي وليه؟".


رجعت إلى بعض التفاسير ومنها تفسير ابن كثير الذي قال إن النزول هنا يكون عند الموت، تتنزل الملائكة لتقول لهم: لا تخافوا مما أنتم مقبلون عليه في أمر الآخرة، ولا تحزنوا على ما فارقتموه في الدنيا من المال والولد بالإضافة لتبشيرهم بالجنة كما جاء في حديث البراء رضي الله عنه قال: "إن الملائكة تقول لروح المؤمن: أخرجي أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينه، أخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان".

أما الدكتور محمد سيد طنطاوي فزاد على ذلك بقوله: إن نزول الملائكة عليهم بهذه البشارات يشمل ما يكون في حياتهم عن طريق طريق إلهامهم بما يشرح صدورهم وتطمئن نفوسهم، كما يشمل تبشيرهم بما يسرهم عند موتهم وبعثهم.

ونستخلص من ذلك أن نزول الملائكة على بعض البشر أمر وارد في الدنيا والآخرة، وليس أدل على ذلك.. موقف أول: حينما كان يأتي سيدنا جبريل عليه السلام متمثلا في صورة أحد الصحابة أو رجل غريب ليجلس بين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ليعلمهم أمور دينهم.

موقف ثان: نزول الملائكة على سيدنا عمران بن حصين رضي الله عنه، الذي كانت تسلم عليه الملائكة حتى صار كواحد منهم يحدثهم ويحدثونه ويصافحهم ويصافحونه، بعدما سمع سؤال أحد الصحابة للرسول، وهو يقول له: يا رسول الله، ما لنا إذا كنا عندك رقت قلوبنا، وزهدنا دنيانا، وكأننا نرى الآخرة رأي العين، حتى إذا خرجنا من عندك، ولقينا أهلنا، وأولادنا ودنيانا أنكرنا أنفسنا؟ فأجابهم عليه السلام: "والذي نفسي بيده، لو تدومون على حالكم عندي، لصافحتكم الملائكة عيانًا، ولكن ساعةٌ وساعة"، وسمع عمران بن حصين هذا الحديث فعمل بكلام النبي صلى الله عليه وسلم.

الموقف الثالث: قال تعالى في سورة مريم "فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا" عندما نزل الروح الأمين جبريل عليه السلام على ستنا مريم، عليها السلام، وكذلك نزول الملائكة بأمر من الله تعالى على ٣ من بني إسرائيل "الأعمى والأبرص والأقرع" في حديث مشهور، وهذا يؤكد أنه لا تعارض بين النقل والعقل في نزول الملائكة على بعض العباد الصالحين الذين اختصهم الله سبحانه وتعالى بذلك، ويكون على سبيل الندرة.

خلاصة الأمر: إن التفكير والبحث في عالم الملائكة - في دنيا لاهية تسرقنا حتى من أنفسنا - يقودنا بلا أدنى شك إلى إدراك عظمة وجلال الله سبحانه وتعالى في خلقه ومخلوقاته التي لا نعلم عنها إلا القليل جدا.
الجريدة الرسمية