رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

حكاية أب رفض كتابة «قايمة العفش والجهاز» لابنته: بنتي مش للبيع (صور)

فيتو

لم ننجب بناتنا لنحولهن إلى سلعة تباع لمن يدفع مهرا أكبر، لم يكن حبنا لهن من أجل «تحلية البضاعة»، بل هو منحة إلهية ظاهرها الشفقة وباطنها الرحمة، وزواج البنت بمن يصونها نعمة لا تضاهيها كنوز الأرض لو اجتمعت، حتى لو كان المهر خاتما من حديد لأن الذي لا ينطق عن الهوى، صلى الله عليه وسلم، قال «إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة».


ويبدو أن هذا المنطق لم يندثر في زماننا بعد، ولا زالت الحياة تجود بمن يؤكدون بأفعالهم أن «الدنيا بخير»، ومن بينهم عم ممدوح على الذي عبر «عمليا» عن حبه لابنته إسراء وزوجها المستقبلي «نوح» بل ولأحفاده الذين لم يأتوا إلى الحياة بعد.

"لقد وافقت أن تكون ابنتي كنة لكم، هي قرة عيني وأغلى عندي من أي قائمة وأي مبلغ، أنا أثمن ابنتي بأخلاقها وتربيتها وأرجو منكم أن تراعوا الله فيها".. كانت هذه الكلمات تلقى بنبرة عالية بينما تجلس الحاجة صفاء بجوار زوجها وابنها الأوسط "نوح" الذي ينتظر دخول عش الزوجية نهاية الشهر الحالي، في غرفة الصالون الخاصة بمنزل العروس، انتظارا لخروج الأب ممسكا بـ"القايمة" التي تحولت في عصرنا إلى محكمة تفتيش يحاسب بها الشاب على كل صغيرة وكبيرة، طقم كاسات زجاجي، أو حلة "سيراميك" باهظة الثمن، أو لحاف مصنوع من خامة رفيعة المستوى.

تساقطت الدموع من عيني الحاجة صفاء والدة العريس: "مكنتش عارفة أتمالك نفسي"، دخلت في نوبة بكاء متواصلة على إثرها تأثر الجلوس، نوح ووالده ووالد العروس، و"كنت عايزة أقوم أفرق شربات على الشارع كله من الفرحة".

لم تكن فرحة صفاء من نوع الفرحة التي تمر من خلال القلب وسرعان ما تذوب بانقضاء أثرها، لكنها كانت كالصدمة التي يتلقاها الفرد دفعة واحدة، "أنا أول مرة أشوف حد يعمل كدة"، تتحدث الحاجة صفاء والدة العريس، والتي سارعت إلى نشر نص القائمة مرفقا بصورة لها على صفحتها الخاصة بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" لتنهال عليها تسجيلات الإعجاب والتعليقات المباركة والمرحبة بفكرة الحاج ممدوح والد العروس، الذي أصبح بين ليلة وضحاها حديث "السوشيال ميديا" والأب المثالي.

"أنا بشوف قوايم بـ 200 و300 ألف جنيه، بتصدم، إحنا مسلمين زي بعض ولازم نخاف على بعض أكتر من كدة، الأسعار عالية جدا والشاب لازم نساعده يتجوز مش نقفلها في وشه، إحنا بنشتري رجل، وأنا عندي ولادي، مش منتظر يحصل لهم كدة عند زواجهم، لكن اللي بيعمل الخير بيلاقيه"، بهذه الكلمات يتحدث الحاج "ممدوح على" والد العروس إسراء 19 عاما، والذي أصبح أبا مثاليا وقدوة وجب على الكثيرين أن يحذوا حذوه.

الابتسامة والضحكات تخالج صوته السكندري الأصيل، أصوات الـ "دي جي" تملأ خلفية المحادثة، "النهاردة التنجيد والفرح آخر الشهر"، يرى الحاج ممدوح أن الرحمة شيئا فشيئا بدأت تنتزع من قلوب بعض الأهالي، وكأننا لا نزوج الشاب ولكن نعاقبه على وزر لم يقم به، "أنا عملت كدة وكلي أمل إن الأهالي يقلدوني، بناتنا مش سلعة وأولادنا من مذنبين علشان نعاقبهم، أنا أعرف ناس بتكب وصلات أمانة على عريس بنتهم"، لم يتردد ممدوح لحظة وهو يخط هذه الكلمات بين زوجته وأولاده، "أنا مش خايف ولا قلقان من الخطوة اللي اتخذتها دي".

ممدوح الذي تقاعد منذ فترة قصيرة بعد عمل دام لسنوات في إحدى شركات صناعة الأخشاب، لتنقطع بينه وبين مهنته كافة السبل عدا المبالغ القليلة التي يتقاضاها كل شهر معاشا له، دأب على البحث عن مصدر رزق بديل، يعينه على أسرة قوامها زوجة وأربع أبناء، "أنا معايا إسراء العروسة هي الكبيرة وولدين وبنت صغيرة"، ولداه لم يقلا عزيمة عنه، فنزلا برفقته إلى الشارع بعدما أنهيا دراستهما بالتعليم الفني، ليصبحا ووالدهما سائقي "تكاتك" مشهورين بأمانتهم في منطقة العبور بالإسكندرية، "أنا وأولادي شغالين على توكتوك مع المعاش بتاعي والدنيا ماشية، أهم حاجة ستر ربنا وسعادة الأولاد"، بتواضع يتحدث عم ممدوح.

الأسرة متوسطة، تنتمي إلى حي شعبي نوعا ما، الفتاة لم تكمل تعليمها وكذلك خطيبها، لم يشهدا الحياة الجامعية والمجتمعات المفتوحة، والحياة التي ذابت فيها شريحة كبيرة من الشباب المصري، شاب وفتاة "عاديين" هو يعمل في مخبز للحلويات الشرقية والغربية، وهي مقبلة على عامها العشرين، تداعب الحياة بشبيبة وإشراق لا ينقطعان، تتحدث عن خطيبها الذي عقدت خطبتها عليه منذ ثلاثة أشهر، بعبارات بعيدة عن الكلفة والزخارف، "أنا ونوح من بندرسو، تعليمنا متوسط لكن اتربينا كويس وبنحب وبنحترم بعض، لذلك قررت قبل ميعاد تسليم القايمة أنا ووالدي ووالدتي وإخواتي إننا مش هنطلب من نوح أي حاجة لأننا بنحب بعض وهو أهله محترمين ووالدته صاحبة والدتي من زمان".
Advertisements
الجريدة الرسمية