رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

حرب كرموز.. عندما يفسد الطبيب صناعة السينما


الموهبة منحة إلهية لا تعوضها أي دراسات أو خبرات عملية، والموهوبون عملة نادرة في كل الأزمنة، وهم «أعز من الكبريت الأحمر» كما كانت تقول العرب، وإذا اختفى الموهوبون تنهار المجتمعات وذلك بعد فساد ذوقها العام.


ونظرة سريعة إلى محال بيع الكتب ودور السينما وشاشات الفضائيات تؤكد أن الإبداع على وشك النفاد، وأن كثيرًا من الأسماء اللامعة - إلا من رحم الله - ضخمتها آلة الدعاية.

ومن بين الأعمال التي تعرضها دور السينما هذه الأيام وتؤكد أن الفن السابع يواجه خطرًا يستدعي تكاتف صناع السينما فيلم «حرب كرموز» الذي يمكن اختصاره دون إخلال بأنه تجميع لمشاهد لا علاقة لها ببعضها البعض سوى أنها يجمعها مكان واحد هو قسم شرطة كرموز في النصف الأول من القرن العشرين.

ومن نافلة القول التأكيد على أن كاتب السيناريو المخرج بيتر ميمي ليس ملزما بأن تكون قصة المنتج محمد السبكي موافقة لأحداث التاريخ، ولكن ما كان واجبًا على «ميمي» خريج كلية الطب التي قدمت لنا أعظم الأدباء أن يكتب سيناريو متماسكا ويقدم شخصيات لها عمق يقنع المشاهد بمواقفها خاصة أنها كانت كثيرة التقلب والتحول، ولكن الطبيب لم يفعل ذلك، ولا نعلم هل هذا مجاملة للسبكي أم أن موهبته في كتابة السيناريو محدودة.

ومن أبرز الخطايا التي ارتكبها كاتب سيناريو «حرب كرموز» أنه لم يعط أي عمق لشخصيات العمل وكأنها نبتت جميعا من العدم لتسطر ملحمة شعبية تصلح ليغنيها المطربون على الربابة في مقاهي الحرافيش ولكنك تنساها بمجرد سكوت المغني.

حتى الشخصية المحورية في العمل «يوسف المصري» الضابط الهمام الذي يخافه الموت لا نعلم عنه شيئا سوى أن له شقيقتين يصفعهما دون أي مبرر من باب «الهزار التقيل»، ولا أعلم ما الحكمة الباهرة التي يريد الكاتب إيصالها إلى المشاهد من هذا الأمر.

أما عجب العجاب وما لا يطيقه عقل عاقل فهو التقلب الغريب في مواقف الشخصيات دون أن يوضح لنا كاتب السيناريو الذي هو بالمصادفة مخرج الفيلم، ما الأسباب لهذا التغير من الموقف إلى نقيضه.

فعلى سبيل المثال لا نعرف ما الذي دفع العاهرة زوبة «غادة عبد الرازق» إلى عدم الخروج من قسم الشرطة عندما حاصره الجيش الإنجليزي، ومساندة يوسف المصري في قتال المحتل، هل لها سابقة في معارك المقاومة بعيدا عن الخدمات التي تقدمها في الفراش؟! هل ملَّت من «المشي البطال» فقررت التوبة لتموت شهيدة؟! بالعكس كانت حريصة حتى آخر لحظة على ختم الرخصة لتمارس نشاطها بتوسع أكبر، ولكن هي تيمة العاهرة الشريفة التي دأب كتاب السيناريو على «حشرها» في أفلام عهد الاحتلال دون مبرر، وأراد الدكتور بيتر السير على نهجهم حتى تكتمل خلطة النجاح.

أما شخصية ضياء الشندويلي التي أداها بيومي فؤاد ولم تضف لرصيده شيئًا ولم يضف لها شيئَا، فتحولها لا يصدقه طفل يشاهد أفلام الكارتون، فضياء من الوهلة الأولى مُوالٍ للمحتل ورافض لموقف الضابط المقاوم، وفجأة في نهاية الأحداث يتحول لوطني يحذر الضابط من خداع الإنجليز.

ولو راجع ميمي التاريخ من باب الثقافة العامة لعلم أن أي بلد محتل بما فيها مصر لا بد أن يكون فيها موالون للمحتل لا يعيش بدونهم ولا يعيشون بدونه، ولكن يبدو أن الكاتب المخرج قرر «ميزعلش حد» لتخرج كل شخصيات العمل وطنية طاهرة عفيفة شريفة أنظف من «الصيني بعد غسيله».

وما ذكرناه على سبيل المثال وليس الحصر، وقس على ذلك كل الشخصيات وبالطبع حمزة الهواري الذي تعامل مع الأحداث باعتباره زعيم مافيا يقود رجاله لمناصرة عائلة أخرى في المافيا ضد رجال الشرطة.

ولم تقف كوارث «ميمي» عن كتابة السيناريو بل امتدت إلى «ميمي» المخرج الذي لا أعلم لماذا لم يراجع أنواع وموديلات أسلحة ومركبات الجيش الإنجليزي التي كانت مستخدمة في الفترة التي وقعت فيها الأحداث بدلا من الأسلحة التي لا تنتمي لأي حقبة تاريخية إلا فترة «سمك لبن تمر هندي».

ويبدو أن «ميمي» المخرج لم يكلف نفسه عناء مراجعة المشاهد أثناء المونتاج ليراجع الأخطاء الساذجة التي ضمتها مشاهد العمل وعلى رأسها مشاهد المعارك التي يمكن رصدها بسهولة لا تحتاج إلى محترف.

أما أداء الممثلين النجوم فلم يضف شيئًا على الإطلاق سوى أن شارب أمير كرارة يصلح لضباط الشرطة في كل العصور، وصوته الذي لا تتغير نبراته يضاهي ضباط الصف في التدريبات الشاقة، وملامحه الصارمة لا تصلح لكل المواقف.

وجاء أداء محمود حميدة أكبر من الدور بكثير ولم تكن هناك على الإطلاق أي داعٍ للزمة «أمك صحبتي» سوى إضحاك المراهقين، وغادة عبد الرازق لم تضف أي جديد لشخصية العاهرة، وباقي الأدوار سطحية لا تسمح بإظهار مواهب الممثلين.

أما مجموعة الشباب فأداؤهم كان أكثر ديناميكية من نجوم الصف الأول ويبرز من بينهم محمد عز الذي يمتلك موهبة تحتاج إلى مزيد من الاهتمام. أما إيرادات شباك التذاكر فلم تكن يوما سوى دلالة على تقديم طبخة جيدة لجمهور «خارج يتفسح».
Advertisements
الجريدة الرسمية