رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

المسكوت عنه في عيادات «النساء والتوليد».. روايات صادمة لسيدات تعرضن للتحرش من الأطباء

فيتو

لم تتوقع سمر -اسم مستعار- في منتصف العقد الثالث من عمرها، متزوجة ولديها طفلة تبلغ 3 سنوات، أن رحلة الحمل بما تحمله من سعادة وفرح، ستحمل في طياتها أزمة نفسية تطاردها في منامها ولا تفارق مخيلتها أبدا، بعدما تعرضت للتحرش من طبيب النساء والتوليد خلال إحدى زياراتها لعياداته لمتابعة حالتها.


مضت سنوات ثلاث على واقعة تحرش الطبيب بسمر، ورغم تلك المدة الطويلة ما زالت تخشى الذهاب للطبيب، وترفض أن يوقع الكشف عليها من قبل رجل أيًا كان تخصصه.

تتحدث سمر عن تلك الواقعة بمزيد من الحزن: «من ساعة اللى حصل من طبيب النساء والتوليد ولغاية النهاردة، أرفض الذهاب إلى عيادة طبيب رجل أيا كان تخصصه، في الحقيقة أن تتعرض لتحرش على يد طبيب أمر مدمر نفسيا، ويزيد من حجم المأساة والخوف الذي تعيشه النساء في العالم أجمع».

قبل اليوم بنحو أربع سنوات، كانت «سمر» تستعد ليوم عُرسها، نصحتها بعض صديقاتها بالذهاب إلى طبيب "نساء وولادة" قبيل يوم الدخلة للاطمئنان على حالتها الصحية الجنسية إلا أن خجلها منعها.

بعد الزواج بنحو شهرين، كانت نطفة بدأت تتخلق داخل رحمها، فور عمل اختبار الحمل عرفت المفاجأة: «أنا حامل» قالتها «سمر» لزوجها، كانت فرحة كبرى في العائلة، زوجها هو أكبر إخوته، وحسب المثل الشعبي الدارج «أول فرحتهم».

كعادة النساء بدأت المداومة على الذهاب في زيارات دورية إلى الطبيب: «اعتدت مع بداية الحمل المتابعة مع طبيبة نساء وولادة، لكن لم أشعر معها بتحسن، نصحتني حماتي بالذهاب إلى أحد الأطباء المعروف لعائلتهم، وبالفعل بدأت المتابعة معه وفي الزيارة الأولى ذهبت مع زوجي وحماتي، ومرت تلك الزيارة دون أي تجاوزات».. تقول سمر.



توالت الزيارات، وبدأت الطمأنينة تصل إلى قلب «سمر» تجاه الطبيب، ولم تجد حرجا في أن تذهب إليه بمفردها: «عند الوصول إلى الشهر الرابع في الحمل شعرت بمزيد من الأعراض فاضطررت إلى الذهاب للطبيب، ولكن هذه المرة دون وجود زوجي لانشغاله ببعض الأعمال، ذهبت وحيدة وعند دخولي إلى الطبيب طالبني بالاستلقاء على ظهري وخلع ملابسي الداخلية، في البداية شعرت بالتوتر من ذلك الطلب، فأنا أعلم من حديث صديقاتي اللاتي سبقنني في الحمل أن الكشف المهبلي لا يتم إلا في الأشهر الأخيرة للحمل، إلا أن توصية حماتي منعتني من الرفض».

واجهت سمر خجلها ومخاوفها واستمعت لتعليمات الطبيب، لم يدر في بالها أي سيناريوهات تتعلق باحتمالية أن تتعرض للتحرش من طبيبها الخاص إلا أن اللحظات التي قضتها في غرفة الكشف حملت في جعبتها أزمة نفسية لم تتخلص منها حتى الآن، تقول سمر: «شعرت بأصابع الطبيب تعبث بجسدي وملامسته لأعضائي التناسلية بشكل غير لائق، صاحبت لمسته «غمزة» من طرف عينيه وابتسامة صفراء، فاهتززت وقمت مسرعة ألقي بيديه بعيدًا عني ولم أدري بنفسي إلا وأنا أكيل له الضربات وأصرخ في وجهه بأفظع الشتائم.. وفي المقابل وقف هو دون أن يحرك ساكنا».

كانت المفاجأة قاسية عليها، لم تدرك سمر ماذا عليها أن تفعل أو كيف تتعاطى مع تلك الواقعة بأي طريقة، لم يكن أمامها سوى الذهاب إلى حماتها التي نصحتها بذلك الطبيب: «ذهبت مسرعة خارج العيادة منطلقة إلى منزل حماتي لأقص عليها ما حدث مع هذا الطبيب إلا أنني فوجئت برد فعلها حيث طالبتني بالصمت، وألا أخبر زوجي حتى لا يرتكب جريمة في حق الطبيب ويسجن، وقتها شعرت بمرارة في حلقي، الخوف تملك مني، التوتر والقلق كاد يقتلني، فشعور أن أحدهم مد يده بداخلك رغما عنك مميت والصمت أكثر موتا، ذهبت إلى منزلي واستلقيت على سريري غارقة في النوم والدموع تبلل وسادتي».

يخضع التحرش في الشرق الأوسط والبلدان العربية، لحالة من التعتيم الكبير، خاصة أن البعض يعتبر الذهاب إلى قسم الشرطة للإبلاغ عن حادثة تحرش «عار وفضيحة»، وعادة لا يتم الإبلاغ عن وقائع التحرش وتسجيلها لدى أقسام الشرطة، بل تذهب بعض الأصوات في المجتمعات العربية إلى إلقاء اللوم على المرأة ولباسها الذي ساعد على لفت الانتباه إليها.

وحسب دراسة أثارت الجدل أعدتها هيئة الأمم المتحدة، إن ما يقرب من 99% من نساء مصر تعرضن للتحرش بمختلف أنواعه (لفظي، جسدي)، والصمت كان الاختيار الأسلم لهؤلاء خوفا من الفضيحة.

على غير العادة، لم تخش «بسنت» ربة منزل، متزوجة منذ عامين، الفضيحة، وكان لها رأي آخر، ورفضت الصمت كأحد الحلول المطروحة على الطاولة، تروي تجربتها في إحدى عيادات النساء والولادة: «حياتي هادئة تماما وزوجي يعمل مهندسا مدنيا، في فترة حملي كنت أتابع لدى أحد الأطباء بمعرفة والدتي ولكنه كان كبير السن وكثير المرض والاعتذار عن العمل، فبدأت في الاستفسار عن طبيب آخر، صديقة لي اقترحت طبيبا شابا كانت شقيقتها تتابع عنده أثناء حملها ولكني اشترطت عليها أن تذهب معي للمرة الأولى، وكنت في شهري الثالث وبالفعل ذهبت معي صديقتي ومرت أولى الزيارات بسلام دون أي أزمات».



البدايات دائما تخفي أكثر مما تظهر، لعب هنا الطبيب دور الثعبان يتقرب من الضحية دون أن تشعر ويلدغها من حيث لا تدري أو تتوقع: «داومت على الذهاب للطبيب لسوء حالتي الصحية أثناء حملي، وفي إحدى المرات كنت بصحبة زوجي واعتذر عن الدخول معي لانشغاله في تليفون عمل ووقف في الخارج بانتظاري، وأثناء كشف الطبيب لامسني في مناطق حساسة ووصل الأمر إلى تحسس جسدي من فوق، شعرت بصدمة وصرخت بصوت عال، دخل زوجي مندفعا، أبلغته بما حدث من الطبيب، اشتبك معه وطلبنا الشرطة واكتشفنا فيما بعد أنني لم أكن الضحية الأولى لهذا الطبيب الذي لم يراعِ القسم الذي أقسمه».

«أقسم بالله العظيم أن أراقب الله في مهنتي، وأن أصون حياة الإنسان في كافة أدوارها، في كل الظروف والأحوال باذلًا وسعي في استنقاذها من الهلاك والمرض والألم والقلق، وأن أحفظ للناس كرامتهم، وأستر عورتهم، وأكتم سرهم».. (قسم الأطباء).

الطب واحدة من أقدم المهن وأجلها في الحياة، قدسها العديد من الحضارات على مر التاريخ، فكان للطبيب مكانة خاصة لا يمكن تجاوزها، وبالرغم من قدسية مهنة الطبيب إلا أن هناك دائما الخارجين عن المسار، الرافضين لقسم الأطباء الذي قطعوه قبل ممارستهم لمهنة الطب.

«النقابة لا تتهاون مع تلك الشكاوى ويتم النظر إليها بمنتهى الحسم، والجدية»، يقول الدكتور أسامة عبد الحي وكيل نقابة الأطباء ورئيس الهيئة التأديبية.

عبد الحي أوضح أن النقابة تتعامل مع ذلك النوع من التجاوزات بمزيد من الإجراءات، خاصة أنه يعد حنثا بالقسم العام للأطباء وخيانة للمهنة والمرضى على حد سواء، مشيرا إلى أنه يتم عمل لجنة مشكلة من وكيل نيابة بجانب اثنين من مجلس النقابة العامة، ويتم الاستماع إلى المدعى عليه -الطبيب- وتحويله إلى المحكمة، ومن ثم يأتي رأي المحكمة إن كان المدعى عليه مخطأ من عدمه.

وتابع رئيس اللجنة التأديبية: «يتم عمل لجنة تأديبية مكونة من مستشار واثنين من مجلس النقابة العامة، لاستكمال الإجراءات بتوقيع العقوبة واتخاذ اللازم في حال ثبت إدانة المتهم، والتي تصل أحيانا إلى الشطب من النقابة أو وقفه عن العمل وحسب الشكوى يتم إصدار القرار".

واستطرد: «يتم الاستناد إلى أستاذ نساء وتوليد للكشف على الحالة والنظر إلى (روشتة) الكشف وموعدها للتأكد من سلامة الاتهام، بجانب طلب شهادة عدد من الحضور، وتلك الإجراءات تسهل من عمل اللجنة واتخاذ قرارها النهائي بضمير مستريح". 

خالد أمين، رئيس قسم النساء والتوليد بأحد المستشفيات الخاصة، عضو لجنة التحقيق بنقابة الجيزة، اعترف بأن هناك تجاوزات من قبل بعض الأطباء مع مرضاهم، لكنه يرفض وصف تلك التجاوزات بأنها ظاهرة، واكتفى بالقول إنها "حالات فردية" ويتم محاسبة أصحابها بكل قسوة.

وعدد «أمين» توصيات للمرأة الحامل لتلافي وقوع تلك الوقائع: «على المرأة أن تطالب بوجود الممرضة أثناء توقيع الكشف عليها داخل العيادة، وأن تتأكد من سيرة الطبيب قبل اختياره وكذلك مؤهلاته العلمية». 

وأشار عضو لجنة التحقيق إلى أن العديد من أطباء النساء والولادة يتعمدون ارتداء خاتم الزواج لطمأنة المرضى، بجانب تربية اللحية في حال كان الطبيب شابا، البعض يتعمد تلك الأمور ليس لخداع المرضى لكن لطمأنتهم.
Advertisements
الجريدة الرسمية